دراسات حديثة في علم النفس الاجتماعي في الأوساط المَدنيَّة والعسكرية
إذا عُدْنَا إلى أواخِر القَرن التاسِع عشر للنَّظر في حالة العلوم الإنسانية لوجَدْناها في حالة انشقاقٍ ونزاع. كان عِلم الاجتماع الناشئ يزعُم أنَّ دِراسة الإنسان من حيث هو فرْد لا تتجاوَز دِراسة طبيعته الحَيوانية كما يدرُسُها علم الأحياء، وأنَّ عِلم النَّفس علم مزعوم يجِب القضاء عليه بِتوزيع المَوضوعات التي اغتصبها في مَيدان المَعرفة الوَضعيَّة على البيولوجيا والسوسيولوجيا. أمَّا غيرها من المَوضوعات الجدليَّة البَحتة فعليها أن تنزوي في رُكن من أركان مُتحف الخُرافات الميتافيزيقية!
تلك كانت مَزاعِم علم الاجتماع الناشئ … فاحتدَم الجِدال بين أنصار كلِّ فريقٍ حتى جاء تطوُّر العلوم الإنسانية خلال الخَمسين سنة الماضية؛ فدَعم أسُسَ علم النفس التجريبي، وأنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض مرَّة ثانية بعد الثورة السُّقراطية، كما أنه ردَّ علم الاجتماع إلى حدوده الشرعية. وفضلًا عن كلِّ هذا مَهَّد التُّربة لإنشاء حلقةٍ وثيقة تربِط بين علم النفس وعلم الاجتماع، وهذه الحلقة ليست إلَّا علم النفس الاجتماعي.
ومن الحقائق التي ظفِرت أخيرًا بإثبات وجودها أنَّ المُجتمع الإنساني يتكوَّن من أفراد، وأن خصائص الأفراد لا بُدَّ أن تدخل في تكوين خصائص المجتمع، وأنه بالتالي لا بدَّ من معرفة مُعتقَدات الأفراد ومُيولهم وعواطِفهم واتِّجاهاتهم الفكرية والوجدانية؛ لكي نَستعين بهذه المَعرفة على فَهم المجتمع وتفسير تَطوُّره إن لم يكن التنبُّؤ بهذا التطوُّر.
قد يبدو هذا القول من التَّوافِه، ولكن الأمر هو كما وَصَفْنا، والدَّليل على ذلك الجهود الجبَّارة التي بذَلَها علماء النفس الاجتماعيُّون لتدعيم عِلمهم. وعلى الرَّغم من حداثة نشأة علم النفس الاجتماعي فإنه أثبتَ وجودَه وأقام البُرهان على فائدته في الكشف عن العوامل التي تُعيِّن طبيعة العلاقات بين الأفراد داخل الجماعة، وتأثير هذه العلاقات في تطوُّر النُّظم الاجتماعية.
علم النفس الاجتماعي: نظريَّاته ومَشاكِله – تأليف كريتش وكرتشفيلد.
نُشِرَت هذه الترجمة الفرنسية ضِمن منشورات المكتبة العلميَّة الدولية للعلوم الإنسانية، قِسم علم النفس الذي يُشرِف عليه هِنَري بيرون. ورأى الناشر أن تكون هذه الترجمة في مُجلَّدين: المُجلَّد الأول في المبادئ الأساسية والعمليات الاجتماعية، في حين يتناوَل المُجلَّد الثاني مناهج التطبيق ونتائجها الأولى.
تحوي المكتبة الأمريكية عددًا لا بأس به من الكُتب الحديثة في علم النفس الاجتماعي. غير أنَّ هنري بيرون اختار كِتاب كريتش وكرتشفيلد دون غيره من الكُتب المُماثلة؛ لما امتاز به من روحٍ واقعيَّة نقدية، ولابتِعاده عن المُناقشات الجدلِيَّة، واعتماده أساسًا على النتائج التجريبية لتدعيم النظرية العامَّة التي يقوم عليها بناء علم النفس الاجتماعي.
والكِتاب مُهْدًى إلى إدوارد تولمان صاحِب الكتاب المشهور: «السلوك الغَرَضي عند الحيوان والإنسان». وكان تولمان من المدرسة السُّلوكية الوطسونية في بادئ حياته العلمية، ثم لم يلبَث طويلًا حتى شَعَر بضيق أفُقِ السُّلوكيين وبسِطحِيَّة تفسيرهم للسلوك، فتأثر بمدرسة الجشطلت الناشئة، وانتهج، بفضل النَّزعة الدِّيناميكية التي أخذَت تقوى في الدِّراسات الحديثة، مَنهجًا تكامُليًّا، شامِلًا في نظرتِه الجانبَ الذاتيَّ الشُّعوري والجانب المَوضوعيَّ للسُّلوك الإنساني في إطاره الاجتماعي. فأعاد إلى المنهج الاستِيطاني قِيمَته العلمية، كما أنَّه عدَّ العوامل اللاشعورية من مُقتضَيات التفسير العِلمي للسلوك.
ونرى مؤلِّفا الكتاب يعترفان بفضل قُطبين من أقطاب علم النفس الحديث هما: ولفجنج كوهلر وكورت ليفين. وأثر الأول واضِح جدًّا في الدَّور الأساسي الذي يُعيِّنه المؤلِّفان لعملية الإدراك وأثرها في تكوين المُعتقدات والاتجاهات. ومن المعروف أن كوهلر من مُؤسِّسي مدرسة الجشطلت التي عُنِيَت خِصِّيصًا بعمليَّة الإدراك وبأثَرِ العوامِل الموضوعية في تشكيلها وتطوُّرها.
