السودان في مشروعات الاتِّفاق
(١) في مشروع ملنر
جاء ذكر السُّودان في مشروعات الاتِّفاق بين مصر وإنجلترا. فورد ذكره في مشروع الاتِّفاق الذي وضعته لجنة ملنر وورد في تقرير اللَّجنة الذي أذيع في سنة ١٩٢١ ما يلي:
(١-١) السُّودان
١٨ أغسطس سنة ١٩٢٠
عزيزي الباشا
بخصوص الحديث الذي جرى بيننا أمس أعود فأقول مرة أخرى إنَّه ليس بين أجزاء المذكرة التي أنا مرسلها إليك الآن جزء بقصد تطبيقه على السُّودان كما هو ظاهر من المذكرة نفسها، ولكنِّي أرى — اجتنابًا لكل خطأ وسوء فهم في المستقبل — أنَّه يحسن بنا أن ندوِّن رأي اللَّجنة، وهو أن موضوع السُّودان الذي لم نتناقش فيه قط نحن وزغلول باشا وأصحابه خارج بالكلية عن دائرة الاتِّفاق المقصود لمصر، فإنَّ البلدين يختلفان اختلافًا عظيمًا في أحوالهما، ونحن نرى أنَّ البحث في كلٍّ منهما يجب أن يكون على وجه مختلف عن وجه البحث الآخر.
إنَّ السُّودان تقدَّم تقدمًا عظيمًا تحت إدارته الحالية المؤسَّسة على موادِّ اتِّفاق ١٨٩٩، فيجب — والحالة هذه — أن لا يسمح لأي تغيير يحصل في حالة مصر السياسية أن يُوقِع الاضظراب في توسيع نطاق تقدُّم السُّودان وترقيته على نظام أنتج مثل هذه النتائج الحسنة.
على أننا ندرك من الجهة الأخرى أن لمصر مصلحة حيوية في إيراد الماء الذي يصل إليها مارًّا في السُّودان، ونحن عازمون أن نقترح اقتراحات من شأنها أن تُزيل همَّ مصر وقلقَها من جهة كفاية ذلك الإيراد لحاجتها الحالية والمستقبلة.
ويجمل بنا في هذا المقام أن نُورد بالإيجاز الأسباب التي نرى أنها تقضي باستحالة تسوية مسألة السُّودان على المبادئ التي يراد تسوية المسألة المصريَّة عليها، ونشير في الوقت عينه إلى الخطَّة العامَّة التي يلوح لنا أنَّها أصلح من سواها لسد حاجات السُّودان الحالية فنقول:
إنَّ الأكثرية الكبرى من أهل مصر متجانسة بالنسبة إلى سواها. أمَّا السُّودان فمقسوم بين العرب والسود، وفي كلٍّ من هذين الجنسين الكبيرين أجناس وقبائل يختلف بعضها عن بعض اختلافًا عظيمًا ويضاد بعضها بعضًا كثيرًا. أمَّا عرب السُّودان فيتكلمون باللغة التي يتكلم بها أهل مصر وتجمع بينهم لغة الدين، والإسلام آخذ في الانتشار في السُّودان حتَّى بين الأجناس غير العربية من أهله. وهذه المؤثرات تلطِّف ما بين أهالي البلدين من التَّضاد والتنازع، ولكنَّها تقوى عليه بعد ما زادت تذكار سوء الحكم المصري الماضي قوة وشدة.
أمَّا الروابط السياسية التي تربط السُّودان بمصر في فترات مختلفة من الزمان الماضي، فكانت دائمًا روابط واهية، فإنَّ الفاتحين المصريين اجتاحوا أقسامًا من السُّودان بل السُّودان كله، ولكن مصر لم تخضع السُّودان قطُّ إخضاعًا حقيقيًّا، ولا أدغمته فيها وجعلته بعضًا منها بمعنى من المعاني، وكان فتحها له في القرن الماضي نكبة كبيرة على البلدين معًا، وانتهى أمره بفتنة المهدي التي قلبت السلطة المصريَّة رأسًا على عقب في أوائل العقد الثَّاني من ذلك القرن، ولم يبق للسلطة المصريَّة أثر في السُّودان مدة أكثر من عشر سنوات إلَّا في مقاطعة صغيرة حول سواكن، فاضطرت بريطانيا العُظمى من جراء ذلك الفشل أن تجرد عدة حملات أنفقت عليها أموالًا طائلة لنجدة الحاميات المصريَّة والدفاع عن مصر التي كانت عرضة لسيل عصابات المهدي الجارفة، واستلمت الأيدى البريطانية زمام حكومة السُّودان فعلًا منذ فتحت القوات البريطانية والمصرية البلاد بقيادة قُوَّاد بريطانيين في سنة ١٨٩٦–١٨٩٨، وبات السُّودان تحت الحماية البريطانية المصريَّة في سنة ١٨٩٩؛ لأنَّ الحاكم العام وإن كان يعيِّنه سلطان «وسابقًا خديوي» مصر، فالحكومة البريطانية هي التي ترشحه، وكل مديري المديريات وكبار الموظفين هم من البريطانيين، فتقدَّم السُّودان تقدمًا عجيبًا ماديًّا وأدبيًّا تحت رعاية الحكومة المنظمة هذا النظام؛ لأنَّنا إذا حسبنا حساب كلّ ما تقتضيه بساطة هذه القضية، وهي إدخال المبادئ الأولية لحكومة منظمة متمدنة إلى بلاد أهلها لا يزالون في أول عهد السذاجة حكمنا أنَّ النجاح العظيم الذي نجحته بلاد السُّودان في المدة الطويلة التي كان فيها السر رجينلد ونجت حاكمًا عامًّا عليها يُعدُّ أمجد صفحة في تاريخ الحكم البريطاني على الشعوب المتأخرة. أمَّا الحكومة الحالية فمقبولة ومحبوبة عند أهل السُّودان. والسلام والتقدم مخيمان على تلك البلاد إلَّا فيما ندر.
