هجرة المصريين إلى السُّودان
يحملنا على الخوض في هذا الموضوع ما تردَّد على ألسنة الكتَّاب السِّاسيين وكبار الباحثين المصريين خاصة من أن السُّودان هو المنفذ الطَّبيعي الوحيد لمصر، التي يزداد عدد سكانها، وتجد في السُّودان الواسع القليل السُّكان — المجال الفسيح لنشاط العدد الزائد.
ونحن لا نشارك الباحثين أو المتفائلين آمالهم؛ لأن السُّودان عاش ونهض ومدن بفضل ملايين الجنيهات التي أنفقتها مصر عليه منذ الفتح حتَّى الآن. فهو غُرمٌ لا غُنمٌ. وهو لا يزال في حاجة إلى أموال مصر، وكان ظن بعض الإنكليز أن الأموال الإنكليزيَّة إذا تدفقت عليه واستغلت فيه؛ نهض، وآتت ثمارها أضعافًا مضاعفة. ولكن الأمل قد خاب.
والدليل على ذلك هو أن سُكَّان السُّودان أنفسهم في حاجة إلى الأموال، وأن إنتاج الأراضي ضعيف، وأن الزارع المصري لا يحفل بالهجرة. وقد رأينا عند عودتنا من السُّودان — سُكَّان مديرية أسوان الذين غمر الخزَّان أراضيهم، آثروا السُّكنى فوق الجبال والتلال على الانتقال إلى الأراضي الخصبة مع ما أخذوا من تعويض وافٍ. فكيف بفلاح المنوفية والشرقية إلخ؟!
ودون استغلال السُّودان أجيالٌ وملايين الجنيهات. وقبل هجرة المصريين إليه يجب كفالة حياة مستطاعة؛ لأنَّ السُّوداني العادي يعيش بدويًّا راعيًا للماشية وبائعًا للجمال وجالبًا للصمغ وجامعًا للسمسم. وهذا شيء لا يستطيعه الفلاح المصري، والفلاح السُّوداني لا يتعلَّق بالزراعة تعلُّق المصري، وهي لا تجود بخير كثير.
على أن من الممكن استغلال المصريين للسُّودان تدريجيًّا، كأن تشتري الجمعية الزراعية الملكية أطيانًا وتصلحها. لكن هذا شيء وهجرة المصريين وملايينهم إلى السُّودان ليحصِّلوا الرزق ويجدوا العيش شيء آخر.
وأعتقد أن هذه الهجرة أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة. ومن قال غير ذلك فعليه أن يستقرئ التَّاريخ وأن يزور السُّودان.
هذا أقوله مخلصًا ومجردًا عن المسألة السياسية التي فيها أيضًا عقبة أخرى في سبيل هذه الهجرة حتَّى لو أبيحت. فمن الواجب حل مسألة السُّودان قبل التَّفكير في الاستغلال والهجرة.
نعم إنَّ المصريين كانوا في السُّودان — ولكن كانوا يعيشون كالموظفين على أموال حكومتهم أو تجارًا تعاونهم الحكومة المصريَّة بمالها ونفوذها. وكانت تجارتهم رابحة لاعتمادها على القوافل السُّودانية وريش النعام والأبنوس والمواشي.
أمَّا بعد السكك الحديدية فقد أضحى ذلك رخيصًا سهلًا، وأصبح في يد حفنة من التُّجار الأجانب والسُّودانيين والمصريين، مع بقائهم في العواصم وبغير هجرة مع أسرهم.
والمصريون الذين هاجروا قبل الفتح المصري الأخير وبعده قد اندمجوا في السُّودانيين، وكانت هجرتهم تدريجية وقليلة وممكنة مع معيشة المصريين نفسها الرخيصة. أما مع المدنية الحاضرة فهذا شيء صعب.
