الجيش المصري
(١) في عهد محمد علي
لم تعرف مصر في عهدها الحديث جيشًا نظاميًّا يحمل اسم مصر إلَّا منذ عناية محمد علي الكبير بتأليف جيش مصري منظم تنظيمًا جديدًا. وقد أخذ يسعى لذلك منذ سنة ١٨٢٠، وكان جيش محمد علي قبل ذلك «باشبوزق» أي جنودًا غير نظاميين. وقد حاول محمد علي قبل سنة ١٨٢٠ تدريب جيش منظم فلم يفلح؛ لأنَّ الجنود تمرَّدوا.
وكانت ملابس الجنود بسيطة تتألَّف من الطربوش الأحمر، وصدار، وبنطلون «سروال واسع يشد بتكة عند الوسط، ويربط على الركبة برباط الساق «القلشين»، ويتمنطق الجنود على خواصرهم بحزام، وملابس الشتاء من الجوخ. وفي الصيف من القطن السميك. ويلبس الفرسان والطوبجية والحرس صدارًا أزرق وغيرهم صدارًا أحمر. أمَّا ملابس الصيف لأسلحة الجيش كلها فهي بيضاء، ويلبسون «مراكيب» ولا يختلف لباس الضبَّاط عن لباس الجنود إلَّا في نوع الجوخ والتطريز واللون الأحمر، وكان الجندي يتناول ١٥ قرشًا في الشهر، والأنباشي ٢٥، والجاويش ٣٠، والباشجاويش ٤٠، والصول ٦٠، والملازم الثَّاني ٢٥٠، والملازم الأول ٣٥٠ قرشًا، واليوزباشي ٥٠٠، والصاغ ١٢٠٠، والبكباشي ٢٥٠٠، والقائمقام ٣٠٠٠، والميرالاي ٧٠٠٠، والمير لواء ١١٠٠٠ قرشًا، والمير ميران ١٢٥٠٠.
وبلغ عدد الجيش في سنة ١٨٣٩ — ٢٣٥٨٨٠ من جنود نظامية وغيرها وطلبة وعمال ملحقين بالجيش — وقد ورد هذا الإحصاء في كتاب الدكتور كلوت بك «لمحة عامة إلى مصر». كان من ذلك في السُّودان ١١٥٦٠.
واهتم محمد علي بالأسطول منذ سنة ١٨١٠. وقد أحصى مانجان قطعه فبلغت ٢٨ سفينة حربية منها ١٠ بوارج كبيرة و٦ فرقاطات وأربع سفن كورفيت وأربع «إبريق» وأربع أخرى، وأحصى كلوت بك العدد سنة ١٨٤٠ فبلغ ٣٢ قطعة، وذكر إسماعيل سرهنك باشا في كتابه إحصاء سنة ١٨٤٣. فبلغ العدد ٣٦ قطعة.
(٢) الجيش في عهد إسماعيل
بلغ عدده ٨٩٠٨٨ حسب إحصاء سرهنك باشا في كتابه يضاف إليه ٣٠ ألفًا في السُّودان.
(٣) في عهد توفيق
ثم قيدت الحكومة العُثمانيَّة عدد الجيش بعد عهد إسماعيل بمقدار ١٨ ألف جندي، وقامت الثَّورة العرابية احتجاجًا على معاملة الضبَّاط الشراكسة، وألغى الإنكليز جيش عرابي، ثمَّ أُنشئ جيش جديد، وقد أرسلت فلول جيش عرابي مع حملة هكس.
(٤) بعد الاحتلال الإنكليزي
ودُرِّب الجيش المصري من جديد في عهد الاحتلال بقيادة جرانفيل باشا وكتشنر باشا ثمَّ ونجت باشا.
(٥) الضباط السُّودانيون
رقَّى اللُّورد كتشنر الممتازين من الجنود السُّودانيين الشبان بالجيش المصري ضباطًا بعد استعادة السُّودان، ثمَّ أدخل أبناء الجنود الممتازين المتقدِّمين في السن المدرسة الحربية بالعباسية، ثمَّ أنشئت المدرسة الحربية بالخرطوم في مايو سنة ١٩٠٥، وتخرج منها ضباط سودانيون، وأغلقت سنة ١٩٢٤ بسبب حوادث تلك السنة.
أما الآن فيُرقَّى الضبَّاط من تحت السلاح في قوة الدفاع عن السُّودان. وفي هذا العام رُئي اختيار بعض خريجي كلية غوردون؛ ليتعلموا الفنون العسكرية لمدة سنتين ونصف في فرق قوة الدفاع كجنود ثمَّ يرقون إلى رُتبة الملازم الثَّاني.
وقد أنشئت كلية غوردون سنة ١٩٠٣، وأنشئت بعدها المدرسة الحربية في السُّودان سنة ١٩٠٥، وكان التَّعليم فيها مجانيًّا مع دفع مرتبات للطلبة، وكان الغرض من إنشائها تخريج ضباط سودانيين يعينون في الأورط السُّودانية التي تؤلف جزءًا من الجيش المصري، الذي كانت الحكومة المصريَّة تدفع مرتباته ونفقاته لكل من كانوا به من ضباط إنكليز ومصريين وسودانيين، وجنود مصرية وسودانية.
وقبل إنشاء المدرسة الحربية، ألحق كتشنر باشا بعض الطلبة السُّودانيين بالمدرسة الحربية بالقاهرة، وبتخرجهم منها، وبتخرج زملائهم من بعدهم في المدرسة الحربية السُّودانية بالخرطوم أخذ عدد الضبَّاط السُّودانيين في الأورط السُّودانية في الازدياد حتَّى أصبح أكثر ضباطها من السُّودانيين تقريبًا وقوادها من الإنكليز وباقي الضبَّاط بين مصريين وبريطانيين.
ومما هو جدير بالذكر أن جنود الأورط السُّودانية كانت لا تستطيع الحياة العسكرية بغير وجود نسائهم معهم، ولذلك كان بجانب معسكر الجنود السُّودانيين يقوم معسكر لنسائهم. وتعين فيه قوموندانة هي زوجة لقوموندان معسكر الرجال، ويأخذن تعيينًا كما يأخذ الجيش نفسه، وهن يتبعن رجالهن في المعارك، ويحضِّرْن الطعام لهم ويزغردن احتفاءً بهم، ويمتزن بالشجاعة، ويتباهين بالأبطال الشُّجعان من أزواجهن، ويحتقرن الأزواج الجبناء.
(٦) حادث سحب الجيش المصري
كانت الأورط المصريَّة في سنة ١٩٢٤ ترابط بين حلفا والخرطوم وكسلا، بينما كانت الأورط السُّودانية تعسكر في أعالي النِّيل وعند بحر الغزال وسنار ومنجلا.
وكان للجيش المصري بالخرطوم أورطتان من البيادة، وهما الرابعة وقومندانها القائمقام محمد يحيى بك «باشا»، والأورطة الثالثة بالخرطوم بحري وقومندانها القائمقام عثمان صدقي بك، والطوبجية وهي مؤلَّفة من أربع بطاريات، وضباطها مصريون، وقائدها الميرالاي أحمد رفعت بك، ومن قسم الأشغال العسكرية وعدد جنوده حوالي ٩٠٠.
-
في الخرطوم: الأورطة الرابعة المصرية، وقسم الأشغال العسكرية، والحملة القبلية «مصرية وسودانية»، وهي مؤلَّفة من ٤ بلوكات. وموسيقى البيادة السُّودانية، والمدرسة الحربية ومدرسة ضرب النار «سودانية مصرية» بها ضابطان بريطانيان وضابطان مصريان وضابطان سودانيان، والقسم الطبي والقسم البيطري ومدرسة الإشارة.