غير أنَّه وإن تكن مصر والسُّودان بلدين ممتازين أحدهما عن الآخر وارتقاؤهما يكون على منهاجين مختلفين، فلمصر مع ذلك مصلحة عظيمة جدًّا في السُّودان، وهي أنَّ النِّيل الذي يتوقف عليه وجود مصر وكيانها يجري مسافة مئات من الأميال في بلاد السُّودان، فمن أهم الأمور لمصر منع أي تحويل لماء النِّيل يمكن أن يقلل مساحة أراضيها الزراعية الحالية التي تبلغ مساحتها حوالي مليوني فدان، وتصير قابلة للزراعة إذا خزن ماء النِّيل وزاد ما يرد منه للرَّي عمَّا هو عليه الآن. وقد كانت كمية المياه التي يأخذها السُّودان رأسًا من النِّيل قليلة حتَّى الآن، ولكن كلما زاد عدد سُكَّان السُّودان احتاجت بلادهم إلى ماء أكثر لأجل تقدمها. وقد يفضي ذلك إلى التَّضارب بين مصالحهم ومصالح أهل مصر، ولكن الأمل وطيد أنَّه إذا حُفظت مياه النِّيل جيدًا ووزِّعت كذلك كفت لري كلّ الأطيان التي يمكن أن تحتاج إلى الرَّي، سواء كانت في مصر أو في السُّودان، ولكن التَّحكم بمياه النِّيل وضبطها للرَّي مسألة أعظم مكان من الأهمية والقضايا التي تنطوي تحت ذلك — فنية كانت أو غير فنية — صعبة ومعقدة جدًّا بحيث يقتضي في رأينا تعيين لجنة دائمة من خبيرين من الطبقة الأولى، وأيضًا من رجال ينوبون عن كلّ البُلدان التي لها علاقة بهذا الأمر، وهي مصر والسُّودان وأوجندا لتحلَّ كلّ المسائل التي لها مساس بالتحكم بماء النِّيل وضبطه، ولتضمن توزيع الماء بالقسط.
ولتجاور مصر والسُّودان ولاشتراكهما في المصلحة في النِّيل يحسن أن تكون بينهما رابطة سياسية على الدَّوام، ولكن هذه الرابطة لا يمكن أن تكون صورتها خضوع السُّودان لمصر. فبلاد السُّودان قابلة للتقدم والارتقاء حسب مقتضى أوصافها واحتياجاتها مستقلة بنفسها. ويحق لها أن تكون كذلك أيضًا. ولم يحن الوقت بعد لتعيين الحالة السياسية التي تكون عليها في آخر الأمر، ويكفيها لقضاء أغراضها في الوقت الحاضر الحالة التي عينت لها باتفاق سنة ١٨٩٩ بين بريطانيا العُظمى ومصر، حيث ينص على الصلة السياسية اللازمة بين مصر والسُّودان من دون تأخير السُّودان عن التَّرقي والتَّقدم مستقلًّا عن مصر.
ويقال بالإجمال إنَّ الغرض الذي ترمي إليه السِّياسة البريطانية يجب أن يكون إخلاء جانب مصر من كلّ مسئولية مالية للسُّودان، وتقرير العلاقات بين البلدين في المستقبل على قاعدة تضمن ارتقاء السُّودان ارتقاءً مستقلًّا ومصالح مصر الحيوية في ماء النيل. فلمصر حق لا ينازع فيه في الحصول على إيراد كافٍ مضمون من الماء لري أراضيها الزراعية الحالية، وعلى نصيب عادل من كلّ زيادة في إيراد الماء يتيسر للبراعة الهندسية أن تأتي بها، فإذا صرحت بريطانيا العُظمى رسميًّا باعترافها بهذا الحق، وأنها عاقدة النية على المحافظة عليه في كلّ حال من الأحوال سكَّنت بذلك روع المصريين وخفَّفت عنهم القلق المستحوذ عليهم من هذا القبيل، ورأينا أنَّ هذا التَّصريح يفي بالغرض المقصود إذا تمَّ في الوقت الحاضر. ا.ﻫ.
(٢) في مشروع كرزن
فيما يلي ترجمة مذكرة بنصوص مشروع اتِّفاق بين بريطانيا العُظمى ومصر؛ مشروع كرزن، تاريخه ١٥ نوفمبر سنة ١٩٢١:
(٢-١) السُّودان
تكون كلّ القوات المصريَّة في السُّودان تحت أمر الحاكم العام.
