الحكاية رقم «٦٥»
الشيخ لبيب وجه عتيق في حارتنا، تراءى لعيني مَعْلَمًا من معالم الحارة مثل التكية والقبو والسبيل، كان يتخذ مجلسه قبيل مدخل القبو، على فروة يجلس، وبين يديه مبخرة تنفث رائحة دسمة مخدرة، ذو جلباب أبيض وطاقية خضراء، مكحول العينَين ضعيف البصر، يطوِّق عنقه بمسبحة طويلة تستقر شُرابتها في حجره.
تتقاطر النسوان على مجلسه، يجلسن القرفصاء صامتات، يرمين بمناديلهنَّ وينتظرن كلمة تخرج من فمه، يغمغم ويتثاءب ثم يتمطَّى، ينطق بكلمة مفردة مثل «تُفرَج» أو بمثَل من الأمثال مثل «يا رايحين ربنا يكفيكم شر الجايين» فتفهم المرأة ما تفهم، فيتهلَّل وجهها فرحًا أو يغمق كآبة، ثم تدسُّ المقسوم تحت طرف الفروة وتمضي.
عاش الرجل دهرًا رزقه يجري، وكراماته تُروَى، واسمه يتردَّد على شفاه ذوي القلوب الكسيرة وما أكثرهم في حارتنا.
•••
ويطعن الشيخ لبيب في السن وتتغيَّر الأحوال.
يندر تردُّد الزائرات عليه حتى ينقطع أو يكاد، ويتكاثر التلاميذ ممَّن لا يرعون له حرمة، ويطاردونه بالسخريات والأزجال العابثة، ويهتف الشيخ: ملعونة المدارس المفتوحة لكم.
وتسوء حاله، وصحته أيضًا، ويتوعَّد الناس والزمان بعقاب الآخِرة، ويتحسَّر على أيام الطيبين الذاهبين.
•••
وأخيرًا يسلِّم للزمن، يتسوَّل، يمضي هاتفًا مادًّا يده كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ.