الفصل الخامس
اختلفت المشكلات التي واجهت أعلام الإسلام، سواء أكانوا من رجال الفكر أو من رجال العمل، باختلاف عُصُورهم وبيئاتهم، باختلاف أزمنتهم وأمكنتهم، كما اختلفت المشكلات أيضًا باختلافها في الخطورة أو في التعقيد، في كونها إسلامية عمومية أو إسلامية خصوصية، وكانت المشكلة التي واجهها محمد علي من أعظم ما واجه أَيَّ عَلَم من هؤلاء الأعلام؛ تطلبت منه البَتَّ في أمور خطيرة: على أَيِّ القواعد يقيم مجتمعَه، أَعَلى القواعد القديمة التقليدية أم على القواعد التي يُشير تقدم المجتمع الغربي وقوته باتخاذها؟ وبأي مقياس يقيس عند الاختيار بين الأمرين؟ أَبمجرد المنفعة البحتة؟ أو بملاحظة القرب أو البعد عن التفكير الإسلامي الجديد أو القديم؟ إنا نعلم أن الحلال بَيِّنٌ والحرام بين، قاعدة عملية جيدة، ولكنها لا تحل كل مشكلة التمييز بين أنواع الحلال، كما أن المشكلة تطلبتْ منه أن يبت في تحديد خطته نحو مكان أهل الذمة في مجتمعه هذا وفي تحديد علاقته بالمعاهدين.
وأخيرًا: كان لا بد من أن يصل إلى البت في أمر آخر: أَيَّ مكان يشغل في العالم العثماني؟
ولنبدأْ بحثنا من آخر ما وصلنا إليه، ولنثبتْ ما نراه فيه بلا لبس: إن محمد علي بدأ وعاش وانتهى عثمانيًّا مسلمًا وإن مهمته — كما حددها من أول الأمر إلى آخره — كانت إحياءَ القوة العثمانية في ثوب جديد، وهو في موقفه هذا شبيهٌ كل الشبه بصلاح الدين وأمثاله من الأعلام الذين حاولوا أن يُحْيُوا قسمًا أو عالمًا من الأقسام أو العوالم التي تتكون منها دار الإسلام، ولكنه يختلف عنه وعنهم في أمرٍ مُهِمٍّ؛ هم قاموا بالإحياء أو حاولوه لغرض غير غرضه، كان غرضهم مواصلة الجهاد ضد دار الحرب، أما هو فقد تلاشتْ عنده فكرةُ دار الحرب هذه، ورمى إلى أن يجد مكانًا لعالمه العثماني الحي في الدنيا الجديدة التي خلقها الانقلاب الاقتصادي، فوصل بين أجزائها وصيرها وحدة حقيقية على الرغم من المنافسات القومية.
لقد مرت علاقات محمد علي بالحكومة المركزية في العالم العثماني في أدوار متباينة ولا يهمنا الآن بيان تلك الأدوار، ولكن يهمنا الآن أن نقول: إن تباين أدوارها لا يضعف شيئًا مما ذهبنا إليه من سعيه المتواصل لأن يُحيي بيديه القوة العثمانية، ولم يهتم في دور ما من أدوار حياته بما يجب أن يكون عليه مركزه الرسمي، أيكون سلطان الدولة أو وصيًّا أو قيمًا أو وكيلًا؟ لا؟ لم يهتم إلا بشيء واحد؛ أيستطيع أن يقوم بعمله أو لا يستطيع؟ ولم يطالب إلا بشيء واحد: أن يتمكن من تحقيق غرضه دون اهتمام بالألقاب والمظاهر.