أما ليفين فتفكيره ذُو نزعةٍ جشطلتيَّة أيضًا بالإضافة إلى تَصوُّره الدِّيناميكي للسُّلوك الإنساني، وأثرُه واضِح فيما ذَكَره المؤلِّفان عن دِيناميكية الجماعات وعن العلاقات التوتُّرية القائمة بين الأفراد داخل المجال السلوكي.
هذا ولم يُغفِل الكتاب نتائج الأبحاث في الطبِّ العقلي والاجتماع، فحاول تحقيق التكامُل بين الحقائق الإكلينيكية والاجتماعية والسيكولوجية، ممَّا زاد من توضيح مَعالِم الظواهر الاجتماعية وهي ترتَسِم على أرضيَّتها السيكولوجية.
ونعتقِد أنَّ ميزة هذا الكتاب العُظمى بالنسبة إلى الطلَبة أنه يبعَثَ في القارئ الرُّوح العلميَّة الصحيحة التي لا تفصِل بين النَّظري والعملي، بل ترى أن تَضافُرَهما هو العامِل الجوهري لخُصوبة العِلم وتقدُّمه.
والترجمة الفرنسية جيَّدة واضحة، غير أنها لا تشمَل الفصول الأربعة الأخيرة (١٢–١٥) التي تتناوَل الموضوعات الثلاثة الآتية: التعصُّب العُنصري، الصِّراعات الاجتماعية والتَّوتُّرات الدولية. والسبب في إسقاط هذه الفصول أنها مَصبوغة بصِبغةٍ أمريكية مَحضة، وتُشير إلى بيئةٍ ثقافية واجتماعية مُختلِفة عن البيئة الفرنسية، ويُخشى على القارئ الفرنسي أن يُسيء تأويل ما جاء في هذه الفُصول، ولم يقصِد الناشر الفرنسي إلَّا إلى أن يُقدِّم مدخلًا مَتينًا إلى دِراسة علم النَّفس الاجتماعي.
-
ميدان علم النفس الاجتماعي ومَشاكله
-
دِيناميكية السلوك
-
إدراك العالَم
-
إعادة تنظيم الإدراك
-
المُعتقَدات والاتِّجاهات: طبيعتها وخصائصها
-
تكوين المُعتقَدات والاتجاهات وتطوُّرها
-
قياس المُعتقَدات والاتِّجاهات
-
الأبحاث في مجال الرأي العام
-
الدِّعاية وقُوَّتُها الإقناعيَّة
-
تركيب الجماعات الاجتماعية ووظائفها
-
الرُّوح المَعنوية الجَمعِيَّة وقِيادة الجماعة
ومن المَوضوعات التي تَستأثر باهتمام علماء النفس والاجتماع قياس المُعتقدات والاتِّجاهات وطُرق استفتاء الجماعات لاستطلاع الرأي العام. ومن الكُتب المشهورة في هذا المجال كتاب:
مُرشِد الأنام في استطلاع الرأي العام، تأليف: جورج جالوب.
ليس اسم جالوب ومَعهده بغريبٍ على القارئ العربي؛ إذ إنَّ الجرائد اليومية من حينٍ إلى آخر وخاصَّة قُبيل إجراء الانتِخابات في الولايات المُتحدة تنشُر تنبُّؤات معهد جالوب عن نِسبة احتمال فَوز أحد المُرشَّحين دون غيرهم. ولا يقتصر هذا المعهد على استِفتاء الشَّعب الأمريكي بمُناسبة الانتخابات فقط، بل يَستطلِع رأيه كذلك بِخصوص مشروعات القوانين المَعروضة على المجالس النيابية. وبِخصوص بعض الإجراءات الإصلاحيَّة التي تعتزم الحكومة عملها في ميادين الاقتصاد والعُمران والصحَّة، وكثيرًا ما يَسترشِد أولو الأمر بنتائج استفتاءات الرأي العام لتَوجِيه السيَّاسة العامَّة وجهةً ديموقراطيَّةً حقَّة.
غير أن هناك مجموعة من علامات الاستفهام يُثيرها رجل الشارع حول طريقة الاستفتاء ومنهجه وقِيمة النتائج وصحَّتها، وما إذا كانت هذه الأبحاث الاستطلاعيَّة تُجْرَى بنزاهةٍ وتُنْشَر نتائجها بطريقةٍ صادِقة وافِيَة، إلى غير ذلك من الأسئلة المطبوعة بطابَعِ الشكِّ والحَذَر.
وللردِّ على هذه الأسئلة وغيرها، وبقصْد إلقاء الضوء على أغراض هذه الأبحاث وقِيمة نتائجها، كَتَب جورج جالوب هذا الكِتاب الصغير في صُورة سؤال وجواب. وقد أورد في كتابه خمسةً وثمانين سؤالًا مُوزَّعة في اثنَي عشر بابًا، وجاءت الإجابات واضِحةً صريحة لا تتجاوَز في المُتوسِّط صفحةً واحدة. وكلَّما اقتضاه الأمر، كانت الإجابة مُدعمة بالأرقام والإحصاءات.
وقبل أن نُعطي للقارئ فكرةً مُوجزة عن هذا الكتاب الطريف نودُّ أن نُشير بكلمةٍ إلى تاريخ حركة استفتاء الرأي العام.
إن دراسة الرأي العام من دِراسات علم النفس الاجتماعي، وهي مُتَّصِلة بالطبع بحركة الأقْيِسة السيكولوجية الفرديَّة التي بدأت في أوائل هذا القرن؛ فعندما اتَّجه علم النفس نحوَ تطبيق الحقائق التي وصَل إليها شَرَعَ في قياس ذكاء الأفراد بواسطة الاختبارات الفردية، ثم تحت ضغط الحاجة إبَّان الحرب العالمية الأولى ابتكَرَ عُلماء النفس الأمريكيون الاختبارات الجمعيَّة التي تسمح باختبار مَجموعةٍ دفعةً واحدة.
ثم رُؤي أن مضمون الذكاء مَضمونٌ غامض مركَّب، وأنه يتضمَّن عدَّة عوامل يجِب التمييز بينها وقياسها على حِدة؛ فوُضِعت الاختبارات التي تقيس القُدرات الأولى والتي في مجموعها تكوَّن البناء العقلي للفرد. غير أن سلوك الإنسان لا تُعيِّنه فقط القُدرات العقلية، بل هناك السِّمات المِزاجية والخُلقية التي تؤثِّر في عمل القُدرات العقلية وفي إنتاجيَّتها سواء عن طريق التنشيط أو عن طريق التثبيط، فكان لا بُدَّ من وضعِ اختباراتٍ خاصَّة لقياس سِمات الشخصية المِزاجيَّة والخُلُقية.
ولم يلبَثْ علماء النفس طويلًا حتى أدركوا ما للعوامل الثقافية والبيئية الاجتماعية الأخرى من أثرٍ في تكوين الشَّخصية وتوجيه الاستِجابات والمَواقِف السلوكية. واكتَشفوا أنَّ آثار هذه العوامِل تتبلوَر فيما يُسمَّى بالمُعتقدات والاتِّجاهات، فكان لا بُدَّ من ابتِكار الوسائل من أقْيِسةٍ وسلاليم؛ للكشف عن طبيعة المُعتقَدات والاتجاهات وعن مُقوِّماتها وأنواع الصِّراع أو التَّضافُر التي تقوم بينها. وكانت المُهمَّة شاقَّةً جدًّا؛ إذ لم يكن الأمر سوى سبْر غَور الشخصية في أعماقِها، وليس هذا بالأمر اليسير. ثُمَّ كيف نضمَن سلامة المُقارَنات بين الأفراد بحيث نُميِّز بين الجماعات بعد أن نكون قد مَيَّزْنا بين الأفراد؟ وللتَّغلُّب على هذه الصِّعاب استَعان عُلماء النفس بشتَّى وسائل الإحصاء التحليلي كما سبَق أن استَعانوا به لوَضع اختبارات الذكاء وتقنِينها.
ومن الواضح أن عمليَّات استطلاع الرأي العام لا يُمكن أن تتمَّ بصورةٍ سليمة نَزيهة إلَّا في جوٍّ من الحرية والديموقراطية الحقَّة؛ ولهذا السبب يبدأ جالوب في كِتابه بِبَيان أثر استطلاعات الرأي العام في تدعيم الدِّيموقراطية وتعزيزها، فهي تسمَح للأغلبيَّة غير المُنظَّمة بأن تُسْمِعَ صوتَها للحكَّام، بحيث تتعادَل الكفَّة بينها وبين الأقليَّات المُنظَّمة القويَّة مثل أقلِّيَّات أصحاب المال وأرباب الصناعات. وإن الخطابات التي ترِد لأعضاء المجالس النيابية لا يُمكن أن تعبِّر — مهما كان عدد هذه الخطابات كبيرًا — عن رأي مجموع الأمة؛ إذ إنَّ من المُرجَّح أن يكون مُرسِلو هذه الخطابات من أصحاب المَصالح الخاصة. ويضرِب لنا جالوب مثالًا طريفًا جديرًا بالذِّكر: في صيف ١٩٤٠م كان المجلِس النِّيابي ينظُر في مشروع قانونٍ للتجنيد الإجباري لمُدَّة سنةٍ لكلِّ مَنْ تتراوَح أعمارهم بين ٢١ و٣١ سنة، فتلقَّى ١٤ من الشيوخ ما يزيد عن ثلاثين ألف خِطاب، وكان ٩٠٪ من أصحاب هذه الخِطابات يُعارِضون المشروع، فقام معهد الرأي العام باستِطلاع رأي المُنتخِبين فجاءت النتائج مؤيِّدة للمَشروع بنسبة ٦٨٪، بينما كانت نسبة المُعارضة ٢٧٪ ونِسبة من لم يُبْدُوا رأيهم ٥٪.
والسؤال الذي يجِب طرحُه هنا هو: «ما هو عدد الأشخاص الذين يُستطلَع رأيهم لكي يُمكن الاعتماد على نتائج الاستفتاء؟» ومما يدفَع رجل الشارع إلى إثارة هذا السؤال هو أن الحجم والدِّقَّة مُرتبطان في ذِهنه، ويبدو له أنه كلما زاد عدد الأشخاص المُستطلَعين زادت النتائج دقَّة. فإن عدد المُنتخِبين في الولايات المتحدة يربو على الخمسين مليونًا، فهل يُمكن أخْذ رأي هذه المجموعة الضَّخمة من الناس؟
الواقِع أن عدد الأشخاص هو أقلُّ العوامل أهميَّةً لصِدق النتائج، فهناك عوامل أكثر خطرًا منه مثل الدقَّة في اختيار الأشخاص، بحيث يُمثِّل مجموعهم المحدود مجموع الشَّعب كله. ثمَّ هناك صيغة السؤال أو الأسئلة المُستخدَمة لتحصيل المعلومات، ومَوقف عامل الاستِطلاع من الشخص المُستطلَع وتَحرُّره من التحيُّز والمُحاباة.
