الحكاية رقم «٦٢»
كان الحاج علي الخلفاوي من أغنياء حارتنا، عُرف بالطيبة والصلاح أكثر مما عُرف بالثراء، يعطف على المظلومين، ويُعين الفقراء، ويبرُّ ذوي القربى، ومع الأيام ازدادَ ورعًا وتقوى ورحمة، ولكنه خصَّ آل مهران برعاية شاملة لم يظفر بمثلها أحد ممَّن يُظلُّهم عطفه، وكان آل مهران قومًا فقراء، وبسبب الفقر انحرف كثيرون منهم فتورَّطوا في الجُنَح والجرائم واشتُهروا بالعنف والبلطجة.
ولما شعر الحاج علي بدُنوِّ الأجل استدعى إليه أكبر أبنائه، وقال له: لقد رأيت حلمًا.
فرمقه الابن بعطف واستطلاع فقال الحاج: آنَ لي أن أزيح عن صدري جبل الهم الأكبر.
فسأله ابنه: ما الحلم؟ وما الهم الأكبر؟
فاستغفر الحاج ربه وقال: بخلاف الظاهر يا بني كانت حياتي مريرة!
– لمَ يا أطيب الناس؟
فقال الحاج وهو يتنفس بمشقة: أريد أن أحدثك عن آل مهران.
– إنهم أناس يأخذون منك أكثر مما يستحقون، بل الحق أنهم لا يستحقون إلا العقاب.
فأسبل الحاج جفنَيه وقال: إنهم يستحقون كلَّ ما نملك!
ثم اعترف الحاج لابنه بأنه كان شريكًا لمهران الأب في شبابه الأول، وأن الوفاة حضرت الرجل وهما في سفر، فسرق ماله.
– المال الذي استثمرته فصِرنا به إلى ما نحن فيه وصار آل مهران بفقده إلى ما هم فيه.
قال الابن باضطراب: إنك لا تعني ما تقول يا أبي.
– إنها الحقيقة بلا زيادة ولا نقصان.
وغمرهما صمت مشحون بالقلق والاختناق، حتى قال الحاج: كانت الحياة مريرة، أريد أن أجنِّبك اللعنة، أريد أن يُرَدُّ المال لأصحابه.
فتساءل الابن محتجًّا: هل نعترف بأننا لصوص؟!
فقال الأب بضراعة: هذه هي مشكلتك يا بني.
– بل هي مشكلتك أنت يا أبي.
– إني أتردَّى في حضرة الموت.
فتساءل الابن بجفاء: ولِمَ لَمْ تفكر في التكفير من قبل؟!
وأغمض الحاج عينَيه كأنما تلقَّى لطمة، وغمغم: اللهم مُدَّ في عمري حتى أهيِّئ نفسي للُقْياك.
ولكنه مات قبل ذلك، بل إن رواة القصة يتهمون ابنه بالعبث بدوائه ليُعجِّل بنهايته.
هكذا تُرْوَىَ الحكايات، وبدقة في التفاصيل لا تُتاح إلا لمَن شهدها.
ولكن هكذا تُروى الحكايات في حارتنا!