الحكاية رقم «٧١»
رجل غريب في المقهى.
الغريب في حارتنا يسترعي النظر، فمن أين جاء الرجل؟
جاء من ناحية القبو وهو ما يعني أنه جاء من ناحية القرافة غير مبارك الخطوات.
ويمضي الغريب إلى الزاوية فيسلِّم على الإمام وهو يقول: لا خاب مَن استرشد.
فيقول له الإمام: نهديك بما نعلم والهداية من الله.
– إنما أريد معلومات عن يوسف المُر؟
– لماذا يا أخي؟
– كلَّفني بذلك أناس طيبون وأنت سيد العارفين.
فأدرك الإمام أن الرجل ينشد المعلومات لحساب أهل فتاة يريد يوسف أن يتزوَّج منها، فقال: ولكنه متزوج!
– الدين يسر والحمد لله!
– عائلة المُر قديمة في الحارة وحرفتهم العطارة.
– وعمره!
– في الثلاثين، يعمل في دكان أبيه، له ثلاثة أبناء.
– يغيب أحيانًا عن الحارة أسبوعًا أو أكثر؟
فيبتسم الإمام ويقول: يبدو أنك تعرف عنه الكثير، ولكنه يغيب في رحلات تجارية.
ثم يتساءل الإمام: مَن الذي كلفك بالتحري؟
فيقول معتذرًا: لستُ في حِلٍّ من ذكره.
فيتضايق الإمام ويسأل بجفاء: وحضرتك مَن تكون؟
– أُدعى عبد الآخِر المقاول.
– أي مقاولات؟
– كلَّا، إنه لقبي، أما عملي فطحَّان غلال.
ويودِّعه ثم ينصرف.
ويتناهى الخبر إلى يوسف فيدهش، فيحلف بالله على أنه لا يسعى لزواج جديد، وما خطر له ذلك على بال، وتكثر التساؤلات عن الغريب وسره، تحتدم مليًّا ثم تخفُّ وتتلاشى.
وذات مساء يُرى الغريب قادمًا من ناحية الميدان.
يشق الحارة بلا توقُّف حتى يختفي في القبو، ثم يميل إلى الممر الضيق بين السور العتيق وبين سور التكية ويمضي نحو القرافة.
ويعلم يوسف المُر بخبره، فينطلق في أثره حتى يغوص في ظلمة القبو.
وتمضي ساعة فيقلق الأب، ويذهب في أثر ابنه حاملًا فانوسًا لينير له الطريق مصحوبًا ببعض عُمَّاله.
في القبو تترامى إليهم تراتيل الأوردة الأعجمية، آتية من التكية، وفي الساحة، وعلى ضوء الفانوس، يعثرون على يوسف المُر مطروحًا على الأرض وقد فارق الحياة.
ومع أن الطبيب الشرعي قرَّر فيما بعد أن الرجل مات بالسكتة، إلا أن قراره لم يُحترم لحظة واحدة في حارتنا.
يهزُّون رءوسهم ويتمتمون: الرجل الغريب!
ولكن من الغريب؟ ولِمَ قتل يوسف المُر؟
هنا تتبادل النظرات وتتناجى الهمسات وتنداح في الجو موجة من الأسرار الخارقة.