وغير ذلك تتعهد بريطانيا العُظمى بأن تضمن لمصر نصيبها العادل من مياه النِّيل، ولهذا الغرض قد تقرَّر أن لا تقام أعمال ريّ جديدة على النِّيل أو روافده جنوبي وادي حلفا بدون موافقة لجنة مؤلَّفة من ثلاثة أعضاء يمثل أحدهم مصر والثاني السُّودان والثالث أوغندا.
(٢-٢) رد عدلي باشا
أمَّا مسألة السُّودان التي لم يكن قد تناولها البحث، فلا بدَّ لنا فيها من توجيه النَّظر إلى أنَّ النصوص الخاصَّة بها لا يمكن التسليم بها من جانبنا. فإنَّ هذه النصوص لا تكفل لمصر التمتع بما لها على تلك البلاد من حق السِّيادة الذي لا نزاع فيه وحق السيطرة على مياه النيل.
(٣) في تصريح ٢٨ فبراير سنة ١٩٢٢
بما أنَّ حكومة جلالة الملك — عملًا بنواياها التي جاهرت بها — ترغب في الحال في الاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة.
- (١)
انتهت الحماية البريطانية على مصر. وتكون مصر دولة مستقلة ذات سيادة.
- (٢)
حالما تصدر حكومة عظمة السُّلطان قانون تضمينات «إقرار الإجراءات التي اتخذت باسم السلطة العسكرية» نافذ الفعل على جميع ساكني مصر تلغى الأحكام العرفية التي أعلنت في ٢ نوفمبر سنة ١٩١٤.
- (٣) إلى أن يحين الوقت الذي يتسنَّى فيه إبرام اتفاقات بين حكومة جلالة الملك وبين الحكومة المصريَّة فيما يتعلَّق بالأمور الآتي بيانها، وذلك بمفاوضات ودِّية غير مقيَّدة بين الفريقين تحتفظ حكومة جلالة الملك بصورة مطلقة بتولي هذه الأمور، وهي:
- (أ)
تأمين مواصلات الإمبراطُوريَّة البريطانية في مصر.
- (ب)
الدفاع عن مصر من كلّ اعتداء أو تدخُّل أجنبي بالذات أو بالواسطة.
- (جـ)
حماية المصالح الأجنبية في مصر وحماية الأقليات.
- (د)
السُّودان.
- (أ)
وحتي تُبرم هذه الاتِّفاقات تبقى الحالة فيما يتعلَّق بهذه الأمور على ما هي عليه الآن.
(٤) مفاوضات ماكدونالد وسعد سنة ١٩٢٤
سافر حضرة صاحب الدولة المغفور له سعد زغلول باشا — رئيس الوزارة المصريَّة — إلى لندن حيث جرت بينه وبين مستر ماكدونالد رئيس الوزارة الإنكليزيَّة — وكانت أول وزارة للعمال في إنكلترا — مباحثات في أكتوبر سنة ١٩٢٤، في سبيل عقد معاهدة بين مصر وإنكلترا. ولكن المباحثات قطعت، وكان من أسباب قطعها مسألة السُّودان.
(٤-١) بيان الكتاب الأبيض
أمَّا في شأن السُّودان فإنَّني ألفت النَّظر إلى بعض البيانات التي فاه بها زغلول باشا بصفته رئيس مجلس الوزراء أمام البرلمان المصري في الصيف في ١٧ مايو. ويؤخذ ممَّا علمته في هذا الصدد أن زغلول باشا قال: إنَّ وجود قيادة الجيش المصري العامَّة في يد ضابط أجنبي وإبقاء ضباط بريطانيين في هذا الجيش لا يتَّفق مع كرامة مصر المستقلَّة، فإبداء مثل هذا الشعور في بيانات رسمية من رئيس الحكومة المصريَّة المسئول لم يقتصر على وضع السردار السر لي مستاك باشا في مركز صعب، بل وضع جميع الضبَّاط البريطانيين الملحقين بالجيش المصري أيضًا في هذا المركز.
ولم يفتني أيضًا أنَّه قد نقل لي أنَّ زغلول باشا ادَّعى لمصر في شهر يونية الماضي بحقوق ملكية السُّودان العامَّة، ووصف الحكومة البريطانية بأنَّها غاصبة.
فقال زغلول باشا: إنَّ الأقوال السَّابقة التي قالها لم يكن مرددًا فيها صدى رأي البرلمان المصري فقط؛ بل رأي الأمة المصريَّة أيضًا. فاستنتجت من ذلك أنَّه ما زال متمسِّكا بذلك المركز. على أنَّ الأقوال التي من هذا النوع لا بدَّ أنَّها أثَّرت في عقول المصريين المستخدمين في السُّودان وفي عقول السُّودانيين في الجيش المصري، فكان من جراء ذلك أنَّه أصبح يلوِّح أنَّ الإخلاص للحكومة المصريَّة أمر يختلف عن الإخلاص لإدارة السُّودان الحالية ولا ينطبق عليه. وكانت النتيجة من ذلك أنَّ الأمر لم يقتصر على تبدُّل تام في روح التعاون الإنكليزي المصري الذي كان سائدًا في السُّودان، بل وجد الرعايا المصريون المستخدمون في حكومة السُّودان مشجعًا جعلهم يقدرون أنفسهم دعاة لنشر آراء الحكومة المصريَّة، وتكون النتيجة أنَّه إذا استمرت هذه الحال بالرَّغم من وجود أي اتِّفاق يصبح وجودهم في السُّودان تحت نظام الحكم الحالي مصدرًا للخطر على الأمن العام.