ومجموعة الأشخاص المُختارين لإجراء الاستفتاء عليهم تُكوِّن ما يُعْرَف بالقِطاع المُستعرَض الذي يُمثِّل كلَّ الطبقات والفئات والمستويات التي تتكوَّن منها الأمَّة. ويُمكن الاعتماد على قواعد حساب الاحتمالات لتحديد حجم المجموعة، كما أنه يُمكِن إجراء التجربة الآتية لمعرفة أنَّ دقَّة النتائج لا يَطَّرِد ازديادُها بنسبة ازدياد عدد أشخاص المجموعة؛ فقد قام معهد جالوب في عام ١٩٤٤م باستفتاء الرأي العام بشأن قانون منْع شُرب الخمور، فكانت العيِّنة التي اختار المعهد أشخاصَها — بحيث يتناسَب تركيبُها مع مُختلِف الجماعات التي تكوِّن السكان — ١٣٢٧ شخصًا.
يؤيدون قانون تَحريم الخمور | ١٣٧ | أي ٣١٪ |
يُعارِضون قانون تحريم الخمور | ٢٧٦ | أي ٦٢٪ |
المُتردِّدون ومن لا رأي لهم | ٢٩ | أي ٧٪ |
المجموع | ٤٤٢ |
ولمَّا أُضيفَت نتائج استفتاء العيِّنة الثانية ثم العيِّنة الثالثة جاءت النتائج كالآتي:
مؤيدون | معارضون | بدون رأي | |
---|---|---|---|
العينة الأولى وعدد أفرادها ٤٤٢ | ٣١٪ | ٦٢٪ | ٧٪ |
العيِّنة الأولى والعيِّنة الثانية وعدد أفرادهما ٨٨٤ | ٢٩٪ | ٦٣٪ | ٨٪ |
العيِّنة الأولى والثانية والثالثة وعدد أفرادها ١٣٢٧ | ٣٠٪ | ٦٣٪ | ٧٪ |
ثم زِيد حجم العيِّنة حتى ضمَّت ١٢٤٩٤ شخصًا، وفيما يلي النتائج مُرتَّبة تَبعًا لأربعة أحجام مُتزايدة في العدد:
مؤيدون | معارضون | لا رأي لهم | |
---|---|---|---|
عينة مكونة من ٢٥٨٥ شخصًا | ٣١٪ | ٦١٪ | ٨٪ |
عينة مكونة من ٥٢٥٥ شخصًا | ٣٣٪ | ٥٩٪ | ٨٪ |
عينة مكونة من ٨٢٥٣ شخصًا | ٣٢٪ | ٦٠٪ | ٨٪ |
عينة مكوَّنة من ١٢٤٩٤ شخصًا | ٣٢٪ | ٦٠٪ | ٧٪ |
ويتَّضح من هذه الأرقام أن الفروق بين نتائج مُختلِف العيِّنات تتراوَح بين ٢٪ و٤٪ وهي نسبة ضئيلة؛ فالنتائج التي تَحصُل عليها باستفتاء عيِّنة من ٤٤٢ شخصًا لا تختلِف في جوهرها عن نتائج استفتاء عيِّنة مكوَّنة من ١٢٤٩٤ شخصًا.
فالعدد في حدِّ ذاته لا يَعني شيئًا جوهريًّا، بل الأمر الهامُّ هو دقَّة تكوين العينة بحيث تُمثِّل تمامًا مجموع السكان من حيث انتمائهم إلى مُختلِف الفئات الثقافيَّة والاجتماعية والاقتصادية والمِهنيَّة إلخ …
حجم العينة (عدد الأشخاص) | مدى الأخطاء للتنبُّؤات (درجة الاحتمال واحد في الألف) | الحدود السُّفلى والعُليا للنتائج المُرتقَبة بالقِياس إلى تعادُل توزيع الآراء (٥٠٪ نعم – ٥٠٪ لا) | |
---|---|---|---|
الحدود السُّفلى | الحدود العُليا | ||
٥٠ | ±١٧٪ | ٣٣٪ | ٦٧٪ |
١٠٠ | ±١٢٪ | ٣٨٪ | ٦٢٪ |
١٠٠٠ | ±٤٪ | ٤٦٪ | ٥٤٪ |
٢٥٠٠ | ±٣٪ | ٤٧٪ | ٥٣٪ |
١٠٠٠٠ | ±١,٣٪ | ٤٨,٧٪ | ٥١,٣٪ |
مجموع سُكَّان الولايات المُتَّحِدة | ±صفر | ٥٠٪ | ٥٠٪ |
ثم يعرِض المؤلِّف لمُشكلة الأسئلة الوارِدة في استِمارة الاستطلاع: هل تتطلَّب فقط الإجابة بنعم أو لا؟ هل الإجابة من نوع الاختِيار المُتعدِّد أو من نوع المَفتوح غير المُقيَّد؟ كيف نتأكَّد من أنَّ صِيغة السؤال لا تحتمِل عدَّة تأويلات؟
- (١) أسئلة تعمل عمَل «المِصفاة» Filter لجمع بياناتٍ عن مدى اطِّلاع الشخص على موضوع الاستفتاء.
- (٢)
أسئلة مفتوحة ذات الإجابة غير المُقيَّدة.
- (٣)
أسئلة حاسِمة تقتضي الإجابة بنعم أو لا.
- (٤)
أسئلة «لماذا» و«كيف» بحيث يُبدِي الشخص رأيًا مُسبَّبًا.
- (٥)
أسئلة لمَعرِفة شدَّة الرأي من حيث قوَّة الشُّعور أو ضَعفه أو اعتِداله.
