الحكاية رقم «٥١»
ألعب أمام البيت مبتهجًا بشمس الشتاء.
في الناحية المقابلة يلعب عبده ابن الجيران.
وهو ذو نظرة حالمة وصوت عذب وملامح آسرة، ويعجبني صوته وهو يغني:
وفجأة يصمت عبده، وتُعرِب ملامحه عن حزن بلا سبب ظاهر، ويُخيَّل إليَّ أنه يرمقني باهتمام.
– ما لك يا عبده؟
ولكنه لا يرد، أو بالأحرى لم يسمع، وكأنما يشرع في الضحك، ولكنه لا يضحك، وتندُّ عنه صرخة ثم يسقط على وجهه، يتصلب عودُه وترتعد أطرافه ويطفح الزبد من شدقَيه.
ويحمله أهل الخير إلى داخل بيته.
وأقصُّ على أمي ما رأيت فهتفت بحرارة: الله معه ومع أمه المسكينة.
وأسمع همسًا أنه ممسوس، وأنه لا يوجد له دواء عند أهل الأرض.
وتسوء حاله ويسيطر عليه البلَهُ.
ويومًا يرجع جعلص الدنانيري من القرافة في موكبه فتقف له الحارة على الصفَّين ويركبها الهول، إلا عبده، فإنه يعترض سبيل الفتوَّة بلا مبالاة، ويقول: إني ألعنك وطظ فيك!
وأقول لنفسي جزعًا: لقد هلك عبده.
ولكن الجبار يبتسم، بل ويتأبَّط ذراعه، ويمضيان معًا في سلام.
لم يرحم الجبار أحدًا في حارتنا إلا عبده.
وتعلمني الخبرة مع الأيام أن حارتنا تقدِّس طائفتَين: الفتوَّات والبلهاء.
وتحوم أحلام صباي حول الطائفتَين.
أحلم حينًا بالفَتْوَنة وجلالها.
وأحلم حينًا بالبلاهة وبركاتها!