وقد وعدت في أثناء محادثاتنا الأولى أن أكون صريحًا جدًّا مع زغلول باشا، ولم أترك في نفسه أدنى شك في أثناء تلك المحادثة وفيما بعدها عن الموقف الذي اضطرت الحكومة البريطانية إلى وقوفه في شأن مصر والسُّودان.
إلى أن قال: «ويؤخذ من كلّ ما جرى لي من المحادثات مع زغلول باشا في مسألة السُّودان أن هذه الأحاديث لم تُظهر سوى إصراره على موقفه الذي صرَّح به في أقواله العمومية، فلا بدَّ لي من التَّمسك بالبيانات التي فُهتُ بها في هذا الموضوع في مجلس النواب، ويجب أن لا يبقى شك في ذلك لا في مصر ولا في السُّودان، وإذا كان هنالك شك فإنَّه لا يُفضي إلَّا إلى الاضطراب. وفي خلال ذلك يظل الواجب العملي في حفظ النِّظام في السُّودان مُلقًى على عاتق الحكومة البريطانية، وهي تتخذ جميع التَّدابير اللازمة لهذا الغرض، فإنها منذ ذهبت إلى هناك وضعت على عاتقها تعهدات أدبية بإيجاد نظام إداري جيد، فهي لا تسمح بأن يزول هذا النِّظام، وهي تعدُّ مسئولياتها وديعة في يدها للشعب السُّوداني، ولا يمكن أن تترك السُّودان إلَّا عندما تتمُّ عملها.
إنَّ الحكومة البريطانية لا ترغب في تشويش الاتِّفاقات الحالية، ولكن يجب عليها أن تصرِّح بأنَّ الحالة الحاضرة التي تسمح للموظفين الملكيين والضباط العسكريين أن يتآمروا ضد النِّظام المدني — هي حالة لا تطاق.
فإذا لم تقبل الحالة الحاضرة بإخلاص وتظل قائمة إلى أن يوضع اتِّفاق جديد، فإنَّ حكومة السُّودان تخل بواجبها إذا سمحت لمثل هذه الحال أن تستمر ولم تغفل الحكومة البريطانية قطُّ عن الاعتراف بأن لمصر بعض المصالح يجب أن تضمن وتصان، وأهمها هو ما يتعلَّق بنصيبها في مياه النِّيل، وبإرضاء ما قد يكون لها من المطالب المالية من حكومة السُّودان، فالحكومة البريطانية كانت — وما زالت — مستعدة لصيانة هذه المصالح بطريقة مرضية لمصر.
وعاد المغفور له سعد زغلول باشا من لندن، ووصل الإسكندرية على الباخرة الفرنسية «سفنكس» في الساعة السادسة من صباح يوم الاثنين ٢٠ أكتوبر سنة ١٩٢٤.
وقد استقالت الوزارة السعدية في يوم ٢٣ نوفمبر سنة ١٩٢٤.
(٥) مشروع سير أوستين تشمبرلين سنة ١٩٢٧
وكلاهما متفقتان على أن تتخذا كقاعدة لتحديد نصيب مصر في مياه النِّيل الأبيض والنيل الأزرق النتائج التي وردت في تقرير لجنة النِّيل المؤرخ ١٢ مارس سنة ١٩٢٦ وفي الاتِّفاق الذي عقد في أول مايو سنة ١٩٢٦ بين ممثلي مصلحتي الرَّي في مصر والسُّودان. ويمنح ممثلو مصلحة الرَّي المصريَّة التسهيلات اللازمة لمراقبة المعاهدات المتعلقة بأعمال قناطر سنار، كما أنه تكون لهم حرية الوصول إلى البيانات الخاصَّة بذلك لتتحقق من أنَّ توزيع المياه جارٍ طبقًا للقواعد التي وضعت في التَّقرير المذكور. وتمنح حكومة حضرة صاحب الجلالة البريطانية الحكومة المصريَّة كلّ مساعدة ممكنة؛ لتمكينها من القيام لمصلحتها الخاصَّة وعلى نفقتها وبوجه يتَّفق مع مصالح السلطات المحلية ذات الشأن بأعمال الحفظ المنصوص عليها في ذلك التَّقرير، وتتحمل الحكومة المصريَّة نفقات كلّ عمل تكميلي ودفع كلّ مبلغ نقدي تدعو الحاجة إليهما باعتراف الطرفين تعويضًا للمصالح المحلية من كلّ تلف أو تفكك ينجم عن الأعمال المشار إليها.