-
في الخرطوم بحري: الأورطة الثالثة المصرية. والحملة الميكانيكية. والطوبجية المصريَّة مؤلَّفة من ٤ بطاريات وبلوكين محافظة وقسم الأسلحة والمهمات، وقسم الأشغال والأورطة ١٢ سودانية بالملاكال، و١٣ سودانية في واو، و١١ و١٤ سودانية في واد مدني، و١٠ سودانية في تالودي. وفرقة العرب الشرقية سودانية ومركزها القضارف. والطوبجية المصريَّة في كسلا. والهجانة السُّودانية في الأبيض، وفرقة العرب الغربية، ومعها طوبجية سودانية ضباطها مصريون في الفاشر. وفرقة خط الاستواء في منجلا والبيادة الراكبة والسواري السُّودانية في شندي.
وكان اليمين الذي حلفه الضبَّاط المصريون والسُّودانيون بالولاء لملك مصر، بينما كان الضبَّاط البريطانيون يحلفون للملك جورج.
-
وكان في مصر سبع أورط مصرية، وفي السُّودان عدا الأورطتين المصريتين ست أورط سودانية — اثنتان في أم درمان وواحدة بالملاكال — وواحدة بواد مدني وواحدة في تالودي «النوبة» وواحدة في واو كما تقدم.
وقد وصلت أوامر المندوب السَّامي البريطاني «اللورد اللنبي» إلى الخرطوم في ٢٣ نوفمبر سنة ١٩٢٤ بوجوب إخلائها من الأورط المصريَّة وعودتها إلى مصر.
وقد حدد يوم ٢٤ نوفمبر سنة ١٩٢٤ لجلاء الجيش المصري عن السُّودان.
وقد نيط بالحامية البريطانية بالخرطوم والأورط السُّودانية بأم درمان التي كان عليها ضباط بريطانيون وسودانيون تنفيذ هذا الأمر.
ولكن الضبَّاط السُّودانيون لم يقبلوا تنفيذ المهمة.
وقال الضبَّاط المصريون بالخرطوم: «لا ننزل من السُّودان إلى مصر إلَّا بأمر من ملك مصر، الذي هو الرئيس الأعلى للجيش المصري، والذي حلفنا له يمين الطاعة؛ ولذا نرفض الانسحاب ما لم يصل إلينا أمر الانسحاب من الحكومة المصريَّة نفسها.»
فوصل ومعه الأمر في منتصف ليلة ٢٧ نوفمبر، واستقل الجيش القطار في صباح يوم أول ديسمبر سنة ١٩٢٤ وعاد إلى مصر.
(٧) الجنود السُّودانية تؤازر الجيش
وكان في الخرطوم في الوقت نفسه نحو بولك من الأورط السُّودانية. فتجمع جنوده ورجاله وتظاهروا واقتحموا المخازن وأخذوا البيارق، وقابلهم محافظ الخرطوم، وأعلنوا لديه انضمامهم إلى الأورطة الثالثة المصرية. ولم يلبُّوا دعوته إلى السكينة وقد التقوا في مسيرهم بنطاق من الجنود البريطانية.
وكان الجنرال هدلستون نائبًا للسردار فأنذرهم بأن يعودوا وأن ينفضُّوا، فرفضوا، فأمر بإطلاق النار عليهم، فردوا على القوة عند الاسبتالية العسكرية، وقتلوا بعض الجنود الإنكليزيَّة، وتحصنوا في الاسبتالية، ثمَّ أخذوا يهربون منها ليلًا.
وقد حاولت جماعات من الأورط السُّودانية اقتحام الكوردون فلم تفلح.
وقد قبلت الأورطة الرابعة المصريَّة في ٢٤ و٢٥ نوفمبر — وكانت معسكرة بالخرطوم نفسها — السفر إلى مصر عن طريق بورسودان، وسافرت فعلًا من غير مقاومة أو معارضة.
أما الأورطة الثالثة والطوبجية بالخرطوم فقد أبت الإذعان لأمر نائب الحاكم العام للسُّودان. حتَّى وصل إليها الأمر المشار إليه، فسافرت صباح يوم أول ديسمبر سنة ١٩٢٤ من الخرطوم بالسكة الحديد.
- (١)
خروج الجيش المصري كله من السُّودان وعدم عودته إلى الآن.
- (٢)
إغلاق المدرسة الحربية السُّودانية بالخرطوم.
- (٣)
حل الأورط السُّودانية التي تقدم الكلام عليها وإحالة الضبَّاط السُّودانيين إلى المعاش.
- (٤)
تأليف قوة الدفاع.
(٧-١) الأورط السُّودانية
تألفت في الجيش المصري بقيادة كتشنر باشا الأورط السُّودانية، هي الأورط ٩ و١٠ و١١ و١٢ و١٣ و١٤. وكانت كثرتهم في بداية الأمر من العبيد «الشلوك والدنكا» جندهم اللُّورد كتشنر، وكانوا من الدراويش، وكان منهم جنود في مصر، وكان واجبًا أن يكون الضابط الوطني في خط الاستواء زنجيًّا، وفي فرقة العرب الشرقية مصريًّا أو سودانيًّا عربيًّا. أمَّا في فرقة العرب الغربية فلا شرط.
وكان مجموع ضباط الجيش ٧٦٣ ضابطًا و١٧٦٠٩ جنود عند فتح السُّودان.
(٨) الخدمة السرية
الخدمة السرية هو فرع من فروع الاستخبارات عند الحكومات جميعًا من أجل جيوشها وأساطيلها. ومهمته جمع المعلومات المفيدة للدولة. وقد يَستخدم مكتب الخدمة السرية الجواسيس والرجال والنساء والغلمان، للوقوف على الاختراعات الحربية الجديدة، أو أسرار العدو، والوثائق والرسوم والخارطات وبيانات عن الجيوش والذخائر والحصون والمعاقل، ويحتمل موظفو المكتب عناءً ويتعرضون لأخطار ومفاجآت.
ويوجد مكتب آخر مهمَّته مقاومة التَّجسس الذي ينظمه العدو في دواوين الحكومة وفي مراكز الجيش والبوليس والأندية والفنادق والثكنات.
(٩) إدارة الاستخبارات الحربية
مهمتها الوقوف على نيات العدو، وأخباره، ومواقعه، ونُظمه، وعدد قوَّاته وأسلحته، وموارده، وأخلاق قواده وضباطه وجنوده، وروح جيش العدو المعنوية.
قال فردريك الكبير ملك بروسيا: «إذا تمكنَّا دائمًا من الوقوف على خطط العدو قبل شروعه في تنفيذها فإنَّنا نتفوق عليه ولو كان أقوى منَّا.» وقال المارشال فون درغولتز: «أليس لدى الإنسان دليل أقرب إلى العقل، يهتدي به عند إصدار قراراته في الشؤون الحربية من أعمال العدو المزمعة وإجراءاته المحتمل وقوعها.»
وتؤخذ المعلومات لإدارة الاستخبارات من مطبوعات الحكومة وجرائدها الرَّسمية متضمِّنة إحصاءات وقرارات وقوانين وكتب الفنيين العسكريين والمؤلفات الأهلية وأخبار الصحف. ومعلومات الجواسيس. والعادة أن الحكومات — وخاصة وزارات الحربية — تعد خططًا حربية وتضع لها خرطًا. ويعمل الجواسيس للحصول على هذه الخرط بأي ثمن ولو كانت الحياة نفسها.
وتجمع هذه المعلومات في زمني السلم والحرب. ومن القواعد المتَّبعة في الحرب جمع المعلومات من فرق الاستطلاع والطائرات وأهالي البلاد والفارين والأسرى، وبالمراصد والتَّصوير، وبالوقوف على طبوغرافية الأرض وبمعرفة طبيعتها، وسهولها وحزونها.
وكان الإمبراطور نابليون يعتمد على ضابط واحد هو الكولونيل ماكليه دالب، وكان رجلًا مدهشًا يستطيع أن يعرف أرقام وحدات العدو وأماكنها وقوادها.
وكان قلم مخابرات الجيش المصري مندمجًا مع وكالة السُّودان ثمَّ انفصل عنه، وأنشئ قلم مخابرات خاص للحكومة السُّودانية في الخرطوم، ثمَّ جعل في محله إدارة للأمن العام.
(١٠) الجيش المصري بعد انسحابه
- (أ)
يُعفى من الجندية مستخدمو الحكومة الداخلون في هيئة العمال وبعض مستخدمين مخصوصين من مستخدمي الحكومة الآخرين، وأولاد الضبَّاط وأولاد العمد والمشايخ الموظفين وكذلك المنفصلين عن الخدمة بشرط أن يكونوا خدموا عشر سنوات ولم يُرفتُوا تأديبيًّا أو لجريمة ارتكبوها.
إخوة الضبَّاط الموجودين بالخدمة بالجيش أو بالاستيداع (مادة ٤٤ من قانون القرعة العسكرية).
- (ب)
الأبناء الوحيدون، أكبر أبناء الأب الميت، أكبر أبناء الأب العاجز عن اكتساب معيشته أو البالغ سن الستين، أكبر الأبناء للأم الأرملة أو التي طُلِّقت ولم تتزوج، بشرط ألَّا يكون لها أب أو أخ أو شقيق يستطيع القيام بمعيشتها.
وكل شخص يقضي عليه قانون الأحوال الشَّخصيَّة الخاضع له أن يساعد في نفقة واحد أو أكثر من أجداده.
الأخ التَّالي لأخيه المجند بالاقتراع أو التَّالي لأكبر الأبناء غير القادر على التكسب نيابة عن والده المتوفى أو غير القادر على التَّكسب لنفسه.
الطلبة في جميع المعاهد الدينية وبعض المدارس الصِّناعيَّة.
- (جـ)
بعض الموظفين الدينيين بما فيهم العلماء والمشايخ والأئمة والفقهاء والقسس إلخ.
- (أ)
عشرين جنيهًا مصريًّا في أيِّ وقت قبل اقتراعه أو إذا كان معافًى وزال سبب إعفائه، وذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ زوال الإعفاء.
- (ب)
أربعين جنيهًا مصريًّا لمن يحضر أو يندب أحدًا عنه للحضور أمام مجلس الاقتراع، وذلك في أي وقت بعد إدراج اسمه في كشوف الاقتراع وقبل فرزه طبيًّا.
- (جـ)
مائة جنيه لمن يكشف عليه طبيًّا، وذلك في أي وقت بعد الكشف الطبي وقبل التجنيد.
الوحدة أو السلاح | الاسم | العلامات |
---|---|---|
مركز رياسة الجيش | مركز رياسة الجيش | علامة أركان حرب من جوخ أحمر على طرفي ياقة السترة وعلامة ذراع للضباط |
قسم القاهرة | قسم القاهرة | ق. ق على الكتف للعساكر |
اللواء البيادة الأول | اللواء البيادة الأول | ل١ على الكتف للعساكر |
اللواء البيادة الثَّاني | اللواء البيادة الثَّاني | ل٢ على الكتف للعساكر |
اللواء البيادة الثالث | اللواء البيادة الثالث | ل٣ على الكتف للعساكر |
السواري | السواري: | |
أورطة سواري عدد ٢ | أورطة سواري | س على الكتف |
الطوبجية | الطوبجية: | |
بطارية (بغالي) عدد ٤ | بطارية (بغالي) | ط على الكتف |
بلوك المحافظة عدد ١ | بلوك المحافظة | |
بطارية سيارات مدفع الماكينة عدد ١ | بطارية سيارات مدفع الماكينة | |
الأورط البيادة: | ||
البيادة (١١ أورطة) | الأولى | رقم الأورطة على الكتف |
الثانية | ||
الثالثة | ||
الرابعة | ||
الخامسة | ||
السادسة | ||
السابعة | ||
الثامنة | ||
التاسعة | ||
العاشرة | ||
الحادية عشرة | ||
الطيران الحربي | الطيارون | أجنحة أخضر وذهبي على الصدر الشمال |
العساكر | أجنحة أخضر وأصفر على الأكتاف |
الوحدة أو السلاح | الاسم | العلاقات |
---|---|---|
الموسيقات | الموسيقات: | |
البيادة المصرية | البيادة المصرية | هارب على الذراع |
إدارة السجن | إدارة السجن | س. ح على الكتف |
إدارة الأشغال العسكرية | إدارة الأشغال العسكرية | م. ع على الكتف |
بلوك المهندسين | بلوك المهندسين | م. ع على الكتف |
مصلحة التعيينات | مصلحة التعيينات | ثلاث وردات نحاس أصفر متصلة بساق منحن على الكتف |
الحملة الميكانيكية | الحملة الميكانيكية | ح.م على الكتف |
القسم البيطري | القسم البيطري | حدوة على الذراع |
مصلحة الأسلحة والمهمات | مصلحة الأسلحة والمهمات | أ.م على الكتف |
القسم الطبي | القسم الطبي | قمرة ونجمة على الذراع |
إدارة القرعة العسكرية | إدارة القرعة العسكرية | ق على الكتف |
المدرسة الحربية بالقاهرة | المدرسة الحربية بالقاهرة | أسبلايط مجدولة قصب للصف ضباط وحمراء لسائر الطلبة على الكتف |
وللجيش مفتش عام هو الفريق سبنكس باشا، ومعه مساعد اللواء فوربس باشا، والمفتش هو القائد العام الفعلي، وجلالة الملك هو القائد الأعلى — وكان للجيش سردار ألغي منصبه بعد سحب الجيش من السُّودان. وكان قواد الآورط المصريَّة ضباطًا بريطانيين يندبون من الجيش الإنكليزي أو الهندي حتَّى سنة ١٩٢٢؛ إذ أعلن الاستقلال فأصبحوا مصريين وفي كلّ أورطة سودانية ٤ بريطانيين برتبة البكباشي عدا القائد، وكان عدد جنود الأورطة المصريَّة ٨٠٠ والسُّودانية ٨٥٠، وبلغ عدد الضبَّاط والجنود السُّودانيين من جميع الأسلحة ١٤٥٠٠ في سنة ١٩٢٤، وبلغ المصريون ٩٣٠٠. ومراكز الجيش المصري الآن في مصر كما يلي: أسوان. منقباد «أسيوط». العباسية والمعادي «القاهرة». الدخيلة «الإسكندرية». السلوم. العريش.
(١٠-١) العلم المصري
العلم الأهلي المصري يتألف من هلال وثلاث نجوم بيضاء على أرضية خضراء وطرفا الهلال تتجهان للجهة التي ليس بها العمود.
أمَّا البيارق لجميع أفرع الجيش فتكون من صوف أخضر بهلال وثلاث نجوم بيضاء في وسط البيرق وسيفين متقاطعين من لون أبيض في الزاوية العليا اليسرى.
الرتبة المصرية | الرتبة الإنكليزيَّة التي تعادلها | علامات الرتب |
---|---|---|
مشير | فيلد مارشال | تاج ونجمتان وسيف وعصا متقاطعان |
سردار | كومندر إن شيف | تاج ونجمة وسيف وعصا متقاطعان |
فريق | لفتننت جنرال | تاج وسيف وعصا متقاطعان |
لوا | ميجر جنرال (أو) بريجادير جنرال | نجمة وسيف وعصا متقاطعان |
ميرالاي | كولونل | تاج وثلاث نجوم |
قائمقام | لفتننت كولونل | تاج ونجمتان |
بكباشي | ميجر | تاج ونجمة |
صاغقول أغاسي | أدجو تانت ميجر* | تاج |
يوزباشي | كابتن | ثلاث نجوم |
ملازم أول | لفتننت | نجمتان |
ملازم ثان | سكند لفتننت | نجمة واحدة |
صول تعليم | سرجنت ميجر | أربعة شرائط معكوسة فوقها تاج على الذراع الأيمن من أسفل |
صول تعيين | كوارتر ماستر سرجنت | أربعة شرائط معكوسة فوقها نجمة على الذراع اليمنى من أسفل |
باشجاويش | كومبني سرجنت ميجر | أربعة شرائط فوقها تاج على القسم العلوي من الذراع اليمنى وبعض الأحيان على الذراعين |
بلوك أمين | كومبي كوارتر ماستر سرجنت | ثلاثة شرائط فوقها نجمة على القسم العلوي من الذراع اليمنى وأحيانا على الذراعين |
جاويش | سرجنت | ثلاثة شرائط على القسم العلوي من الذراع اليمنى |
وكيل جاويش | لنس سرجنت | ثلاثة شرائط على القسم العلوي من الذراع اليمنى |
أونباشي | كوربورال | شريطان على القسم العلوي من الذراع اليمنى |
وكيل بلوك أمين | لنس كوربورال كلرك | شريط واحد فوقه نجمة على القسم العلوي من الذراع اليمنى وأحيانًا على الذراعين |
وكيل أونباشي | لنس كوربورال | شريط واحد على القسم العلوي من الذراع اليمنى |
نفر | برايفت | لا شيء |
برجي | ترميتر | بوري |
ترومبيتجي | درامر | طبلة |
بلطة جي | بايونير | بلطتان متقاطعتان |
(١١) قوة الدفاع عن السُّودان
منذ فتح السُّودان وبعد استعادته كان الجيش المصري منوطًا به حفظ النِّظام في السُّودان، وكانت الحكومة المصريَّة تجند أفرادًا من الزنوج أو العبيد وتضمُّهم إلى قوات الجيش المصري.
وكان السُّودانيون العرب أنفسهم يجندون كما فعل المهدي والدراويش، وكان هؤلاء العبيد يأخذون من قبائل الشلك والدنكا والنوبة.
وبعد استعادة السُّودان جنَّد سردار الجيش المصري اللُّورد كتشنر باشا العبيد الذين كانوا مع الدراويش.
واتَّجه رأي ولاة الأمور الإنكليز إلى إنشاء مدارس في السُّودان لتخريج ضباط وموظفين سودانيين.
يرجع تاريخ إنشاء فرق العرب التي تتألَّف منها الآن قوة الدفاع السُّودانية إلى تسلم الحكومة السُّودانية «كسلا» من إمرة إيطاليا، بعد استعادة السُّودان، فإنَّ الإيطاليين كانوا قد ألفوا من الأهالي فرقة من الباشبوزق، وهي فرقة غير نظامية ونصف عسكرية وتلبس ملابس بالسراويل ولها عمائم، فاستبقت الحكومة السُّودانية هذه الفرقة في كسلا. وفي أثناء الحرب الكبرى من سنة ١٩١٤ بدأت الحكومة السُّودانية في تأليف هذه الفرق، وقد عززتها بعد حل الأورط السُّودانية.
ومما يُذكر هنا أن الجندي السُّوداني في الأورط المنحلة كان يجوز له البقاء في الخدمة العسكرية لمدة عشر سنوات أو ١٥ سنة، وكانت الحكومة المصريَّة تدفع له مرتبًا أكثر من مرتب الجندي المصري.
وتقدر قوة الدفاع السُّودانية كلها بنحو 7 آلاف جندي يضاف إليها ملحقون وعمال وتعليمهم العسكري — أي تعليمهم حمل السلاح — يزيد على تعليم الخفراء عندنا قليلًا.
(١١-١) الجيش الإنكليزي
أما الجيش الإنكليزي فيتألف الآن من أورطتين. وعند البلاغ الذي وجَّهه اللنبي في نوفمبر سنة ١٩٢٤ إلى وزارة المغفور له سعد زغلول باشا سافرت أورطة إنكليزية من مصر إلى بورسودان.
(١١-٢) أمر الحاكم العام
عملًا بالسلطة العسكرية والملكية السامية والمخوَّلة لي بمقتضى شروط تعييني، أنا السر جفر فرنسيس آرتشر حامل نيشان القديسين ميخائيل وجورج من درجة فارس حاكم السُّودان العام أُعلن ما يأتي:
- أولًا: تسمى القوة الجديدة المراد إنشاؤها كما تقدم «جيش دفاع السودان»، وتدين بالولاء لحاكم السُّودان العام.
- ثانيًا: يعين الحاكم العام ويعزل جميع الضبَّاط، وتُمنح جميع البراءات باسمه.
- ثالثًا: بما أنَّ الحكومة المصريَّة غير قادرة، بعد الآن، على استخدام ضباط الجيش المصري الذين هم من أهالي السُّودان، فسيقبل من جميع هؤلاء الضبَّاط من أرى فيهم الجدارة في خدمة «جيش دفاع السُّودان» بموجب الشروط المنظمة لإصدار البراءات في هذا الجيش، والتي ستبلغ في هذا اليوم إلى أولئك الضباط.
- رابعًا: عند إصدار البراءات الجديدة تتولى حكومة السُّودان مسئولية الرواتب والمعاشات والمكافآت المستحقة الآن لأولئك الضبَّاط بمقتضى شروط الخدمة في الجيش المصري.
يتقدم تنظيم قوة الدفاع السُّودانية تقدمًا حسنًا، ويستمر إدخال عدد من الضبَّاط فيها. وقد أخذ نحو ألف ضابط من القوات المعسكرة في مصر والسُّودان، ويبلغ عدد الجند في الوحدات البريطانية ستة عشر ألفًا، أي بزيادة ألفين. وجرت هذه الزيادة بإضافة أورطتين إلى هذه الوحدات، وستنضم أورطة الملاحة التاسعة المعسكرة في فلسطين إلى الخيالة في القاهرة، وكذلك أورطة الرماحة الثَّانية عشرة، وتحلان محل الألاي الموجود هناك. ولكن هذه التنقلات لا تجري مباشرة.
(١١-٣) مناطق قوة الدفاع
-
المنطقة الشمالية: الخرطوم وملحقاتها: وبها السواري والحملة الميكانيكية وفرق المهندسين والبطاريات المدرعة.
السواري في شندي. والحملة والبطاريات بالخرطوم بحري، وفرقة المهندسين في أم درمان، ومركز التَّعليم الشَّمالي في أم درمان.
-
المنطقة الجنوبية: الرياسة في توريت وموزَّعة على مراكز خط الاستواء وبحر الغزال.
-
المنطقة الشرقية: بها فرقة العرب الشرقية في كسلا والقضارف والقلابات.
-
المنطقة الغربية: بها فرقة العرب الغربية وموزعة على الفاشر ونيالا والجنينة.
-
المنطقة الوسطى في الأبيض: وموزعة على مراكز مديرية كردفان: الأبيض وبارة والدلنج وكادوجلي.
(١١-٤) المقاتلون في قوة الدفاع
يلبس الجنود غير النظاميين الذين تتألَّف منهم قوة الدفاع لباسًا طويلًا من الكاكي وجبة من الكاكي وحزامًا أخضر وعمامة من كاكي ونعال. وهم غير نظاميين. مرتب الجندي ٢١٠ قروش، ويعطى علاوة إلى ٦٠ قرشًا، ثلاث سنوات، ثمَّ تجدَّد خدمته ثلاث سنوات، وهكذا حسب الظروف.
(١١-٥) الأورطة المصريَّة بالمكسيك
ظلت وزارة الحربية المصريَّة يتقلدها وزير الأشغال العمومية مدة عشرين سنة، وكان الوزراء راضين بأن تكون الشؤون العسكرية في يد السردار. ولكن منذ تصريح ٢٨ فبراير سنة ١٩٢٢ فصلت الحربية عن الأشغال، وأصبح يتقلَّد وزارة الحربية وزير مستقل بها. وقد ظلَّ وزراء الحربية بعد التَّصريح مدة سنتين يعنون باستشارة السردار في كلّ مسألة ذات أهمية، مع عدم التعرض له في أعماله التنفيذية. وكل ما طرأ من التغيير في مدة السنتين التَّاليتين لصدور التَّصريح، أن سلطة السردار فيما يتعلَّق بتعيين من يحل محل الضبَّاط الإنكليز في الجيش عند خلوا أماكنهم — لا تُنفَّذ إلَّا بعد عرض قرارات السردار على مجلس الوزراء.
على أن مجيء وزارة وفدية في فبراير سنة ١٩٢٤ كان من نتيجة جعل وزارة الحربية في يد وزير «المرحوم حسن حسيب باشا» جهر صراحة بأنَّه الرئيس الحقيقي للجيش، وأنَّ جميع المسائل حتَّى لو كانت أهميتها ثانوية، يجب أن تُعرض عليه. وقد أيَّد الوفد هذه الخطة. وتبع ذلك سياسة، كان مرماها إضعاف سلطة السردار والهبوط بالنظام. وكانت مسألة تعيين ضباط إنكليز في الوحدات «الأورط» السُّودانية هي أهم ما دار عليه الحديث بين الوزير «الوفدي» والسردار «سير لي ستاك» قبل مقتله مباشرة.
وقد أصبح واضحًا الوضوح كله أنَّ الاعتراف بمصر كدولة مستقلة ذات سيادة، ومن ثمَّ تحرير سياستها من الرقابة البريطانية، قد أدخل في شروط الاتِّفاق الثنائي «اتفاقية سنة ١٨٩٩» عاملًا جديدًا، وأصبح لزامًا على حكومة السُّودان أن يكون لها الإشراف التَّام على الحامية العسكرية في السُّودان، وأن يعترف لهذه الحكومة بذلك نظريًّا. وقد تمَّ ذلك بتأليف قوة الدفاع عن السُّودان.
(١١-٦) صفة قوة الدفاع في نظر مصر
بعد الاطِّلاع على كتاب وزير الحربية إلى وزير المالية بتاريخ ٢١ يناير سنة ١٩٢٥ متضمنًا الاستفهام عن الكيفية التي تحرر بها ميزانية وزارة الحربية للسنة المالية المقبلة ١٩٢٥–١٩٢٦ فهل تكون حسب وضعها وترتيبها الحاليين أم توضع على قسمين أحدهما للجيش المصري والآخر للقوة السُّودانية؟ وهل في هذه الحالة تبين مصروفات القوة الأخيرة كالمتبع إلى الآن أم جملة واحدة.
وعلى مذكرة وزارة المالية إلى مجلس الوزراء المؤرخة أول فبراير سنة ١٩٢٥ وهي تتضمَّن اقتراحات هذه الوزارة في الموضوع المشار إليه.
وعلى كتاب فخامة المندوب السامي البريطاني إلى حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء بتاريخ ٢٦ يناير سنة ١٩٢٥ الذي يذكر فيه أن نفقات قوة الدفاع السُّودانية ستتحملها حكومة السُّودان.
ولمَّا كانت الحكومة المصريَّة تعتبر أن الجيش الموجود في السُّودان. إنَّما هو جزء من الجيش المصري مكلَّف بالدفاع عن الأقاليم السُّودانية. تلك الأقاليم التي ما زالت مرتبطة بمصر ارتباطًا لا انفصام له أوضح ذلك رئيس مجلس الوزراء في كتابه إلى المندوب السَّامي البريطاني بتاريخ ٢٥ يناير سنة ١٩٢٥.
قرر مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في ٤ فبراير سنة ١٩٢٥ أن تبقى ميزانية وزارة الحربية للسنة المالية المقبلة ١٩٢٥–١٩٢٦ كما كانت في السنة الحالية ١٩٢٤–١٩٢٥ تمامًا من غير زيادة. على أن يُبيَّن في الميزانية تفصيلًا ما يخص الجيش الذي في مصر وما يبقى من المبلغ المدرج في الميزانية يخصص جملة واحدة للجيش الذي في السُّودان.
(١١-٧) الإمضاء عن السُّودان
أذاعت عصبة الأمم بلاغًا في يوم ١٣ مايو سنة ١٩٢٥ تقول فيه: إنَّ «السر أوسي ستيري» المزود بسلطة تامة من حكومة السُّودان قد أمضى، باسم السُّودان في يوم ١١ مايو الحالي الاتِّفاق والبروتوكول اللذين وضعهما مؤتمر الأفيون الثَّاني في جنيف مع الاحتفاظ بإبرامهما.
(١١-٨) اعتماد ٧٥٠ ألف جنيه لقوة الدفاع
كان اعتماد ٧٥٠ ألف جنيه في ميزانية وزارة الحربية المصريَّة لقوة الدفاع عن السُّودان مثار خلاف ومناقشات في البرلمان والصحف، ونعتقد أنَّ هذه المناقشات لم تنتهِ بعد.
وإذا كانت مصر تدفع مبلغ اﻟ ٧٥٠ ألف جنيه من ميزانيتها «بصفة نفقات حربية للسُّودان» ويوافق البرلمان عليها بهذا الوصف، فإنَّ قبول حكومة السُّودان لهذا المبلغ ليس على هذا الأساس؛ لأنَّ حكومة السُّودان تستعمله كجزء من الإيرادات العامَّة للحكومة. ا.ﻫ.
(١١-٩) في برلمان سنة ١٩٢٦
في أثناء نظر مجلس النواب سنة ١٩٢٦ ميزانية وزارة الحربية، قامت ضجة في المجلس حول طلب الموافقة على اعتماد مبلغ ٧٥٠٠٠٠ جنيه لمصروفات الجيش بالسُّودان، وطلبت لجنة المالية بالمجلس الموافقة على هذا الاعتماد تمكينًا للعلاقة الدائمة بين مصر والسُّودان.
وقد كان رجال الحزب الوطني أشدَّ الأعضاء معارضة، فقد خطب الدكتور عبد الحميد سعيد في الأعضاء طالبًا عدم الموافقة على دفع هذا المبلغ إذا لم يرجع الجيش للسُّودان كما كان.
ووجه الأستاذ محمد فكري أباظة ثلاثة أسئلة عن هل لدى وزارة الحربية بيانٌ بتفصيل الأوجه التي يُصرف فيها هذا المبلغ. وهل في وسع وزير الحربية أن يقرِّر أنَّ له الإشراف التَّام على حركات الجيش وقياداته وما يُوقَّع على أفراده من جزاءات، حتَّى نعرف في أي سبيل نصرف مبلغًا هائلًا كهذا، أم الأمر بعكس ما تقدم فنصرفه على شيء مجهول تمام الجهل؟
فأجاب وزير الحربية قائلًا: «ليس لدينا تفصيل للأوجه التي يصرف فيها مبلغ اﻟ ٧٥٠٠٠٠ جنيه. كما أنَّه ليست لنا سلطة على حركات قوة الدفاع السُّودانية.
ولكن إذا أردتم حضراتكم معرفة الكيفية التي تقرر بها دفع هذا المبلغ فإنِّي على استعداد لبيان حقيقة الموضوع:
حضرة صاحب الفخامة
أخبرتموني فخامتكم في كتابكم المؤرخ ٢٦ يناير أن الحكومة السُّودانية ستحمل نفقات قوة الدفاع السُّودانية.
