الحكاية رقم «٦»
على حصيرة واحدة نقعد صبيانًا وبنات في الكُتَّاب، نتلو الآيات بصوت واحد، ولا تفرِّق مقرعة سيدنا بين قَدَم صبيٍّ وقَدَم بنت. وقت الغداء يتربَّع كلٌّ منا مستقبِلًا الجدار بوجهه، يفك الصرة ويفرش منديله، كاشفًا عن الرغيف والجبن والحلاوة الطحينية.
تسترق عيناي النظر إلى درويشة وهي تقرأ أو تأكل.
في الطريق أتبعُها حتى تميلَ إلى الزقاق المسدود، ثم أسير إلى بيتي حاملًا لَوْحي وصورتها.
وفي موسم القرافة، أضيق بالمكوث في الحوش فأمرق إلى الخارج، فنتلاقى — أنا ودرويشة — بين القبور المكشوفة بلا تدبير.
وأشطر فطيرتي فأعطيها النصف، نأكل ونتبادل النظر.
– أين تلعبين؟
– في الزقاق.
هي تلعب في الزقاق المتفرع من الحارة، وأنا لا أجرؤ على التسلُّل إليه في النهار، يمنعني إحساسٌ خفي ولكنه غير بريء، ونتواعد بالنظر وبلا كلام، ومع المساء أدخل الزقاق فأجدها واقفة على عتبة الباب.
نقف شبحَين صامتَين يكتنفنا الذنب والظلام.
– نجلس؟
ولكنها لا تجيب.
أجلس على العتبة وأشدها من يدها فتجلس، أتزحزح حتى نتلاصق، يغمرني شعور بسرور غريب ذي أسرار، أمدُّ يدي إلى ذقنها فأدير وجهها إليَّ، أميل نحوها فأُقبِّلُها، أحيط خاصرتها بذراعي. أصمت وأهيم وأذوب في دفقة إحساس مبهمة، فأعرف السُّكْر قبل الخمر.
وننسى الوقت والخوف.
وننسى الأهل والحارة.
حتى الأشباح لا تُفرِّقنا.