ويستمر حضرة صاحب الجلالة ملك مصر؛ نظرًا لاهتمامه بحفظ السلام في ربوع السُّودان وعلى حدود مصر الجنوبية — في دفع حصته الحالية في نفقات الإدارة في السُّودان إلى أن تقرر الحكومتان المتعاقدتان أنَّ الحال يدعو إلى إعادة النَّظر في هذه الترتيبات.
(٥-١) مشروع ثروت باشا سنة ١٩٢٧
وقد عرضت نتيجة المحادثات سنة ١٩٢٨ على كلّ من الوفد المصري وهيئته الوفدية البرلمانية وحزب الأحرار الدستوريين بصفتهما متآلفين يومئذ، إذ كانت الوزارة مؤلَّفة منهما — وقد رفض المشروع رفضًا باتًّا. ثمَّ استقال ثروت باشا وتألفت وزارة برياسة دولة النحاس باشا.
(٦) مشروع هندرسون
نص المادة الخاصَّة بالسُّودان في هذه المقترحات كما يلي:
المذكرة البريطانية
يا صاحب الدولة:
لما تباحثنا في الفقرة ١٣ من الاقتراحات اتَّفقنا على أن تفحص مسألة الديون التي على السُّودان في الوقت الحاضر بقصد تسويتها على أساس العدل والإنصاف. واتفقنا أيضًا على أن يبحث ممثل الخزينة البريطانية مع ممثل لوزارة المالية المصريَّة في هذه المسألة حالما تنفذ المعاهدة التي تُعقد على أساس الاقتراحات.
مذكرة مصرية
يا صاحب السعادة:
ردًّا على مذكرة سعادتكم بتاريخ هذا اليوم، أتشرَّف بإثبات اتفاقنا على مسألة الديون التي على السُّودان سيفحصها ممثلان عن الخزينة البريطانية ووزارة المالية المصريَّة بقصد تسويتها على أساس العدل والإنصاف.
مذكرة بريطانية
يا صاحب الدولة:
من الملائم أن نسجل الاتِّفاق الذي قد انتهينا إليه بشأن الطرق التي بمقتضاها نجعل الاتِّفاقات الدولية منطبقة على السُّودان.
والاتفاقات التي سيكون من المرغوب تطبيقها عل السُّودان ستكون بالطبع ذات صيغة فنية وإنسانية. ففي الحالة التي يتم فيها إمضاء أيِّ اتِّفاق من هذا النوع من مصر وبريطانيا العُظمى ويراد تطبيقه على السُّودان، فإنَّ المندوبَيْن البريطاني والمصري يُبديان معًا في الوقت الملائم تصريحًا كتابيًّا فحواه أن توقيعهما المشترك بالنيابة عن مصر والمملكة المتحدة يقصد به أن يشمل السُّودان، وأنَّه «في الحالة التي يجب فيها التصديق على الاتِّفاق» متى تمَّ إيداع الوثيقة التي تتضمَّن هذا التصديق من جانب جلالة ملك مصر ومن جلالته البريطانية يصبح هذا الاتِّفاق ساريًا على السُّودان طبقًا لشروطه.
فإذا لم يعمل مثل هذا التَّصريح، فالاتفاق لا يصبح ساريًا على السُّودان إلَّا بطريقة الانضمام التي سيشار إليها فيما بعد.
وفي الحالة التي يعمل فيها مثل هذا التَّصريح لا يذكر السُّودان ذكرًا خاصًّا في مستندات التصديق.
وفي بعض الحالات التي ينص فيها الاتِّفاق على الانضمام اللاحق، ويكون من الملائم أن يسري الاتِّفاق على السُّودان بهذه الطريقة، يتم الانضمام بوثيقة مشتركة يوقعها من مصر وبريطانيا العُظمى مندوبان يُعيَّنان لهذا الغرض.
أما طريقة إيداع وثيقة الانضمام فيتَّفق عليها في كلّ حالة بين الحكومتين، وفي هذه الأحوال لا يكون ثمَّة محل للتصديق.
وفي المؤتمرات الدولية التي تجري فيها المقاضاة بشأن أمثال هذه الاتِّفاقات يظل المندوبان المصري والبريطاني على اتصال من أجل أي عملٍ يتفقان على أنَّه من المرغوب فيه لمصلحة السُّودان.
مذكرة مصرية
يا صاحب السعادة:
أتشرَّف بإبلاغ فخامتكم أنَّني تسلَّمت مذكرتكم بتاريخ هذا اليوم بشأن طريق تطبيق الاتِّفاقات الدولية على السُّودان ممَّا قد يرغب في تطبيقه على تلك البلاد، وأنِّي أؤيد ما جاء فيها بشأن التفاهم الذي انتهينا إليه.
مذكرة بريطانية
يا صاحب الدولة:
في أثناء محادثاتنا الأخيرة أعربتم دولتكم عن الأمل بأنه عند تنفيذ المعاهدة تعاد الجنود المصريَّة إلى السُّودان. فإذا نفذت المعاهدة بالروح الودِّية التي تفاوضنا بها في الاقتراحات كما ترجو بإخلاص حكومة جلالته البريطانية ببريطانيا العُظمى وشمالي أرلندا، فإنَّ الحكومة تكون مستعدةً لأن تفحص بروح العطف الاقتراح بشأن عودة أورطة مصرية إلى السُّودان في الوقت الذي تسحب فيه القوات البريطانية من القاهرة.