وقد سبق لفخامتكم في ٢٢ نوفمبر سنة ١٩٢٤ أن أبلغتم سلفي أن الوحدات السُّودانية بالجيش المصري ستحوَّل إلى قوة مسلحة سودانية، وأرسلتم إليَّ مع كتابكم المؤرخ ٢٥ يناير نص منشور أصدره حاكم السُّودان العام بتأليف تلك القوة.
ولم يفتني في هذه المناسبة أن أُقرِّر في جوابي المرسل إلى فخامتكم في ذات اليوم تحفظات مصر القانونية، وأن أؤكِّد في الوقت نفسه بصفة خاصَّة أن الحكومة المصريَّة تعتبر أنَّ الظروف العارضية التي قضت بعودة الجنود المصريَّة البحتة، وكذلك الظروف الخاصَّة بتأليف قوة الدفاع السَّابق ذكرها، كلّ هذه لا يمكن أن تؤثر في حل مسألة نظام السُّودان النهائي، تلك المسألة المحتفظ بها للمفاوضات المقبلة، كما أنَّها لا يمكن أن تضعف ما بين مصر والسُّودان من الروابط التي لا انفصام لها.
تلك هي وجهة نظر الحكومة المصرية؛ لذلك أتشرَّف بأن أحيط فخامتكم علمًا بأنَّه لمَّا كانت الحكومة مصمِّمة على صيانة تلك الروابط القوية، ولمَّا كانت لا يسعها التَّخلي عن مسئولية الدفاع عن السُّودان، فهي ترغب في إثبات مصلحتها الدائمة في تأدية هذا الواجب باستمرارها على الاشتراك في الدفاع عن الأراضي السُّودانية.
ولهذا الغرض كان مجلس الوزراء قد قرَّر أن يخصص للنفقات العسكرية في السُّودان كلّ ما يبقى من ميزانية وزارة الحربية بعد خصم المصروفات العسكرية في القطر المصري. ولمَّا كان مشروع ميزانية الحكومة المصريَّة للسنة المالية ١٩٢٥–١٩٢٦ قد تم إعداده فيما يتعلَّق بمصروفات وزارة الحربية وظهر أنَّ الباقي يبلغ سبعمائة وخمسين ألف جنيه مصري قرَّر مجلس الوزراء أن يضعها جُملة بعد موافقة البرلمان تحت تصرّف الحكومة السُّودانية لحساب النفقات العسكرية السَّابق ذكرها.
وتفضلوا إلخ …
حضرة صاحب الدولة
أتشرَّف بأن أعلم دولتكم أنِّي تسلَّمت الكتاب المرسل إليَّ بتاريخ اليوم، والذي تكرمتم فيه بإخباري عن رغبة الحكومة المصريَّة في الاشتراك في نفقات حكومة السُّودان.
وقد أحطتُ حكومة حضرة صاحب الجلالة البريطانية علمًا برغبة الحكومة المصرية.
وبالرغم من الإجراءات التي اضطرت الحكومة البريطانية إلى اتخاذها بحكم حوادث السنة الماضية فإنها أبقت السِّيادة المشتركة التي أوجدها الاتِّفاق المعقود في سنة ١٨٩٩ بين بطرس باشا واللورد كرومر، ولذلك فهي تقرِّر أن قيام الحكومة المصريَّة بهذه المشاركة في النفقات إنما هو حق وعدل، وتوافق على أن يحدد قيمة ما تدفعه لهذا الغرض بمبلغ سبعمائة وخمسين ألف جنيه.
وتفضلوا إلخ …
هذا كلّ ما جرى في هذه المسألة، وقد ظهر لحضراتكم السبب في تقدير المبلغ ﺑ ٧٥٠٠٠٠ جنيه.
فوافق المجلس على الاقتراح، ولم يخالفه سوى الأستاذ مصطفى محمود الشوربجي والأستاذ محمد فكري أباظة والدكتور عبد الحميد سعيد.
(١١-١٠) في برلمان سنة ١٩٢٧
(١١-١١) في برلمان سنة ١٩٢٨
وعند نظر مجلس النواب ميزانية وزارة الحربية عام ١٩٢٨ خطب الدكتور محجوب ثابت مؤيدًا رأي اللَّجنة المالية قائلًا: إنَّ صرف هذا المبلغ يؤيد حقنا في السُّودان، ويضمن لنا ما أنفقناه من ملايين الجنيهات وما بذلناه من مهج الرجال وكبار القواد من يوم استرجاع السُّودان إلى الآن.
فعارض هذا الرأي رجال الحزب الوطني، وخطب فريق منهم وهم حضرات محمد حافظ رمضان بك، والدكتور عبد الحميد سعيد، وعبد العزيز الصوفاني، ومحمد فكري أباظة.
وبعد مناقشة حادة قرر رئيس الجلسة إقفال باب المناقشة بموافقة أعضاء المجلس. وقد قُدِّم اقتراحان من حضرتي محمد فكري أباظة وعبد العزيز الصوفاني بطلب حذف مبلغ اﻟ ٧٥٠٠٠٠ج.م من مشروع ميزانية وزارة الحربية المقال عنه بأنَّه مصاريف الجيش في السُّودان.
(١١-١٢) في برلمان سنة ١٩٣٤
ألقى وزير الحربية والبحرية المصريَّة في مجلس النواب في أثناء نظر المجلس في ميزانية وزارة الحربية والبحرية لسنة ١٩٣٤–١٩٣٥ بيانًا عن مبلغ ٧٥٠٠٠٠ جنيه التي ترسل لحكومة السُّودان كلّ عام باسم «قوة الدفاع السُّودانية» جاء فيه ما يأتي:
وللكلام عن هذا المبلغ يجب أن نتكلم عن العلاقات المالية بين مصر والسُّودان، ثمَّ عن أساس الالتزام بدفع هذا المبلغ:
- (١)
السلف المعطاة لحكومة السُّودان من أجل الأعمال المتعلقة بنمو السُّودان.
- (٢)
الإعانة الممنوحة لحكومة السُّودان لسد عجز الإيرادات، أي لموازنة الميزانية.
- (٣)
مصروفات الجيش في السُّودان.
وليست كلُّ المصروفات التي تنفق على الجيش تُلزم بها حكومة السُّودان، ولكن الجيش عندما كان جميعه في السُّودان — سواء في ذلك الجيش المصري البحت أو الأورط السُّودانية الملحقة به — كانت له نفقات تزيد على نفقاته لو كان في مصر، فكانت الحكومة المصريَّة تحسب على نفسها النفقات التي يتكلفها الجيش في السُّودان لو كان في مصر، أمَّا الفرق بين نفقاته في مصر وبينها في السُّودان فكانت تتحمله حكومة السُّودان، وقد بلغ سنة ١٩٢٤ — ٣٧٤٤٩٢ جنيهًا. أمَّا النفقات العادية فكانت تتكفَّل بها الحكومة المصرية.
ولما وقعت حوادث السُّودان سنة ١٩٢٤ كتب المندوب السَّامي لسعد زغلول باشا يقول له بأن: «الوحدات السُّودانية للجيش المصري ستُحوَّل إلى قوة سودانية مسلحة».
وفي ٢٥ يناير سنة ١٩٢٥ أبلغ المندوب السَّامي زيور باشا نص الإعلان الذي أصدره الحاكم العام للسُّودان عن التكوين الجديد لتلك القوى.
