في وظائف السُّودان والموظفين
وللمعاش فئتان: فئة (أ) وفئة (ب). وفئة (أ) تشمل الموظفين السُّودانيين، وفئة (ب) تشمل الموظفين المصريين والإنكليز والأجانب، وسن معاشهم ٤٨ سنة، أي يجوز للموظف منهم أن ينسحب من الخدمة عند بلوغ هذه السن. أما إذا بلغ سنه ٥٥ سنة فلا بد من إحالته إلى المعاش.
ولا يمكن أن يزيد المعاش على ثلثي المرتب مهما طالت مدة الخدمة، أي لا يوجد معاش كامل، وهذا بشرط أن لا يزيد المعاش على ٩٦٠ جنيهًا مصريًّا في السنة، ولأسرة الموظف الشاملة لأولاده نصف المعاش إذا توفي الزوج المتقاعد، وللزوجة ثلث المعاش فقط إذا لم يكن للزوج أولاد، على أن لا يزيد المبلغ على ٣٦٠ جنيهًا. وتستمر البنت تأخذ حصتها في المعاش حتَّى يبلغ سنها ٢١ سنة، وهذا على خلاف المتبع في مصر؛ إذ تستمر البنت في قبض المعاش حتَّى تتزوج.
أما الابن الذكر فيقطع المعاش عنه إذا بلغ سن ١٨ سنة.
وعندما كان منصب سردار الجيش المصري مندمجًا مع منصب الحاكم العام بالسُّودان كان الشاغل لهما يتناول ٣٠٠٠ جنيه بصفته سردارًا و١٥٠٠ جنيه، علاوة لقيامه بمهمة الحاكم العام، فضلًا عن علاوة الاستقبال.
وبعد فصل منصب الحاكم العام من منصب سردار الجيش المصري أصبح الحاكم العام يتناول مرتبًا أصليًّا قدره ٣٠٠٠ جنيه غير علاوة الاستقبال.
ويتناول كلٌّ من القائد العام لقوة الدفاع السُّودانية والسكرتير المالي، والسكرتير الإداري، والسكرتير القضائي ومدير السكك الحديدية مرتبًا سنويًّا قدره ٢٠٠٠ جنيه، ويسكنون في دور الحكومة ويدفعون أجرتها.
وكان الذي يعين في السُّودان يُعطى مرتبًا أكبر من الذي يُعطى له في مصر، والحكومة المصريَّة في الغالب تجعل مرتبات موظفيها مرة ونصف مرة، وأحيانًا مرة و٦٠٪ أو ٤٠٪ حسب الوظائف الفنية والإدارية والمناخ الذي يعيش فيه الموظف إلخ.
ويتعلم الإنكليز العربية. ولهم ثلاث امتحانات، ورقيهم منوط بنجاحهم.
الناس طبقتان
على العاقل أن يجعل الناس طبقتين متباينتين، ويلبس لهم لباسين مختلفين، فطبقة من العامَّة يلبس لهم لباس انقباض وتحفُّظ في كلِّ كلمة وخطوة. وطبقة من الخاصَّة يخلع عندهم لباس التشديد ويلبس لباس الأنس واللطف والكرم والتبصر، ولا يدخل في هذه الطبقة إلَّا واحد من الألف، وكلهم ذو فضل في الرأي وثقة في المودة وأمانة في السرور ووفاء بالإخاء.
مؤاساة الخليفة٣
دخل مرة حاتم بن النعمان على أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز فوجده يبكي؛ فسأله: «ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟» فرفع الأمير رأسه متأوهًا وقال: «إني أبكي جاهلًا محرومًا. وفقيرًا جائعًا. ومريضًا ضائعًا. وعاريًا مجهودًا. ومظلومًا مقهورًا. وبائسًا أسيرًا وشيخًا كثُرت عياله وقلَّ ماله. وأخاف أن يأتي أجلي قبل أن أُوفي بالعهد وألقى الله بقلبٍ سليمٍ.»
(١) الأقباط في السُّودان
فضلًا عن الاتِّصال المعروف بين فراعنة مصر والسُّودان — النوبة وأثيوبيا — كالمبيَّن في الجزء الأول من هذا الكتاب — فلأقباط مصر صلات وثيقة بالسُّودان في العصر الحديث — من عهد محمد علي: فقد كان بين موظفي مديريات السُّودان منذ عهده موظفون وحاسبون من الأقباط، وكان لتجار أسيوط صلات تجارية بالسودان، بطريق الأربعين وعلى ظهور الإبل ومع القوافل.
ولا نغالي إذا قلنا: إن للأقباط فضلًا في نظام العمل في دواوين الحكومة السُّودانية. وقد أتقن أولئك الأقباط الصبورون المجتهدون اللغة الإنكليزية، ونجحوا في الوظائف والتجارة، وأُعجِب الرؤساء الإنكليز في السُّودان بهمتهم وصبرهم.