وهكذا يَستمرُّ جالوب في ذِكر الاعتِراضات وتفنيدها مُشيرًا إلى كيفيَّة انتِقاء عمَّال الاستفتاء وتدريبهم، ثم إلى تأويل النتائج وسردِها وغيرها من المسائل، وذلك بأسلوب واضحٍ دقيق مما يَجعل من هذا الكتاب على صِغَر حجمه مُرشدًا قيِّمًا لكل مَنْ يريد أن يُكوِّن رأيًا واضِحًا مُستنيرًا عن مشاكل استفتاء الرأي العام.
•••
والواقع أنَّ العلاقة بين الباحث والمُستطلَع لا يُمكن أن تأخذ شكلًا آليًّا؛ لأن صِيغة السؤال وصِيغة الجواب لا يُمكن أن تظلَّ هي هي مطبوعةً بصفاتٍ موضوعية ثابِتة واضِحة، فالعِبارة اللفظية لا تقِف بمُفردِها، بل هي تسير في مَوكبٍ خفيٍّ من الانطباعات والأفكار. وهذه المواكب الفكريَّة عندما تدخُل في الجوِّ الخاصِّ الذي يُحيط بشخصَين مُتجابِهين تُصاب بأنواع من الأعراض كالتجمُّد أو التكثيف أو التفكُّك والتشتُّت.
•••
- (١)
الجندي الأمريكي – التكيُّف في الحياة العسكرية.
- (٢)
الجندي الأمريكي – القِتال وعواقِبه.
- (٣)
تَجارب في عملية الاتِّصال بالجمهور.
- (٤) القياس والتنبؤ.١٣
-
Samuel A. Stouffer and others: The American Soldier. Adjustment during Army Life pp. 600.
-
The American Soldier, Combat and its Aftermath. pp. 675.
-
C.I. Hovland, A.A. Lumsdaine, F.D. Sheffield: Experiments on Mass Communication, pp. 345.
-
S.A. Stouffer and Others: Measurement and Prediction. pp. 756. Princeton University Press, Princeton, New Jersey. 1949–1950.
هذا المجهود العِلمي الجماعي في مجال علم النفس الاجتماعي هو الأول من نَوعه من حيث وِسْع نِطاقه وعدد المُساهِمين فيه من عُلماء ومُستشارين وفنيِّين وإداريين من المدنيِّين والعسكريين. اعتمَد هذا البحث الضَّخم على مِنحةٍ سَخيَّة من مؤسَّسة كارنيجي في نيويورك، وأشرفَت على المشروع لجنة خاصَّة من مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية، وقام بجمع البيانات وإجراء التجارب والمُلاحظات فرع الأبحاث التابِع لقِسم الاستعلامات والتربية بوزارة الحرب.
وبلغ عدد مُؤلِّفي الأجزاء الأربعة، خمسة عشر عالِمًا، وعدد أعضاء هيئة البحث ١٣٤ ذُكِرَت أسماؤهم في صدْر هذا الجزء الأول.
•••
وقد مرَّ هذا المشروع العِلمي الجبَّار بمرحلَتين: مرحلة إجراء الأبحاث الاستِطلاعية لاتِّجاهات الجنود وجمع البيانات، ثم مرحلة تنظيم هذه البيانات وتنسيقها وتحليلها وتأويلها، والتي انتهَت بنَشْر هذه الكُتب الأربعة التي نحن بصدَدِها.
ومُهمَّة فرع الأبحاث مُهمَّة عملية في جوهرِها تدخل في نِطاق ما يُعْرَف بالهندسة البشرية أو الهندسة الاجتماعية، فهو مكلَّف باستطلاع اتِّجاهات الجنود بالنسبة إلى مُختلِف المشاكل التي نشأت عن حركة ازدياد عدد رجال الجيش بسرعةٍ وبِمَقادير ضخمة لمواجهة مُقتضَيات الحرب العالمية الثانية، وخاصَّة الخِدمة العسكرية فيما وراء البحار من أقصى المُحيط الهادي إلى مَيادين القِتال في أوروبا وأفريقيا.
ففي يونيو ١٩٤٠م كان الجَيش الأمريكي مُكوَّنًا من الجنود النظامِيِّين المُحترفين ويبلُغ عددهم حوالي مائتين وسبعين ألفًا بما فيهم حوالَي سبعة عشر ألفًا من الضُّبَّاط، وارتفع هذا العدد بعد سنةٍ إلى مليون ونِصف، واطَّرَدت الزِّيادة حتى بلَغ في يونيو ١٩٤٥م ثمانية ملايين ومائتين وسبعين ألفًا بما فيهم سبعمائة وثلاثة وسبعون ألفًا من الضُّباط.
وإلقاء نظرةٍ على هذا البرنامج الشامِل يُثير في الحال السؤال الآتي: كيف سمَحَت السُّلطات العسكرية العُليا بإجراء هذه الأبحاث الاستِطلاعية، وخاصة تلك المُتَّصلة بالنُّظم العسكرية، وبِرأيِ الجنود في ضُبَّاط الصفِّ والضُّبَّاط، وَمَوقِفهم من القيادة عامَّة ومن تَوجيه سياسة الحرب؟ الواقع أن مُهمَّة فرع الأبحاث لم تكن يَسيرة في بادئ الأمر فقد أصدر وزير الحربية في مايو ١٩٤١م أمرًا بتحريم أيَّة مُحاولةٍ لاستِطلاع رأي الجنود؛ حِرصًا على النظام وعلى الرُّوح المعنوية، ثم تطوَّر المَوقِف فسمَحَت السُّلطات العسكرية بإجراء بعض الأبحاث، ولم تسمح باستِطلاع اتِّجاه الجنود نحو ضُبَّاطهم إلَّا في الأشهر الأولى من عام ١٩٤٣م. واتَّضح أن هذه الأسئلة لم تُحدِث أيَّ أثرٍ سيئ، بل بالعَكس ساعدت الإجابات على تعديل سياسة المُعاملة مما زاد نظام الجيش تماسُكًا ورفَعَ في كِفاية المُحاربين.