إنَّ الحكومة المصريَّة تعتبر أن الظروف الطارئة التي أدَّت إلى عودة الجيوش المصريَّة البحتة، وإلى تكوين قوة سودانية، لا يمكن أن تؤثر على حل مسألة النِّظام النَّهائي للسُّودان — تلك المسألة المحتفظ بها للمفاوضات المستقبلة — كما أنَّها لا تُضعف الروابط التي لا تنفصل والتي تربط السُّودان بمصر.
وعليه أتشرَّف بأن أحيط علم فخامتكم بأن الحكومة المصريَّة — التي قرَّ رأيها على المحافظة على تلك الروابط القوية، والتي لا يمكنها النزول عمَّا عليها من مسئولية الدفاع عن السُّودان — تريد تأييد حقها الذي لا يمكن النزول عنه في هذه المهمة، وذلك بأن تستمر في الاشتراك في الدفاع عن الأراضي السُّودانية.
لذلك كان مجلس الوزراء قد قرَّر أن يخصص للمصروفات العسكرية في السُّودان ما يبقى من ميزانية وزارة الحربية بعد استنزال المصروفات العسكرية التي تُنفق في مصر.
وحيث إنَّ مشروع ميزانية الحكومة المصريَّة للسنة المالية ١٩٢٥–١٩٢٦ قد وضع عن مصروفات وزارة الحربية، وقد ظهر منه أن ذلك الباقي يبلغ ٧٥٠٠٠٠ جنيه.
فقد قرر مجلس الوزراء أن يضع — بعد موافقة البرلمان — جميع هذا المبلغ تحت تصرُّف الحكومة السُّودانية للمصاريف العسكرية السَّابق ذكرها.
أتشرَّف بإحاطة دولتكم علمًا أنِّي تسلمت المذكرة المؤرَّخة بتاريخ اليوم التي تُبلغوني فيها رغبة الحكومة المصريَّة بأن تشترك في مصاريف حكومة السُّودان.
وقد أخذت حكومة جلالة الملك البريطانية علمًا بذلك، ورغمًا من الإجراءات التي اضطرت حكومة جلالة الملك إلى اتخاذها بسبب حوادث العام الماضي، فإنها أبقت السِّيادة المشتركة التي أوجدتها اتِّفاقيَّة بطرس — كرومر.
ولذلك نرى من العدل أن تقوم الحكومة المصريَّة بهذا الاشتراك، ونوافق على أن يحدد بمبلغ ٧٥٠٠٠٠ جنيه.»
ويتبيَّن من الخطاب الأول ومن المذكرتين أن أساس التزام الحكومة المصريَّة بدفع مبلغ اﻟ ٧٥٠٠٠٠ جنيه هو أن الحكومة المصريَّة رأت في سنة ١٩٢٤ أن حقوقها في السُّودان كانت مهدَّدة فسعت إلى هذا الالتزام لإقرار حقوقنا في السُّودان، وهذا أمر لا شك فيه.
•••
وقد وافق المجلس على اعتماد مبلغ اﻟ ٧٥٠٠٠٠ جنيه.
(١١-١٣) رأي الأمير عمر طوسون
حدَّث سمو الأمير عمر طوسون وكيل «المقطم» السكندري حول مبلغ النفقة على قوة الدفاع السُّودانية حديثًا نشرته الجريدة المذكورة في يوم ٢٣ مايو سنة ١٩٣٤، وها هو:
قال وكيل المقطم السكندري:
اهتم الرأي العام بما دار من الجدل والمناقشة في مجلس النواب وعلى صفحات الصحف، وبما كتبه المقطم تعليقًا على تلك المناقشات عن المال الذي تدفعه الحكومة المصريَّة لحكومة السُّودان باسم قوة الدفاع السُّودانية. وما برحت هذه المسالة موضوع الأحاديث في الأندية والدوائر الخاصَّة ممَّا حملني على استجلاء رأي صاحب السمو الأمير الجليل عمر طوسون في هذه القضية الخطيرة، ولسموه آراء سديدة في جميع المواقف الوطنية، ولا سيَّما السُّودانية منها. فلا غرو أن يكون لرأيه في هذه المسألة شأن كبير عند الرأي العام المصري. فتشرَّفت بمقابلته، وبعد التَّحية أدرك سموه بُغيتي من هذه الزيارة المبكِّرة فلم يُحمِّلني كبير مشقة في التمهيد لمحادثته في هذا الموضوع، وصارحني برأيه بكل جلاء ووضوح، وهذه خلاصة الحديث:
سألت سموه: هل قرأتم ما نشرته الصحف عن مبلغ النفقة على قوة الدفاع السُّودانية وما علَّقت به على ما دار في مجلس النواب من المناقشة؟
فأجاب: نعم قرأته، واطلعت على كلّ ما قيل فيه، وأنا لست على رأي القائلين بقطع هذه المعونة عن السُّودان، ولكنِّي أرى أنَّها يجب أن تكون بقدر حاجة هذه القوة لا أكثر ولا أقل. فإذا نقصت القوة في المستقبل أو زادت يجب أن تنقص أو تزيد تبعًا لأحد هذين الأمرين.
السنة | عدد الجيش البري بضباطه | مقدار النَّفقة عليه | إيرادات الحكومة بالجنيه |
---|---|---|---|
١٨٣٣ | ٨٨٢٧٢ | ٦٠٠٠٠٠ | ٢٥٢٥٢٧٥ |
١٨٣٩ | ١٣٠٤٠٢ | – | – |
١٨٧٤ | ٩٠٧٢٠ | ٧٠٠٠٠٠ | ٩٩١١٩٦٨ |
١٨٨٠ | ١٢٠٠٠ | ٣٦٠٠٠٠ | ٨٥٦١٦٢٢ |
١٩٣٣ | ١٢٢٨٨ | ٨١٥٩١٣ | ٣٢٠٧٥٠٠٠ |
(١٢) سلاح الطيران في السُّودان
والسودان مثلًا طريق جوي كثيرًا ما اجتازته الطائرات؛ فإذا ما ارتقت وسائل النَّقل الجوي فمن المحتَّم أن يصبح السُّودان طريقًا ثابتًا متصل الحلقات للنقل الجوي، وإلى اليوم ظل السُّودان يناهض فكرة استخدام سلاح الطيران كوسيلة رئيسية من وسائل الدفاع وإقرار السلام في ربوعه، وهي الفكرة التي قامت لتأييدها حجج واعتبارات قوية جدِّية، فقد اقتُرِح قبل الآن استخدام هذا السلاح باعتباره وسيلة ميسورة يتسنَّى بها القيام بكل ما تؤديه القوات البرية بكفاءة أكبر وأكثر صلاحية، كما يمكن ربطه بأعمال الإدارة المدنية ربطًا مُحكمًا وثيق الحلقات. ولكن إلى الآن ظلت هذه المشروعات والاقتراحات تجد اعتراضًا؛ لأنَّه وإن كان العمل الذي يؤديه سلاح الطيران في بلاد مثل السُّودان هو في الواقع كبير القيمة خطير الشأن فلا ينبغي مع ذلك الغلو في تقدير قيمته؛ إذ هو مهما قيل في مدح مزاياه لا يزال أداة مساعدة للقوات البرية.
لو أنَّ لنا سلاح طيران كافيًا صالحًا في الخرطوم، ومعدات برية تناسبه في مواضع متعددة منتشرة، لحملنا هذا على أن نعتقد أن المهدوية أولًا، وهي ذلك الخطر الشديد، وإن ظل هاجعًا كامنًا، لن تستطيع اكتساحنا من جهة الغرب إذ يمكننا في هذه الحالة أن نحطم مراكز تجمُّعها ونُشتِّت شملها، وهي في أثناء تعبئتها في مخافرها النَّائية، فلا تقع في المستقبل نكبات كالتي وقعت لحملة هيكس باشا ولبيكر باشا في سنة ٨٠، ولا يكون حصار كحصار الخرطوم؛ إذ يُصبح من المستحيل بفضل عيون سلاح الطيران وأرصاده وأسلحته تكرار تلك المجازر والجوائح التي كانت تقترفها تلك القبائل المتهوِّسة في الدين، كما تُصبح المسائل المتعلقة بالدفاع الداخلي سهلة بسيطة.