مذكرة مصرية
يا صاحب السعادة:
أتشرَّف بإبلاغ سعادتكم وصول مذكرتكم بتاريخ هذا اليوم، الخاصَّة بعودة أورطة مصرية إلى السُّودان، وقد أخذت علمًا بموقف جلالته البريطانية في هذا الشأن.
مذكرات عبد الحميد بدوي باشا
وفي أثناء بحثنا في مسألة السُّودان، وقفنا على أنَّ لحضرة صاحب السعادة الدكتور عبد الحميد بدوي باشا — رئيس قضايا الحكومة — مذكِّرات قانونية مهمة في مفاوضات كرزون — عدلي سنة ١٩٢١ وفي مفاوضات ثروت — كرزون سنة ١٩٢٧ وفي أحاديث هندرسون — محمد محمود سنة ١٩٢٩.
(٧) رأي الأمير عمر طوسون في المقترحات
حادث مراسل جريدة «الأهرام» الخاص بالإسكندرية حضرة صاحب السمو الأمير عمر طوسون حول مقترحات هندرسون ومسألة السُّودان. وقد نشرت الجريدة المذكورة الحديث بتاريخ ١٩ أغسطس سنة ١٩٢٩.
بعد أن نشر مشروع الاتِّفاق قصدت غير واحد من أهل المراكز الكبرى وكبار رجال الأحزاب، وسألتهم هل في الاستطاعة محادثتهم في أمر هذا الاتِّفاق. فاعتذر الوفديون بقولهم: إنَّهم — نزولًا على إرادة صاحب الدولة مصطفى النحاس باشا — لا يستطيعون التَّكلم في الظروف الحاضرة، ولا يبيحون لأنفسهم إبداء الرأي إلَّا بعد أن تتغير الأحكام الحاضرة. وقال لي كبير من الأحرار الدستوريين: الكلمة لصاحب الدولة رئيس الحكومة، والرأي لمجلس إدارة الحزب بعد عودة الرئيس. فوجهت النَّظر إلى الأمير عمر طوسون وهو — كما يعلم القراء والشعب المصري عامة — غير مقيَّد برأي حزب أو جماعة. وقد برهن في مواقفه العديدة على صراحة تامَّة في إبداء ما يراه لمصلحة الوطن. وعرضت على سموه التكرم بحديث يجلو الموقف وينير المسألة إزاء امتناع أهل الأحزاب المختلفة عن إعلان رأيهم، فتنازل سموه ولبَّى طلبي، وأذن لي بنشر الحديث الآتي عن لسانه.
سألت سموه عن رأيه في اقتراحات وزارة المستر مكدونلد التي رضي رئيس الوزارة المصريَّة أن تكون أساسًا لمعاهدة تعقد بين مصر وإنكلترا.
فأجاب سموه: إنَّني أبديت في حديثي الأخير معكم أن الوقت لم يكن مناسبًا للمفاوضة والحياة النيابية معطلة. ولا زلتُ أقول هذا القول رغم ظهور مشروع الاتِّفاق الأخير، ورغم اعتقادي فيه أنه أفضل مشروع قدمته إنكلترا لمصر إلى الآن؛ إذ لو حصلت المفاوضة والبلاد محكومة بحكومة نيابية، لجعلت المفاوض المصري أقوى منه وهي محكومة بغير هذه الحكومة. ولم أقل هذا القول في حينه إلَّا لهذه الغاية التي نظرت فيها إلى مصلحة مصر دون أي اعتبار آخر. فالمفاوض الذي تزوِّده الأمة بثقتها وتمدُّه بقوتها، أصلح لهذا الشأن ممن لا يستمد القوة إلَّا من نفسه، وهذا من البداهة بحيث لا تصلح المجادلة فيه.
أما وقد حصل ما حصل وجاءنا دولة رئيس الوزارة بهذا المشروع الذي يفضل جميع ما سبقه من المشاريع، وأصبحنا به أمام أمر واقع، فالواجب يقضي بشكره والثناء على نتيجة جهوده، ولذلك لا يسعني إلَّا أن أشكره بل وأهنئه على حظه الحسن، وهذا هو رأيي في هذا المشروع إجمالًا.
فرجوت سموه التفصيل، وسألته زيادة البيان.
فتفضَّل سموه وأجابني بقوله: إنَّ هذا المشروع حسن في جملته، وهو من حيث مصر مقبول بعد أن تُفسَّر بعض نقطه الغامضة وتحدد تحديدًا دقيقًا حتَّى تكون بمأمن من التأويل الذي هو عادة في مصلحة القوي. وهذه وظيفة البرلمان الذي سيعرض هذا المشروع عليه فيضع له من التحفظات ما يجعله أقرب إلى مصلحة مصر، مثل قصر معونتنا لإنكلترا على أن تكون داخل حدود بلادنا، وتقدير قيمة الثكنات التي تلزمهم للمحافظة على قناة السويس بمبلغ معين من المال، إلى غير ذلك ممَّا يجعلنا بمنجاة من تحمل ما لا طاقة لنا بتحمله، ويُدنينا مسافة أخرى من الاستقلال الصحيح في شؤوننا الداخلية والخارجية.