غير أن العقَبات لم تُذَلَّل جميعها، وكانت تَصدُر من الرُّتَب العُليا خاصَّة. ثم هناك بعض المُقتضيات الحربية الطارئة التي كانت تُعرقل عمل فرع الأبحاث وتَحُول دون العمل بِمُقترَحاته، ولكن يُمكِن القول بأن الجيش الأمريكي استفاد إلى حدٍّ كبير بنتائج الأبحاث التي قام بها فرع الأبحاث لاستطلاع الاتِّجاهات وقياسِها، كما سبَق له في الحرب العالمية الأولى الاستفادة من مُساهَمة علماء النفس في تطبيق الاختبارات لقِياس الذَّكاء والقُدرات.
تلك هي المرحلة الأولى المطبوعة بطابَع عملي. غير أنه يجِب أن نقول: إن جميع التطبيقات التي عُمِلَت كانت مسبوقةً بدراسةٍ وافِية؛ لتكوين العيِّنات بحيث تكون صادِقةً التَّمثيل، ولإعداد الأسئلة حتى يكون سُلَّم تقدير الاتِّجاهات قائمًا على أسُسٍ سليمة من حيث الدقَّة والوضوح والتمييز بين المُتغيِّرات؛ لكي نضمَن للنتائج القِسط اللازِم من الصِّدق والصِّحَّة والدِّلالة الإحصائية.
•••
أمَّا المرحلة الثانية — وهي المرحلة العِلمية البَحتة التي أدَّت إلى تَنظيم البيانات وتَحليلها وتأويلها — فقد قامت بتنفيذها لجنة خاصَّة تابِعة لمجلِس الأبحاث في العلوم الاجتماعية الذي أُنشِئ عام ١٩٢٣م، والذي يضمُّ هيئات عِلميَّة في الأنثروبولوجيا والاقتصاد والتاريخ والعلوم السياسية وعلم النفس والاجتماع والإحصاء.
أما فيما يَختصُّ بأهمِّ التَّيارات النظريَّة التي أثَّرَت في مُؤلِّفي هذه الكُتب فيُمكِن إرجاعُها إلى أربعة.
فالتيار الأول هو ما يُمكن تَسميته بعلم النفس الديناميكي الذي يقوم خاصَّة على الدِّراسات الإكلينيكية لاضطِرابات الشخصية وانحِرافاتها، ويكشِف عن العوامل اللاشُعورية التي تتضمَّن الدَّوافع الفعلية العَميقة للسلوك الظاهري. والعمليَّات الدِّفاعية اللاشعورية التي دَرَسها التحليل النفسي، استخدَمَها عِلم النفسي الاجتماعي في تفسير كثيرٍ من اتِّجاهات الأشخاص والعَلاقات القائمة بينهم.
والتيَّار الثاني يتمثَّل في الدِّراسات التي بدأها بافلوف والتي أدَّت بعد عدَّة تطوُّرات إلى إقامة نظرية التعليم على أسُسٍ تجريبية. وقد أسفر تطبيق هذه النظرية على تكوين المُعتقَدات والاتِّجاهات وتَطوُّرها، عن نتائج قَيِّمة، فضلًا عمَّا اكتسبه عُلماء النفس الاجتماعيُّون من رُوح علميَّة تجريبية جعلتْهم حَريصين على البحث عن البُرهان التجريبي لِما يُقدِّمونه من تفسيرٍ وتأويل.
أما التيَّار الثالِث فهو مُشتقٌّ خاصَّةً من دِراسات الإنتروبولوجيا الاجتِماعية، أي دراسات الشعوب البُدائية والجماعات غير المُتحضِّرة، فقد أبرزَت هذه الدراسات — وخاصة المُقارَنات بين الشعوب والجماعات — مدى قابِليَّة الطبيعة البشرية للتشكُّل بأنماطٍ مُختلِفة من المُعتقَدات والعادات. وقد اتَّضح أنَّ الفروق القائمة بين الجماعات المُختلِفة أكثر دلالةً من الفروق التي نُشاهِدها داخل جماعةٍ واحدة. ومن الحقائق الهامَّة التي تمخَّضت عنها دِراسات عُلماء الاجتماع ما هو خاصٌّ بالآثار التي تُحْدِثُها على الفرد الجماعات المُختلِفة التي يَنتمي إليها في آنٍ واحد، سواء كانت هذه الآثار مُتناسِقة أو مُتنافِرة، ثمَّ ما هو خاصٌّ بالطبَقات الاجتماعية، وفي آنٍ واحدٍ مدى قابِليَّة هذا النِّظام الطَّبَقي للتغيُّر والتعديل. وتحليل الدَّور الاجتماعي أو الأدوار الاجتماعية التي يَتحتَّم على الشخص القِيام بها يَسمَح لنا بفَهم طبيعة التَّوتُّرات التي تَتنازَع الأفراد تحت الضغط المَفروض عليهم؛ لكي يَتمثَّلوا القِيَم الجَمعيَّة التي كثيرًا ما تكون مُتعارِضة.