وقد اتجهت الحكومة السُّودانية أخيرًا إلى الاستغناء عن خدمة غير السُّودانيين من مصريين وسوريين ويونانيين ويهود وبعض الإنكليز ذاتهم؛ اقتصادًا في النفقات من جهة، ولإيجاد مناصب خالية للمتعلِّمين من السُّودانيين. وقد بقي من المصريين عدد قليل، يقل عامًا بعد عام، ولا يعين من يحل محله. على أن كثرة الموظفين المصريين الباقين من المصريين هم من الأقباط، وقد أنشأوا مدارس ناجحة في الخرطوم والعطبرة وأم درمان وأندية محترمة، ولهم كنائس، وقد أعلوا كلمة مصر في السُّودان، وإن كان قد وقع بين بعضهم وبعض الموظفين السُّودانيين منافسة عادية تحصل عادة في كلِّ الحكومات بسبب العلاوات والترقيات، وبسبب العاطلين المتعلمين الذين يرون أنَّهم أحق بالوظائف التي يشغلها سواهم. وليس لهذه المنافسة أثر عند العقلاء.
والخلاصة أنَّني أعتقد أن جهد أقباط مصر في السُّودان هو جهد جدير بالإعجاب والثناء والتشجيع، وأحثُّ وزارة المعارف المصريَّة على مساعدة المدارس القبطية في السُّودان؛ إذ هي تحمل اسم مصر وبرنامج تعليمها وتعلم أبناء المصريين من مسلمين وأقباط على السواء، وأعجب بكل مصري يضحِّي بوجوده في السُّودان الآن وسط ظروف غير صالحة من وجوه كثيرة.
(٢) الأجانب في السُّودان
نزح ألوف من السوريين إلى السُّودان عقب فتح محمد علي له، للتجارة أو للتوظف كمترجمين أو حاسبين أو أطباء. وكانت تجارتهم مع القوافل المسافرة من أسيوط إلى السُّودان في عهد محمد علي. وفي الثَّورة المَهديَّة اضطر السوريون المسيحيون، كما اضطر المسيحيون الأوروبيون إلى التظاهر بالإسلام حفظًا لحياتهم، وقد جعل لهم المهدي حيًّا خاصًّا في أم درمان أسمي «مسلماني»، وبعد استرداد السُّودان عاد أكثرهم إلى المسيحية، وظلت أقليتهم على الدين الإسلامي، ولا سيما من زُوِّج منهم من سيدات مسلمات.
ويبلغ عدد السوريين الآن ٤٥٠٠، وعدد اليونانيين ٦٠٠٠، والإيطاليين ٥٠٠، وكان بالسُّودان نحو أربعة من الفرنسيين، ولكنهم غادروه، وتوجد فئات قليلة من التُّجار الأرمن. واليهود يعدون على الأصابع.
(٣) الإجازات في السُّودان
العيد الصغير، العيد الكبير، يوم ١٧ يناير، حيث زار جلالة ملك الإنكليز السُّودان في ١٧ يناير سنة ١٩١٢، يوم ٢٦ مارس ميلاد جلالة الملك فؤاد. عيد رأس السنة الهجرية. عيد الإيستر في إبريل، يوم شم النسيم في إبريل، عيد جلوس جلالة الملك جورج الخامس، حيث جلس في ٢ مايو سنة ١٩١٠، ميلاد ملك الإنكليز ٣ يونية. مولد النبي ﷺ ١٣ يونية. عيد جلوس الملك فؤاد ٩ أكتوبر سنة ١٩١٧، عيد الميلاد ٢٥ ديسمبر.
•••
تفضل جلالة الملك والملكة بزيارة السُّودان في شهر يناير من السنة الحالية، ولما كانت هذه الزيارة عظيمة الشأن والقدر رأيت أن أسجلها في هذا التَّقرير.
وبعد الاستقبال الرَّسمي في بورت سودان ركب جلالتهما ومَنْ في معيتهما القطار إلى سنكات، حيث رحب بهم جمهور كبير من العرب المحليين. وتلا ذلك عرض فصائل من جميع الجنود السُّودانية، ورقص أهل تلك الجهة رقصهم الحربي الوطني. وقد أعرب لي جلالة الملك قبل عودته إلى بورت سودان عن ارتياحه إلى التدابير التي اتُّخذت لاستقباله وسروره العظيم بالوقوف على أحوال السُّودانيين وعاداتهم بما شاهده في الجماهير العظيمة المؤلفة من الزعماء والمشايخ وسواهم الذين اجتمعوا احتفاءً بجلالته. ا.ﻫ.
(٤) سجون السُّودان
ويُلحَق بكل سجن عمومي فرع للأحداث القُصَّر وفرع آخر للأحداث البالغين، ولهم مدرسة تعلمهم بعض الصناعات.
سجن الانتظار: ويوضع المسجونون احتياطيًّا في سجن الانتظار، ويُباح لهم كلُّ شيء من مأكل وملبس ومفرش من المنزل وقراءة أي كتاب، ولا يمنعون إلَّا من الاختلاط بآخرين.
(٤-١) أشغال المحكوم عليهم
تمهيد طرق. إصلاح متنزهات عامة وحدائق. والعمل في ورشة السجن في إحدى الصناعات. ونقل فحم السكة الحديد. وإنشاء مصارف في الخريف ونقل أحجار.