وللمصري أن يسأل: وما قدر مصر في تفكيره وغاياته؟ والجواب على ذلك: أن قدرها في عينه عظيمٌ عِظَم المشروع كله، هي القلب من الجسم الحي الذي يروم أن يرى، وأبناؤها أعوانه في البناء الكبير، نالتْ من حبه ونالوا من حبه القدرَ الأكبرَ وواصل العمل آناء الليل وأطراف النهار في تفهُّم حاجاتها وتلبية نداء تاريخها ومقتضيات موقعها، ولكنه رفض أنْ يتخذ منها عالمًا صغيرًا ضيقًا محدود الآفاق ضعيف الآمال، كما رفض أن يكون معول الهدم في العالم العثماني حتى ولو كان الهدم اسمُه الاستقلال والباعث المحرك له اسمه العصبية القومية. وكان خير من يعلم أن انفصام الوحدة العثمانية معناه تَشَتُّت قوتها وأجزائها ووقوع الأجزاء جزءًا جزءًا في حكم الدول الغربية، وكان التعصب بكل أشكاله أَكْرَهَ الأشياء إليه.
وقد حَدَّدَ محمد علي ميدان عمله بالعالم العثماني ولم يُلْقِ نظرةً إلى ما وراء ذلك العالم من دار الإسلام إلا في حدود العاطفة وما يقتضيه وقوع الحرمين في نطاق حكمه من تيسير أداء فريضة الحج وإدرار الخير على فقراء المسلمين، وأمره في هذا أمر أعلام الإسلام كلهم منذ القرن الأول تقريبًا، قبلوا الواقع وعملوا في حدوده، ومَنْ يدري ما كان يحدث لو امتد الزمنُ لمحمد علي لتحقيق إحياء العالم العثماني على الوجه الذي تصوره؟ إننا نستطيع أن نوقن على الأقل بأن ذلك العقل المتوقد والنفس التي تأبى إلا الكرامة كان لا بد لها عندئذ من تدبير الوسائل لخدمة الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لا على أساس وحدة الملك — فقد أصبح مستحيلًا — ولكن على الأساس الذي أجاد الأستاذ الشيخ عبده في إجماله: «أن يكون سلطانهم جميعًا القرآن ووجهة وحدتهم الدين، وكل ذي ملك على ملكه، يسعى بجهده لحفظ الآخر ما استطاع؛ فإن حياته بحياته وبقاءه ببقائه»، هذا قولُ الحق فيما ذاع عن مشروعات إحياء الخلافة وما يتصل بها، نُجمله الآن لنعود إليه تفصيلًا في موضع التفصيل.
أما الحديث في وسائل إحياء العالم العثماني فهو في حيز آخر؛ حيز المتجسم البارز الواضح المعالم، أجملنا تصوير هذه الوسائل عندما قلنا: إنها اصطناع قوة الحديد والعلم والمال، يتخذ منها ما ينشئ به قاعدة الارتكاز — كما نسمع في هذه الأيام — في مصر وما يتصل بها من المناطق المُكمِّلة أو اللازمة لحياتها أو المناطق المجاورة، ومن هذه القاعدة يكون التأثير فيما ليس تحت يده من أراضي العالم العثماني، كما يكون التأثير في خطط الحكومة السلطانية المركزية نحو الإصلاح والتقدُّم، نحو العزة والاستقلال، نحو المساهَمة والمشاركة في حوادث العالم وحركاته بالأخذ والعطاء والتبادُل، ويتيح بذلك لأُمم العالم العثماني أساسًا لاتحادهم فيه، ويجعل من ذلك العالم مجتمعًا يستطيع أن يحيا فيه العربي والتركي واليوناني والصقلبي حياة العمل والكرامة وأن يجد فيه المسلم وغير المسلم النطاق الذي لا يمنع اختلاف الدين من العمل فيه والتعاوُن فيه لمنفعة الجميع.
كان محمد علي سليم القلب، صادق اللهجة، أمينًا في تصرفه، حكيمًا في أعماله، كريمًا إلى الغاية، حريصًا على عمار البلاد، وفيًّا في معاشرته، حريصًا على ود عشيرته وجنوده ورعيته، متحببًا إليهم، وإن كان في بعض المواطن سريع الغضب، فقد كان قريب الرضا، حليف الحلم، صفوحًا عن الجاني، مقدامًا على اقتحام الأهوال، صبورًا على الشدائد، شديد الحرص على شرف ناموسه، قوي الفطنة، سريع الإدراك، يجول فكره في الأمور البعيدة، بصيرًا في الحساب الهوائي العقلي، عجيب البديهة، غريب الروية، تعلَّم القراءة والكتابة في أقرب وقت وعمره خمس وأربعون سنة إذ ذاك؛ جبرًا لما فاته في زمن الصغر وتدارُكًا لما يزيد في مجده في زمن الكبر، فرغب في مطالعة التواريخ ولا سيما تواريخ الفاتحين كتاريخ إسكندر وبطرس ونابليون، مع المواظبة على الاطلاع على الكازيتات (الصحف) الإفرنجية.
وكان صاحب فِراسة؛ إذا تكلم أحد أمامه بلغة أجنبية فَهِمَ من النظر إلى حركته وإشارته مقصدَه، يستشير العقلاء والعلماء في جُلِّ أُموره، وكان نشيطًا يحب الحركة ويَكره الكسل والبطالة، قليل النوم، سريع اليقظة، يستيقظ غالبًا عند الفجر يسمع بنفسه العرضحالات التي تعرض له يوميًّا عند الصباح ويعطي عنها جوابًا ثم يذهب لمناظرة العمارات الأميرية التي كان مغرمًا بها.
وكان متدينًا إلى حَدِّ الاعتدال بدون حمية عصبية ولا تشديد، فكان يغتفر لأهل الملل والدول في بلاده التمسُّك بعقائدهم وعوائدهم مما أباحتْه الشريعة المطهَّرة، وهو أول من أعطى للعيسويين الداخلين في الخدمات الأميرية لمنافعهم الاقتضائية مزايا المراتب المدنية، وكان يؤْثر الفعل على القول، بمعنى أنه إذا أراد ترتيبَ لائحة فيها منفعةٌ للأمة شرع فيها بقصد التجريب وأجراها شيئًا فشيئًا على طريق الإصلاح والتهذيب، فإذا سلكت في الرعية وصارت قابلة لعوامل المفعلولية كساها ثوبَ الترتيب والانتظام وأخرجها من القوة إلى الفعل في ضمن قانون الأُصول والأحكام؛ لما أنه كان يقال: أحسن المقال ما صدق بحسن الفعال.
وكان مولَعًا ببناء العمائر وإنشاء الأغراس وتمهيد الطرق وإصلاح المزارع وإتقان الصنائع والأعمال، يرغب في توسيع دائرة التجارة ويستميل عقول الأهالي ليجذبهم إلى ما فيه كسب البراعة والمهارة … كالملتقط لليتيم المفارق أبويه لينقذه من التهلكة … وما حصل له في الاستيلاء على مصر من التسخير والتيسير يدل على حسن النية وصفاء الطوية، فكأنما أرشده إلى بلوغ هذه المنزلة مصداق حديث: «اعملوا فكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلق له»؛ فكان دأبه في العناية بشئون تقديم مصر الإخلاص وحسن النية، فأعماله صارتْ على ذلك مبنيةً، وقد خلصت نيته فهَبَّتْ صوبه نسماتُ القبول وأصاب بشرف النفس وعُلُوِّ الهمة وإخلاص العمل وإدراك المأمول.
ولنستخرجْ من كلام رفاعة هذه الأصول، ربما كان أساس صفاته جميعًا ما عبر عنه رفاعة بقوله: «شدة الحرص على شرف ناموسه»، فهي الصفة التي أبت له إلا المجد والترفُّع عن الدنايا والانصراف إلى عظائمِ الأمور، وجعلتْه وفيًّا صفوحًا صادق اللهجة أمينًا، كما جعلتْه مقدامًا صبورًا محبًّا للحركة كارهًا للكسل والبطالة، أما أظهر صفاته العقلية فما عبر عنه في قوله: «قوة الفطنة وسرعة الإدراك.»
كره محمد علي الإسراف والتبديد والإهمال كرهًا بلغ منه أن اعتبرها بمثابة الكفر بنعمة الله.
قال في منشور له من تلك المنشورات الممتعة التي يعبر بها عن كل ما يجول في نفسه: «إن نيلنا لِوطنٍ عديمِ النظير كهذا هو من النعم الجسيمة، وعدم القيام بالسعي والاجتهاد في عمارتها يكون عين الكفران بالنعمة، وهذا ما لا تقبله شيم جبلتي وتأبى نفسي أن أكون شريكًا لكم في ذلك»، ولعلك قد لحظت إطلاق الوصف «الخيري أو الخيرية» على الكثير من منشآته، فقد رام بها الخير بمعنًى أوسع جرى به الاستعمالُ، ويكاد يرتفع في نظره بناء القنطرة أو صيانة الجسر من «الأعمال العامة» أو «الأشغال» إلى مرتبة العبادة والاعتراف بأنعُم الخالق — عز وجل — ونُدرك بهذا سر ما لاحظه رفاعةُ من «أن منافع مصر العمومية قد تمكنتْ كل التمكن في الذات المحمدية العلوية وتسلطنت على قلبه وأخذت بمجامع لبه»، وأنه عمل تمامًا بما رُوي عن النبي ﷺ: «من لم يحمل هَمَّ المسلمين فليس منهم.»
وقد اهتم — في ذلك العصر — سلاطين الدولة العثمانية بدولتهم: سليم ومحمود وعبد المجيد، ولكن على أي أساس؟ أَعَلى الأساس المحمدي العلوي اصطناع قوة الحديد والمال والعلم؟ لم يحاولوا إلا اصطناع قوة الحديد: إنشاء القوة العسكرية المدرَّبة على النمط الأوروبي وإقامة الحكم المطلق بسحق عوامل الانفصال، أما تنمية الموارد فسبيلُها خطة منح الماليين الأجانب هذا الامتياز وذلك، باستغلال منجم أو إدارة مرفأ أو سكة حديدية أو بريد، وهذه أغلالٌ يَغُلُّ بها السلاطينُ أيديهم وأيدي رعاياهم.
وبالجملة لم يجد السلاطين حلًّا لمشكلة دولتهم الأساسية، وهي — كما قدمنا — تحويلها إلى مجتمع تتضافر فيه الأمم على تحقيق غايات مشتركة وتتعاون — حرة مختارة راغبة — على البأساء والنعماء، وهذا يُفسر موقف السلاطين من خطة محمد علي: استغلال الرجل ما أمكن والكيد له ما أمكن ثم المحاولة الصريحة لسحقه، ولم يتم لهم سحقه، ولكن تم لهم إفساد مشروعه، وسارت الدولة نحو ما قدره لها محمد علي: الانحلال التام، وتفرقت كلمة هذا العالم العثماني إلى ما نراه اليوم.
وفي جزيرة العرب — في ذلك العصر — وفي أنحاء أخرى منعزلة من دار الإسلام كانت حركاتٌ أخرى إسلامية لها شأنها وخطرها، كالوهابية وما انبعث عنها من الجداول التي انسابتْ في أقطار قديمة وأقطار جديدة من دار الإسلام. وكانت غايتُها الكبرى إحياء الحياة السلفية، والغاية لها قدرها، وكل مجتمعٍ جديرٌ بهذا الاسم لا يستغني عما يدفعه نحو السلف كما أنه لا يستطيع أن يبقى إذا اعتبر نفسه في حرب دائمة ضد حاضره وضد مستقبله، وقد احترم محمد علي، بل واستخدم، الجماعات الدينية التي أخذت تتكون وتنشط في وقت بعث الوهابية في نشر الإسلام وتهذيب حياة الشعب وترقيتها في الأقطار السودانية. ولكن الوهابية وخططها في عصره كانت مما لا يحتمل، وما جرى من نهب مزارات الشيعة بالعراق والروضة النبوية بالمدينة والاعتداء على الآمنين في الجزيرة وفي العراق والشام وفي البحار العربية؛ مما لا يمكن التجاوزُ عنه، فلا مناص من الحرب.