•••
ويتناول الكتاب الأول في حوالي ٦٠٠ صفحة مُشكلة التكيُّف أثناء الحياة العسكرية.
هذه النظرة إلى التكيُّف تتفِّق مع نظرة القِيادة العُليا التي تُريد أن تضمَن أولًا — وقبل كلِّ شيء — درجةً عالية من التماسُك والكِفاية في صفوف رِجالها، وذلك دُون إهمال العوامل التي من شأنها خفْض التوتُّر والقلَق في نفوس الأفراد؛ إذ إنَّ هذه العوامل ترفَع الرُّوح المعنوية، وبالتالي تُساهِم في تحقيق التَّوافُق الشخصي.
يبدأ عرْض البحوث بالمقارنة بين الجَيش القديم والجيش الجديد لإبراز العوامل التي ستُثير — أكثر من غيرها — المَشاكل في مجال التكيُّف الشخصي. فالجيش طبعًا صُورة مُصغَّرة للأمَّة تتمثَّل فيه إلى حدٍّ كبير جميع الطبَقات. وفيما يلي بَيان بالتوزيع النِّسبي للرجال حسْب مُستواهم التعليمي وذلك في ديسمبر سنة ١٩٤١م:
كليَّات جامعية | مدارس عُليا جامعية | مدارس عُليا خاصَّة | مدارس ابتدائية وثانوية | |
---|---|---|---|---|
الرجال المُسجَّلون في الحرب العالمية الأولى | ٥٪ | ٤٪ | ١٢٪ | ٧٩٪ |
النِّظامِيُّون القُدامى في الحرب العالمية الثانية | ٤٪ | ٢١٪ | ٣٤٪ | ٤١٪ |
المُجنَّدون الجُدُد في الحرب العالمية الثانية | ١١٪ | ٣٠٪ | ٢٨٪ | ٣١٪ |
وكان من أسباب التوتُّر في الجيش الجديد عند بدء تنظيمه: التفاوُت الكبير في المُستوى التعليمي بين المُجنَّدين الجدُد والضبَّاط وضبَّاط الصَّفِّ النِّظامِيِّين، ووُجِّهَ استفتاءٌ لِمَعرفة رأي الجنود في مُعلِّميهم من ضبَّاط الصف. ومن أسئلة هذا الاستفتاء: هل يُحسِن المُعلِّمون التَّعليم؟ هل يفهَم المُعلِّمون ما يُعلِّمون؟ أليسَ في تكرار الدُّروس مِرارًا مَضيَعة للوَقت؟ هل يُقدِّم لك الجيش فُرصةَ إظهار ما تَقدِر أن تَعمَله؟ إلخ …
ويتَّضِح من الإجابات أن المُجنَّدين المُستجدِّين أقلُّ رضًى من النظاميِّين، وأن نِسبة المُتذمِّرين ترتفِع مع ارتفاع المُستوى التعليمي. غير أنه يتَّضِح أيضًا أنَّ الباعِث إلى التَّذمُّر في مُعظَم الأحيان هو الرَّغبة في تحقيق درجةٍ أعلى من التكيُّف مع الحياة العسكرية الجديدة.
وجدول الأسئلة الذي وُضِعَ لمعرفة مدى تكيُّف الجندي يشتمِل على ٢٣ سؤالًا مُوزَّعةً في أربع مجموعات: (١) شعور الجُندي من الوِجهة المَعنوية والجِسمية. (٢) ما يُريد أن يَصنَعه. (٣) مدى رِضاه بحالتِه وعمَله. (٤) رأيه في نظام الجيش وفي مُعلِّميه ومُعاملة الضبَّاط له.
وقد أُجْرِيَت دراسة تكيُّف الجُندي على نطاقٍ واسع ومن وِجهات نظَرٍ مُختلِفة، وتناول البحث أولًا كيفية تغيُّر هذا التكيُّف تَبعًا للمُستوى التعليمي والسنِّ وما إذا كان الجُنديُّ مُتزوِّجًا أم لا.
ثم دُرِس تغيُّر التكيُّف والاتجاهات تَبعًا للنُّقَط الثلاث الآتية: (١) إقامة الجُندي في وَطنه أو وجوده في المَيادين الحربية خارج وَطَنه. (٢) تَبعًا لسِلاحه في الطيَران أو في المُشاة أو في سلاحٍ آخر من أسلحة الجيش. (٣) تَبعًا لمُدَّة إقامته في الجيش، وتَبعًا للمرحلة التي تكون عندها الحرب عند القيام بدِراسة الجُندي.
أما الموضوعات الأخرى التي يَتناولها الكِتاب الأول فهي دِراسة درَجة المُرونة الاجتماعية داخل الجيش كفُرَص التَّرقية إلى رُتبةٍ أعلى والرَّغبة في التَّرقِية، ثم مَوقف الجُنديِّ من العمل المُكلَّف به، ومدى رضائه أو استيائه، وأخيرًا مَوقِفه من رؤسائه ومن سَيْر الحرب وتَطوُّراتها.
وتناوَلَت جميع هذه الدِّراسات الجنود البيض، وقد خَصَّص المُؤلِّفون فَصلًا مُستقلًّا لدراسة مُشكلات التكيُّف لدى الجنود السود، وعُنِيَت هذه الدراسة بالمُقارَنة بين البِيض والسُّود. وينتهي الفصل بمُقترَحات لجنة البحث بتحقيق المُساواة والعدالة.
•••
أما المُجلَّد الثاني فمَوضُوعه دراسة اتِّجاهات الجنود وسلوكهم في أثناء القِتال وحالتهم النفسية والاجتماعية بعد انتهاء الحرب.