وأمَّا من حيث السُّودان، فإنَّ هذا المشروع هو المشروع الذي تناول مسألتة دون المشاريع السَّابقة التي أرجأت مسألة السُّودان إلى اتِّفاق آخر فيما عدا ضمان إنكلترا لنصيب مصر فيه من الماء، ولكنَّه مع ذلك لم يخطُ بنا نحو حقوقنا إلَّا خطوة قصيرة جدًّا، فأرجعنا فيه إلى اتِّفاقيَّة سنة ١٨٩٩، وهي اتِّفاقيَّة أبنتُ بطلانها فيما كتبته عن السُّودان من قبل؛ لأنها كاتفاقية الوصي مع القاصر على مافيه المصلحة له والضَّرر لمحجوره. ومع أنَّنا لا نعترف بهذه الاتِّفاقيَّة المُجحفة بحقنا الشرعي في السُّودان، فإنَّ هذا المشروع لم ينلنا ما نرمي إليه وما يستفاد من نصوصها التي قالت إنكلترا ولا زالت تقول: إنَّها تحترمها. وقالت وزارة العمال أخيرًا: إنَّها متمسكة بها هي واتفاقية القنال.
إذا نُفِّذت المعاهدة بالروح الودِّية التي تفاوضنا بها في الاقتراحات كما ترجو، بإخلاص، حكومة جلالته البريطانية ببريطانيا العُظمى وشمالي أرلندا، فإنَّ الحكومة تكون مستعدةً لأن تفحص بروح العطف الاقتراح بشأن عودة أورطة مصرية إلى السُّودان في الوقت الذي تسحب فيه القوات البريطانية من القاهرة.
فإذا كان هذا هو تفسير المادة (١٣) المتعلقة بعودة السُّودان إلى ما كان عليه حسب اتِّفاقيَّة سنة ١٨٩٩ ونحن بعد لم نبرم الاتِّفاقيَّة الأخيرة فماذا، إذًا، يكون تفسيرها بعد إبرامها؟
- أولًا: أن تُرجع السُّودان المصري إلى ما كان عليه قبل الثَّورة
المَهديَّة، وتُرجع إليه ما سلخته من مديرية خط الاستواء
القديمة؛ أي المنطقة التي سيقام فيها خزَّان بحيرة ألبرت
نيانزا وهي النِّصف الجنوبي من تلك المديرية، وأعظم مركز لحياة
مصر والسُّودان لما تحتوي عليه من موضع هذا الخزَّان الخطير
الذي يتحكم في مجرى النيل.
فقد سلخت إنكلترا هذه المنطقة الحيوية لمصر والسُّودان معًا في أثناء الثَّورة المَهديَّة، وضمَّتها إلى أوغندة، وعدَّتها معها من الأملاك التابعة للتاج الإنكليزي رأسًا. وقد أبنتُ ذلك تفصيلًا فيما كتبتُه عن السُّودان ونُشر في جريدة الأهرام الغرَّاء سنة ١٩٢١. وقد قلتُ في آخر ما كتبته هناك:
وإذا أدرك المصريون القيمة التي لهذه النقطة وارتباطها بحياتهم علموا أنَّها أهم من الدلتا، وفضَّلوها عليها، ولم يسعهم بعد أن يغفلوا عن المطالبة بحقوقهم فيها واعتبارها جزءًا غير قابل للانفصال عن السُّودان المصري الذي هو جزء من الديار المصريَّة لا يتجزأ.
وأثبتُ أيضًا أنَّها من أملاك مصر فيما أرسلته إلى دولة رئيس الوزراء على أثر خطبته التي أذيعت بتاريخ ١٤ نوفمبر سنة ١٩٢٨.
- ثانيًا: أن تجيز تعيين وكيل للحاكم العام، وأن يكون تعيين الاثنين لمدة خمس سنوات، وأن يكون أحدهما مصريًّا والآخر إنكليزيًّا يعني أنَّه عندما يكون الحاكم العام إنكليزيًّا يكون الوكيل مصريًّا وبالعكس.
- ثالثًا: أن تكون وظائف السُّودان مناصفة بين المصريين والإنكليز أيًّا كانت درجتها أو نوعها ما عدا الوظائف المشغولة بالسودانيين.
- رابعًا: أن يكون عدد الجنود المصريَّة والإنكليزية متساويًا.
هذا هو أقل ما يمكن أن يتحقَّق به معنى الشركة بين مصر وإنكلترا في السُّودان، وهذا أدنى ما يجب الحصول عليه لمصر في السُّودان بمقتضى اتِّفاقيَّة ١٨٩٩.
وإنَّني لا أرى أنَّنا نخسر كثيرًا إذا ضحَّينا بشيء من حقوق مصر في مقابل حصولنا على حقوقنا في السُّودان، ولكن يظهر لي أنَّ الإنكليز يريدون منَّا أن نضحِّي بالسُّودان في سبيل مصر. وهم يعرفون أنَّنا إذا رضينا ذلك وجاز على عقولنا، فقد ضحينا بالاثنين معًا من حيث لا ندري؛ لأنَّ السُّودان من مصر روحها، وهي بدونه جثة هامدة.
