الحكاية رقم «٦٨»
من حكايات حارتنا التي لا تُنسى حكاية عبدون اللَّاله.
الأب كان عاملًا في البوظة والأم بيَّاعة باذنجان مخلل، أما عبدون فيعمل صبيًّا في الفرن.
يجيء بالعجين ويذهب بالخبز، ولكنه شاب ولا كل الشبان، يحب سلمى بنت ونس الكنَّاس فيتزوج منها ويمارس حياة زوجية سعيدة وهادئة.
نشيط ذو همة عالية، يعمل من طلعة الصبح حتى أول الليل، لا يرتاح ولا يهمد، لا يتذمر ولا يشكو، المعلم يقدِّره والزبائن يحبونه، يصلي العشاء في الزاوية، يحضر الدرس يؤاخي الإمام ويسترشد بآرائه فيما يعنُّ له من مشكلات، نُزْهته الوحيدة سماع الشاعر في المقهى ثم يرجع إلى بيته متسوِّقًا بطيخة أو خيارًا أو سمكًا مقليًّا.
وهو حليم يتحمل نزوات المعلم، وسخافات بعض الزبائن، وسخريات الأصدقاء بأدب وابتسام.
ما أعجبه في حارتنا، كأنه لا يسمع سبابها ولا يشهد منازعاتها ولا يتعامل مع أهل المعاصي والفتن من أهلها.
•••
وذات يوم يظهر في الحارة بجلباب أبيض كالحليب وطاقية مزركشة ومركوب أحمر، وكلما التقى بصاحب عانقه أو بذي مقام قبَّل يده، وقد أضرب عن العمل، ولم ينطق في ذلك اليوم إلا بجملة واحدة قال: اقتربت الساعة.
ويختفي ساعةً ثم يلوح فوق سطح القبو وهو يستقبل الحارة بوجهه صامتًا، ويتعجَّب الناس ويتجمهرون عند القبو، كيف صعد عبدون إلى سطح القبو؟ ماذا يفعل في مرتع الثعابين ووكر العفاريت؟
ينادونه فلا يرُدُّ.
ثم يثب من أعلى السطح فيتهاوى حتى يرتطم بعنف بأرض الحارة.
وأقول لنفسي كلما تذكَّرت مصرع عبدون اللَّاله: أن أعرف لماذا أحيا أسهل كثيرًا من أن أعرف لماذا عبدون انتحر!