وإن شئت مثالًا يوضح لك ذلك «الضيق» الذي لا يُطاق — وبخاصة إذا كان يحمل سيفًا — تجده فيما صرح به الشيخ محمد رشيد رضا في المنار من استنكار الاحتفال بذكرى محمد علي المئوية في المساجد مبينا «سيئات محمد علي وأكبرها قتاله للوهابية وقضاؤه على ذلك الإصلاح!»
وأوروبا أيضًا اهتمت بالإسلام والمسلمين عمومًا وبالعالم العثماني خصوصًا، اهتمت به وبهم بداعي اشتباك المصالح الحسية والمعنوية التي أملت أحيانًا سياسة الاستحواذ وأحيانًا سياسة الابتعاد، وليست مظاهر الاهتمام الأوروبي مما يُمكن إجمالُه في الصيغة الواحدة، وإنما هي مما يزداد وضوحًا عند دراستها مقترنةً بالوقائع في موضع التفصيل، ولكن يصح أن نقف في موضعنا الحاضر عند مسألة مهمة من مسائلها، وهي الآتية: هل اتسع الفكر الأوروبي في ذلك العصر للبحث عن أُسس يصح أن يقوم عليها تعاوُنٌ حقيقي جدير بهذا الاسم بين دار الإسلام وأوروبا؟ إن من المسلمين إذ ذاك من خطا هذه الخطوة ورآه أمرًا ممكنًا لازمًا، فهل خطاها أحدٌ في أوروبا إذ ذاك؟
إنا لا نُدخل في عناصر المسألة سعيَ بعض العلماء وغير العلماء من الأوروبيين لفهم الإسلام والمسلمين؛ من أجل تيسير مهمة الحاكم الأوروبي في القُطر الإسلامي، أو إمداد وزارات الخارجية بالحقائق النزيهة وما إلى ذلك، ولا ندخل فيها سعي أصحاب الدعوات إلى مذاهب اجتماعية تستند إلى التطوُّر الاجتماعي الأوروبي وتروم أن تجد في دار الإسلام ميدانًا لانتشارها. بل ولا ندخل فيها ما تلوح عليه مسحةُ عدم الاتصال بمنفعة أوروبية أو فكرة أوروبية بحتة؛ كاشتغال بعض الأوروبيين بمسائل الخلافة، أو إنشاء وحدات داخل نطاق دار الإسلام تقوم على قواعد من وحدة اللغة أو الجوار أو الثقافة، أو ما شابه، أو إحياء فنون أو عادات إسلامية تقليدية.
إننا نُخرج هذه الحركات من تحديدنا المسألة، لا لأننا لا نرى ما فيها من حسن النية، ولا لأننا لا نعتدُّ بأهميتها، ولا لأننا لا نعتقد أن في بعضها ما يوجِد وجهًا للتعاوُن بين المسلمين وغير المسلمين؛ إنما نخرجها لسبب واحد: لأنها جميعًا تندرج تحت باب المنفعة الأوروبية بمعناها الشامل، وقد أرجأْنا بحث المنافع الأوروبية بأنواعها ونتائجها إلى موضع التفصيل، ومسألتُنا تقوم على الاعتراف بالإسلام لذاته وكما هو وقبوله كما هو في تنظيم عالمي، وجوابنا على ذلك: أن أوروبا في عصر محمد علي لم تكن مستعدة لذلك. وإن نظرتها وخططها نحو الإسلام والمسلمين كلها مما يقوم على قاعدة المصالح الأوروبية المختلفة، ويرجع ذلك لسببين: يرجع أولًا؛ لاعتقاد الأوروبيين إذ ذاك أن رسالة الإسلام قد قضيت، وألا رجاء للمسلمين إلا بأنْ يأخذوا عن المجتمع الأوروبي فكرة «الحركة» والتخلِّي عن فكرة المحافظة والسكون، كما يرجع ثانيًا: لأن فكرة التنظيم العالمي كانت إذ ذاك لم تنتقل إلى حيز المباحث السياسية العملية.