-
العلاقة بين مَوقف الجُندي قبل إرساله إلى خطِّ النار ومَوقفه أثناء المعركة، وهل يُمكِن التنبُّؤ بِسُلوكه في القتال؟
-
خصائص القتال في المَواقع البريَّة وطبيعة الدَّوافع النفسية والبَواعِث لدى الجنود أثناء المعركة.
-
الوسائل التي تسمح بالسَّيْطرة على الخَوف.
-
اتِّجاهات رجال السلاح الجوِّيِّ والعوامل الموضوعية المُؤثِّرة فيها في أثناء القتال الجَوِّي.
-
الأعراض العصابية في الجيش.
-
عَواقِب القِتال وحالة الجندي عندما يُصبِح من قُدامى المُحاربين.
وفيما يلي أهمُّ النتائج التي أسفرَت عنها هذه البحوث:
وُجِدَ أنَّ هناك ارتباطًا بين الاتجاهات بإزاء القتال قبل الشُّروع فيه والسُّلوك أثناء القتال، غير أنَّ مُعامِل الارتِباط ضعيف، وينطبِق هذا على الفِرَق كما يَنطبِق على الأفراد.
تتأثَّر درجة الخَوف الذي يَشعُر به الجُنديُّ أثناء القتال بعدَّة عوامل منها: ثِقتُه في نفسه وأسلِحته وتدريبه السابق، اختباره لِشِدَّة فتْك أسلحة العدو، الهجوم من الجوِّ أو من المَدفعيَّة الثقيلة، مُدَّة هذا الهجوم، فقد وُجِدَ أنَّ الهجوم الجوي يُحْدِث في الأيام الأولى خَوفًا أكبر من هُجوم المدفعية، ثم ابتداءً من اليوم الخامس تنعكِس العَلاقة فيُصبِح الخَوف من هُجوم المدفعية الثقيلة أشدَّ. وكلَّما اقترَب يوم دخول المعركة زادت علامات الخَوف لدى الجنود، وكذلك زادت الأعراض السيكوسوماتية. غير أنه يَجِب ألا نَنْسى أثرَ التكيُّف والتَّعوُّد في خفْضِ نِسبة استجابات الخَوف.
ويُعتبَر هذا البحث القيِّم فريدًا في بابه وفريدًا في تاريخ الحُروب الحديثة. وستجِد النتائج التي أسفرَ عنها والاقتِراحات التي يُمكِن استِخلاصُها مجالًا واسِعًا للتَّطبيق في الحياة المدنية. ومن الوِجهة النظريَّة تَجلُو هذه الدِّراسات نواحِيَ من سلوك الإنسان ما زالت خَفيَّة غامِضة، خاصَّة سلوكه عندما يكون في حالة توتُّر وتحت ضغط الظروف المُلِحِّ.
•••
ويقدِّم لنا المُجلَّد الثالِث لونًا جديدًا من الأبحاث في مَيدان علم النفس الاجتماعي، فهو يتناوَل دراسة تأثير وسائل الاتِّصال بالجمهور كالأفلام والمُحاضرات والإذاعة.
لا شكَّ في أنَّ القيادة تَهتمُّ إلى أقصى حدٍّ برفع الرُّوح المعنوية بين المُحاربين، وتقوية هذه الرُّوح بشتَّى الوسائل، فالرُّوح المعنوية هي السلاح الأعظم الذي بِدونه تفقِد سائر الأسلِحة الماديَّة قِيمتَها الفتَّاكة.
ومن وسائل رفع الرُّوح المَعنوية تنوير الجُندي وإرشاده واستِخدام شتَّى أساليب الإيحاء والإقناع. ويُعدُّ الفيلم السينمائي وسيلةً عِملية ومُجدِية للاتِّصال بجمهور الجنود. غير أنَّ اختيار الفيلم واختِيار الوَقْت المُناسِب لعرضِه وتحديد موضوعه وطوله وما إذا كان صامتًا أو ناطقًا مُلَوَّنًا أو لا، كلُّ هذه الأمور تُعيِّن مدى تأثير الفيلم على النَّظارة.
ولدراسة جميع هذه العوامل أُجرِيَت الأبحاث التي يَتضمَّنُها هذا الكِتاب، وإن لم تكن النتائج التي وَصَل إليها أصحابُها قاطِعةً ومُرضِية من الوِجهة العِلمية غير أنها شقَّت الطريق في مجال لا يزال جديدًا. وقد صرح لنا الدكتور هوفلاند — الذي أشرَف على هذا البحث بِمُعاونة اثنين من العُلماء — أنه يُعِدُّ كِتابًا جديدًا سيصدُر قريبًا في موضوع الاتِّصال بالجُمهور ووسائل الإقناع. ونرجو أن نُقدِّمَه للقُرَّاء في الكِتاب السنوي لعام ١٩٥٥م.
-
Jean Stoetzel: Théorie des Opinions, pp. 455. l’Etude Expérimentale des Opinions, pp. 151. Presses Universitaires de France, Paris, 1943.
-
Les Sondages d’Opinion Publique, Paris, Scarabée, 1948. pp.63.
-
La Connaissance des Opinions, Ch, IV in Méthodologie Psychotechnique, P.U.F., Paris, 1952.
B.L. Smyth H.D. Laswell & R.D. Casey: Propaganda, Communication and Public Opinion: a Comprehensive Reference Guide, Princeton University Press, 1946 pp. ix 435.
P. Maucorps: Psychologie des Movements Sociaux, Presses Universitaires de France, Paris, 1950, pp. 128.