تصدير
هذه خلاصة في الأدب والنقد راعينا — عند كتابتها — ألَّا نُثقلها بالتفاصيل حتى لا تختلط معالمها، ولا تتعقد سُبلُها؛ فهي أقرب إلى الذكريات منها إلى التأليف، ومع ذلك فباستطاعتنا أن نقول إنها تتضمن عصارة عمر أنفقناه في قراءة الأدب وكتب النقد، وكانت قراءتنا وسيلة للتفكُّر والإحساس الشخصيين أكثر منها للاستيعاب والتحصيل.
ولقد دفعنا إلى تدوينها ما لمسناه عند الشبان من اللهفة الحارة لتبين حقائق الأدب والنقد على نحو مهضوم واضح، فكم من مرة أُلْقِيَتْ علينا أسئلة تطلب إيضاح العلاقة بين الأدب والحياة، أو بينه وبين الأخلاق مثلًا، وكم من مرة رغب إلينا السائلون أن لو ميزنا بين هذا المذهب الأدبي وذاك، ولَكَمْ من مرة رغب المتطلعون إلى مهنة النقد أن لو عرفوا كيف ينقدون، وعلى أي منهج يسدِّدون خطاهم؛ حتى تستحصد قواهم وتجد ملكاتهم من النضوج ما تستطيع معه أن تختار ما تؤثر من اتجاه؛ وفي هذه الخلاصة ما نرجو أن نجيب عليها دائمًا باللسان أو القلم.
والذي لا نستطيع أن نُنكره هو أن تحرير هذه الخلاصة لم يكن بالأمر الهين؛ وذلك لأننا حرصنا على أن نبعد بها عن الخواطر السهلة القريبة المنال، كما حرصنا على أن نجنبها أيضًا كل غموض أو التواء، بحيث يجد القارئ التركيز الواجب والعمق الموحيَ دون الإحالة على مجهول أو الغوص وراء مفقود.
ولقد بذلنا غاية الجهد لكي نترك لكل اتجاه اتزانه، حتى ولو كنا مِمَّنْ لا يؤمنون به؛ وذلك لأن اختلاطنا بالشبيبة المثقفة — وبخاصة في قاعات الدرس — غرس في نفسنا إيمانًا بأن نحمل — إزاء هذه الشبيبة — مسئولية ثقيلة، وقد رأيناها مسوقة — بكرمها النفسي — إلى التعلُّق بما نقول تعلق ثقة وإيمان؛ بحيث أصبحنا لا نجرؤ على تقديم لفظ أو صياغة فكرة قبل أن نتناولها بالتمحيص، وأن نبرز ما ينهض أمامها من اعتراضات، أو يحيطها من ضباب ينبغي ألا يعمى من قسماتها.
ولقد تُثير هذه الخلاصات مناقشات وتوحي باتجاهات، وهي بذلك لن تزيدنا إلا محبة لها وإيمانًا بجدواها، وللقارئ أن يصدقنا إذا قلنا: إننا قد ضمَّنَّا هذا الكتيب أعز ما نملك؛ حتى ليخيل إلينا أننا قد أودعناه بعضًا من هذه الحياة الفانية التي نعبرها اليوم، كما عبرها مِنْ قبلنا رجال وجدوا شيئًا من السعادة في أن يضيئوا أمام النفوس الجميلة بشبابها — جانبًا من معالم الطريق.