الحكاية رقم «٥٨»
يجيء ربيع ونحن على شفا هاوية من الهلاك، في الحارة عصابات متخاصمة، وبين الحارات المتجاورة خصام مستعِر، ويغلي الحقد الأسود، وتمجُّ القلوب كراهيةً وتتكاثر حوادث الاغتيال، وينذر الغد بكارثة.
وعند الظهيرة من يوم مشرق يقع في مسرح الكون حدث غامض.
ثمة تجمُّعات من السحب القاتمة تنتشر في الأفق، غريبة في غير زمانها، ثم تنتشر بكثافة متصاعدة مقبضة للنفس، وتتطاول نحو كبد السماء وتنداح فتُخفي إحداها الشمس وتواري الضوء المنير.
وتمضي التجمُّعات في التكاثر والتقارب، وتتصل وتتلاصق فتتحول إلى تكتُّلات شاسعة، في بطء ولكن في ثبات وإصرار، حتى تشكِّل في النهاية سقفًا غليظًا من السواد العميق.
وتشخص الأعين نحو السماء متسائلة، من الطريق والدكاكين والنوافذ والأسطح تشخص الأعين نحو السماء.
وتدب في السقف الأسود حركة متوتِّرة، فيبدو متموِّجًا متصارعًا متلاطمًا كأنه محيط من الظلمات مشتبكًا في نضال ضار.
ويهرع الناس من البيوت إلى الحارة، يتابعون الأسرار الغامضة، لا يدرون عمَّ تتمخض؟ ويتوقعون مزيدًا من الإثارة المقلقة.
ويمضي الجو يتشرَّب بلون رمادي غامق، يزداد قتامة وتجهُّمًا، ويمضي بحر السواد يقطر نتفًا سودًا، تنتشر في الجو ثم تزحف هابطة في هدوء مخيف.
ويهجر الناس الحارة إلى الميدان، كذلك يفعل أهل الحارات المجاورة، يُنشدون في الانطلاق والتجمُّع البشري ما يفتقدون من أمان.
وتنفذ إلى حواس الشم رائحة ترابية مثيرة للأعصاب، ويأخذ الكون في الاختفاء، وتتخايل الأشباح، ثم يغرق كل شيء في ظلام دامس.
وترتفع الأصوات المتهدجة: يا ألطاف الله!
– ارحمنا يا رب العالمين!
وتشملنا ساعة من التوقُّع المتوتر لأي خطر داهم لم يجرِ لنا في خيال من قبلُ.
وتتلاحم الأيدي في الظلام لا تدري يد في أيِّ يد تُوضَع.