الحكاية رقم «٦٩»
نادرًا ما يخرج إلى الحارة، وإذ يخرج لحاجة يمضي مهرولًا، في عينَيه حذر وتوجُّس، في أذنيه صمم يغلقهما دون اللعن ويفتحهما لما ينتفع به، لا يخترق القبو، لا يزور المقابر، يعيش وحيدًا في بدروم، لم يتزوج، لم يُذعن لنزوة، يقرض النقود بالربا، يُدعَى أبو المكارم.
ويلعنه الناس ولكنهم يقصدونه عند الضرورة.
وبلغ السبعين من العمر، يتجمَّع لديه مال وفير، ثم يكفُّ عن العمل.
يتغير حاله، تظهر عليه أعراض غريبة، يُرى من نافذة البدروم وهو متربع على الأرض مستقبلًا الجدار بوجهه، تمضي الساعات وهو لا يتحرك.
ويذهب ذات مساء إلى الإمام فيقف أمامه صامتًا حتى يسأله الشيخ: لماذا جاء أبو المكارم؟
فيقول بلا مقدمات: حلمتُ حلمًا.
فيسأله عنه فيقول: جاءني شخص في المنام وأمرني بأن أحرق مالي عن آخِره!
فيبتسم الإمام ويقول: ربنا يجعله خيرًا.
– ولكنه يتكرَّر ليلةً بعد أخرى!
– ما شكل ذلك الزائر؟
– لا أدري، جفناي ينطبقان في حضرته.
فيسأله الإمام باهتمام: من نوره؟
– أظن ذلك!
– هل أعلنَ عن هويته؟
– كلَّا.
فيصمت الإمام مليًّا ثم يقول: أتستطيع أن تتصدق بمالك على الفقراء؟
فيرمقه بريبة ثم يذهب.
وذات يوم من أيام الصيف، وأديم الأرض والجدران تشتعل بنار الشمس المحرقة، يتنبَّه الناس إلى دخان يتصاعد من نافذة بدروم أبو المكارم، يهرعون إلى النافذة فيرون أبو المكارم واقفًا عاريًا تمامًا والنار تشتعل في ماله.
•••
ويهيم بعد ذلك على وجهه عاريًا، يلتقط الطعام من أكوام القمامة، ثم يقبع في ظلمة القبو. ويعثر عليه يومًا ميتًا تحت القبو فيُدفن في قبور الصدقة.
ويرى أحد الأعيان حلمًا، يزوره سيدنا الخضر، ويبلِّغه أن أبو المكارم وليٌّ من أولياء الله، وأنه — العين — مكلَّف بإقامة ضريح فوق قبره.
ويقيم الرجل الضريح، وبمرور الزمن تتلاشى ذكريات أبو المكارم وتبقى له الولاية.
وأسأل أبي: وكيف عرف الوجيه أن سيدنا الخضر هو الذي زاره في المنام؟
فيجيبني: لعله صارحه بذلك.
فأسأل: لو كان أبو المكارم وليًّا حقًّا ألم يكن الأفضل أن يتصدَّق بماله على الفقراء؟
– في تلك الحال كنا نعُدُّه محسنًا لا وليًّا!
ثم يستطرد بعد صمت: العبرة بالحلم، لقد مَنَّ الله عليه بحلم، فهل تملك أنت حلمًا مثله؟