أمَّا ارتكاننا على روح العطف وعدُّ رجوع الجيش المصري إلى السُّودان اقتراحًا يفحص بهذه الروح، ثمَّ مسخ هذا الجيش وتفسيره بأورطة مصرية، وتقييد عودتها إلى السُّودان بالوقت الذي تسحب فيه القوات البريطانية من القاهرة، فتلك أمور تُنذرنا من الآن بأنَّ الإنكليز ليسوا خالصي النِّية حتَّى في اتِّفاقيَّة سنة ١٨٩٩ الباطلة في نظرنا، والتي لا تزال إنكلترا إلى الآن تدَّعي أنَّها تحترمها وتقيم الدليل على التَّمسك بها بإيداعها في سجلات جمعية عصبة الأمم.
ولمَّا أتمَّ سموه بيانه الجلي شكرته بلسان قُرَّاء «الأهرام» وانصرفت.
ولست أريد أن أعلِّق على هذه التَّصريحات الخطيرة والرأي فيها لنواب الأمة وشيوخها. ولهم مطلق الحرية في درسها وفحصها قبل عقد البرلمان أو بعده. ا.ﻫ.
(٨) مفاوضات ربيع سنة ١٩٣٠
وكان افتتاح المؤتمر المصري الإنكليزي في يوم الاثنين ٣١ مارس سنة ١٩٣٠. وألقى مستر هندرسون وزير خارجية إنكلترا خطبة، وردَّ عليه حضرة صاحب الدولة مصطفى النحاس باشا رئيس الوفد الرَّسمي المصري.
استمرت المفاوضات بين التفاؤل والتشاؤم، حتَّى قطعت يوم ٨ مايو سنة ١٩٣٠ بسبب الخلاف على مسألة السُّودان.
لن أرضى أن أبيع السُّودان بالمنح التي عرضوها علينا في مصر.
إنَّ الاقتراح البريطاني يمكن تفسيره بإيجاز. أنَّهم يريدون منَّا أن نتخلَّى عن السُّودان، وأن نوقع بيدنا التنازل عنه، ولن نوافق على هذا. وها نحن نعود إلى بلادنا بضمير مستريح، ولا نأسف على ما حدث.
(٩) مفاوضات ١٩٣٠ في الكتاب الأبيض الإنكليزي
(١٠) المفاوضات في الكتاب الأخضر المصري٧
وكان في عزم الوزارة النحاسية إصدار الكتاب الأخضر عن المفاوضات الأخيرة، ولكنَّها لم تتمكَّن من ذلك بسبب الأزمة الدستورية التي واجهتها بعد عودة الوفد الرَّسمي من لندن، ممَّا يترتب عليها تقديم استقالتها يوم ١٧ يونية سنة ١٩٣٠ وقبولها يوم ١٩ يونية، وتأليف وزارة إسماعيل صدقي باشا.
والذي نعرفه — وقد أتيحت لنا الفرصة لمصاحبة الوفد الرَّسمي في سفره وفي مفاوضاته — أن الكتاب الأخضر يتضمَّن تفاصيل هامَّة وجلية عن مفاوضات ربيع سنة ١٩٣٠، ولا سيما فيما يتعلَّق بشأن السُّودان وموقف المندوبين البريطانيين والوفد الرَّسمي منها.
وحيث إنَّ مصر قد تغير مركزها السياسي، إذ كانت عند عقد اتِّفاقيَّة سنة ١٨٩٩ تابعة للسِّيادة التُّركيَّة ومحتلَّة بالجيش الإنكليزي وخاضعة لسلطانه، وأصبحت الآن دولة مستقلة ذات سيادة باعتراف إنكلترا ذاتها، فقد وجدت ظروف جديدة تدعو للتغيير في معاهدة سنة ١٨٩٩.
أمَّا ما حدث في سنة ١٩٢٤ من طرد الجيش المصري من السُّودان وتأليف قوة الدفاع فيه، فهو يعدُّ من أعمال العنف والإكراه من جانب واحد، ولا يجوز أن تترتب عليها نتيجة قانونية.
وأخيرًا تناقش الوفد الرَّسمي والمندوبون البريطانيون في وضع نص مقبول لمسألة السُّودان، وقد قضى هذا النص بأن يُترك البحث في شأن تعديل اتِّفاقيَّة ١٨٩٩ لمفاوضات تجري بين الفريقين بعد سنة. وقد قبل المندوبون البريطانيون عرض هذا النص على مجلس الوزراء البريطاني، فاجتمع هذا المجلس، وقرَّر رفض الاقتراح وأن يبقى النص الوارد في مشروع هندرسون كما هو.
عند ذلك قطعت المفاوضات أو «وقفت» كما عُبِّر عنها رسميًّا!
(١١) رأي مستر لويد جورج
لقد كان للمصريين — قبيل احتلال الإنكليز — السلطة التَّامة في السُّودان، ولكنهم أساءوا السِّياسة والإدارة بدرجة دعت السُّودان إلى طردهم فقد كانوا دخلاء ظالمين!