وثانيًا: إنَّ الطبقات الصغيرة من الشباب المتعلِّم في الخرطوم وأم درمان والمدن الأخرى التي أقل منها شأنًا أولئك الذين أعاروا آذانهم فيما مضى لمروِّجي الفتنة من المصريين يدركون غدًا بذكائهم مبلغ ما يستطيع سلاح الطيران أن يفعله. فإنَّ التأثير الذي يُحدثه هذا السلاح في عقول هذه الطبقة من الأهلين هو إلى حدٍّ كبير من أفضل مزاياه وأعماله في سبيل إقرار الحالة السياسية وتوطيدها.
وثالثًا: إنَّ الحاميات النَّائية التي تتألَّف منها قوة الدفاع عن السُّودان تصبح مرتبطة الأجزاء متصلةً اتصالًا وثيقًا بمركز الرِّياسة العامَّة والعالم الخارجي بهذه الوسيلة السريعة من وسائل المواصلات، ويصبح خطر النزعات الثورية وانتقاض الجنود السُّودانية على النِّظام قليلًا ما أمكن.
ورابعًا: أن يكون سلاح الطيران في جميع الطوارئ الشديدة والأزمات الفجائية الجسيمة هو الوسيلة السريعة للاتصال والتَّحري والتحقيق، وبذلك يتيسر اتِّخاذ التَّدابير العاجلة.
وقد استطرد الحاكم العام بعد هذا في رسالته مبينًا أنَّ مشكلة الإدارة الملكية — أي المدنية — في مناطق السُّودان النَّائية التي لا يزال أهلها في شبه جاهلية أو همجية هي من صِعاب المشاكل وأكثرها تعقُّدًا وأدْعَاها إلى الأخذ بمنتهى الحذر والتبصُّر واللَّباقة والكَياسة في تناولها؛ إذ كلَّما كانت تقوم المتاعب فيما مضى ببعض تلك المناطق كان الأمر يقتضي معالجتها برًّا بإيفاد قوة استكشافية تعمل بحذر ودقَّة على أمل الاتِّصال بالثائرين لإقرار صلات حسن التَّفاهم بين الحكومة وبينهم لكي يمكن بذلك توثيق الروابط الحسنة من البداية، ولهذا الاعتبار الخطير ينبغي للسلطات أن تتوخى اختيار أهدافها وأغراضها، وأن تستخدم سلاح المشاة في الملاحم البرية.
وقد استطاع الحاكم العام أن يصوِّر حُججه ووجوه نظره أحسن التَّصوير من المشاهدات الأخيرة والتَّجارب الفعلية، فقد حدث أن سرب الطيارات الذي أُنشئ أخيرًا على سبيل التَّجربة وجُعِل مركزه الخرطوم لم يلبث عقب وصوله أن كُلِّف الاشتراك في عمليتين من العمليات الحربية تختلف إحداهما عن الأخرى وإن كانت كلّ واحدة منهما من نوع الأعمال الحربية التي كثيرًا ما يقتضي الأمر من الحكومة معالجتها، فقد حدث في مديرية أعالي النِّيل أنَّ مشعوذًا يحترف الطب بالسحر وهو من قبيلة اللاونوير ويُدعى «جويك وندنج» دأب عامًا كاملًا على إظهار العداء للحكومة وتحدِّيها والمجاهرة بالاستخفاف بسلطتها فترة طويلة حتَّى أصبح يُخشى أن تسري عدواه إلى سائر أفراد القبيلة، ولم تُفلح مساعي المفتش في الاتِّصال بذلك الرجل وحمله بالمسالمة على الكفِّ عن موقفه العدائي، فاضطر الأمر في هذه الحالة إلى وجوب الالتجاء إلى تدابير عسكرية حياله، ففي ١٣ ديسمبر سنة ١٩٢٧ جاءت التَّقارير تُفيد بأنَّ أتباع هذا الساحر المتطبب المتمرد على الحكومة يبلغون أربعة آلاف نفس، وأن بعض الجماعات المعادية منهم يقيمون بجوار قرية تُدعى نيرول، وأن القوة العسكرية التابعة للحكومة قد عسكرت بتلك القرية في ١٥ ديسمبر، وقد قامت الطائرات بعدة غارات تمهيدية على سبيل الإرهاب فقط في مبدأ الأمر، ولكنَّها لم تلبث أن قامت بإلقاء القنابل على مراكز تجمع هذه الفصائل المعادية فحطمت مقاومتها المنظَّمة.
وقد قال الحاكم العام منوِّهًا بعمل سرب الطيران في هذا الحادث: إنَّه أدَّى مهمته بمنتهى الكفاية والسرعة، ولكن الدروس التي تؤخذ من هذا العمل لا تزال هي الدروس نفسها التي سبق وصفها في رسالته؛ إذ لم يتحقق هل أتى تعاون سلاح الطيران في ذلك العمل بأية نتائج سريعة مباشرة، وإن تأثيره المعنوي كان هو وحده المحقق الذي لا شك فيه، وكان خليقًا بأن يُصبح عاملًا له خطره وقيمته في الموقف بإزاء الثوَّار المتمرِّدين.
أمَّا العمليات الحربية الأخرى التي استُعِين فيها بسرب الطيران عقب قدومه إلى السُّودان، فقد كانت موجهة أيضًا إلى جزء آخر من قبائل النوير قتلوا بتحريض بعض زعماء الكبتن فرجسون مفتش المركز، وأدى قتله إلى فتنة عامَّة وتمرُّد بين العشائر الأخرى في القبيلة، وإن كان المرجح أن التَّمرد لم يكن مقصودًا لذاته، بل كان لمجرد التخلص من ضابط كان لمعرفته الواسعة بالمركز وسكانه من المحتمل كثيرًا أن يُحرج زعيم القبيلة ويعمل على مضايقته.
وقد ظن الثوار أنهم بالانسحاب إلى مستنقعات إقليمهم سيحتمون احتماءً تامًّا من عقاب الحكومة وتأديبها، ولهذا جاءت غارة سلاح الطيران عليهم وهم في عقر ديارهم مفاجأة تامَّة مُؤلمة: فقد حاصرتهم القوات البرية وحاصرت ماشيتهم وأنعامهم، وراحت الطائرات في الوقت نفسه تصب عليهم مدرار قنابلها، فلم ينقضِ يومان على هذه الحال أو ثلاثة حتَّى تحطم روحهم المعنوي كلّ التحطم، وأدركوا أن ما نزل بماشيتهم كان عقابًا لهم عمَّا جنته أيديهم وجزاءً على طيشهم. وكل هذا بفضل تعاون سلاح الطيران، فهو الذي يقبل عقاب العُصاة سريعًا ومثمرًا.
ولكنَّ الطائرات — كما أشار الحاكم العام وبيَّن في شرحه — اتخذت من الثوار هدفًا عامًّا، بينما راحت البيادة تتصيدهم في المستنقعات، ولولا ذلك لما كان إلى الوصول إليهم من سبيل.
ولم يكن هذا الهدف واضحًا فقط للطائرات، لكنه كان هدفًا من عناصر قبيلية لا يكون قذفها بالقنابل وهي حاشدة باعثًا على وخز الضمير؛ إذ كانت الضرورة تقضي بأن يكون العقاب سريعًا وصارمًا لأولئك الذين اشتركوا في جريمة قتل ضابط بريطاني أو كانت راضية عن هذا الجُرم مشتركة فيه بالشعور. ا.ﻫ.