•••
وينبغي التنبيه على أن المصريين في السُّودان يشملون منذ فتح محمد علي الكبير فروعًا هي بمثابة الأجزاء للكل تعرف بعنوان المولدين (هذه الكلمة عكس معناها في مصر)، ويندرج تحته المغاربة والعرب المصريون والمصريون الفلاحون والشركس والترك والأرنؤوط والأكراد والأقباط، بل من بينهم الشوام؛ فإنَّ الفاتحين الأولين كانوا من أعراب مصر ومغاربتها والأرنؤوط والترك — انظر تاريخ مصر الحديث — ثمَّ بعد تسريح هؤلاء وإعفاء عرب مصر من الخدمة العسكرية أصبح الجنود النظاميون يرسلون إلى السُّودان من الفلاحين وسواهم من المتمصِّرين، كما أصبح الذين يدخلون البلاد بالتجارة وسواها من الأعمال الحرة من المصريين ومن غير المصريين على السواء — والذي أريد إيضاحه هنا هو ما يختص بالمغاربة والعرب الذين قَدِموا إلى السُّودان ضمن الفاتحين الأُوَل، وصاروا فيما بعد يُعرفون بالمغاربة جميعهم؛ لانتمائهم إلى قبائل مغربية أصلًا، واحتفاظهم بعصبيتهم وبدويتهم في ذلك الوقت، مع العلم بأنَّهم أصبحوا اليوم مصريين، وتُنوسِيت تلك الفوارق إن لم تكن في الواقع ففي نظر القانون؛ ممَّا جعل الحكومة المصريَّة في هذه الأيام تتشبَّث بتجنيدهم أُسوة بغيرهم، ويا حبذا لو وُفِّقت؛ لأنَّهم — كما يلوح لي — هم عنصر القوة في مصر.
وهذان الأخيران لا أتذكرهما — وكانت القبائل التي تألفت منها هذه العراضي تكاد تنحصر في: بني عون — خويلد — الضعفة — النجمة — محارب — عمائم — الجهمة — أولاد علي — الربائع — الجوازيا — الهرازا — التراهنة — سملوس — وأصول. هؤلاء يقيمون كما علمنا ذلك من شيوخ السن بالفيوم والغربية والبحيرة والشرقية ومطروح والواحات والجيزة أيضًا، وباختصار فإنَّهم منتشرون في القُطر المصري كعادتهم، ولذلك فإنَّ مغاربة السُّودان هم مصريون قبل أن يكونوا مغاربة. وتعدادهم اليوم بعد حصد الحوادث والكوارث يزيد على الخمسين ألفًا، وأغلبهم في مدن السُّودان كواد مدني وأم درمان وبربر والقضارف والأبيض إلخ. وهم أنبل الأسر والقبائل وأشجعهم وأعظمهم حمية وغيرة وأقواهم بأسًا بعد كلِّ ما أصابهم — وتاريخهم في حوادث المَهديَّة وقيامهم في وجهها سجَّل لهم فخرًا لا يُمحى في الذَّود عن أعراضهم وضنِّهم بتعرض البلاد التي فتحها آباؤهم لغوغاء الفتنة. وهم العامل الوحيد في بقاء سنار بعد استيلاء الدراويش على السُّودان قاطبة (مصرية) حتَّى استسلمت أخيرًا من طول الحصار. وليست واقعة (أبو شوكة) بمجهولة؛ فقد استبسل فيها مغاربة عصار واستهانوا بالموت حتَّى صار ذكر اسمهم ممَّا تفزع له الجيوش الجرَّارة. فقومٌ هذا شأنهم ومكانهم من التَّاريخ لا ينبغي إغفالهم. فهم فخر مصر وأبناؤها الذين سجلوا لها حقَّها بدمائهم؛ ممَّا كان يجوز عليهم هذا الإغفال لمجرد أنهم يُعرفون بالمغاربة وهم مصريون دمًا ولحمًا، ولقد زار أديب سوداني مصر في سنة ١٩٣٢ وقصد إلى بلدة بسيون بمديرية الغربية، وكان يعتقد أنه يجد اسم المغاربة هناك ضاربًا، وأن لهم طابعًا مخصوصًا؛ فما أدهشه إلَّا أنه وجد جميع القبائل تمصَّرت وصارت أمة واحدة في الأمصار وفي البوادي تُعرف باسم عرب مصر، وهنا تجد مثالًا ناطقًا بذلك.
وعندما استقبل فضيلة الشيخ مدثر علي البوشي القاضي الشرعي بواد مدني خليفة جده الشيخ البسيوني، وهو الأستاذ الشريف بدر بن مصطفى بن بدر بن مصطفى المقيم ببسيون قال: «إنِّي أنا مدثر بن علي محمد أبو النجا بن أحمد بن مصطفى، يرتقي نسبي إلى الشيخ أبي النجا الشهير، ومنه إلى سيدي أحمد بن عيسى عم الشيخ إسماعيل البسيوني مؤسِّس البلدة، ومن ثمَّ إلى الشريف إبراهيم العلواني التونسي، فنحن مغاربة، وينبغي أن نُعرف بذلك، فما لي لا أرى الحالة التي كان عليها آباؤنا الذين فتحوا السُّودان؟ فقال له الخليفة: هل ترى أن الذي يسكن في بلد نحو سبعمائة سنة ينكر وطنه ليضاف إلى وطن يرجع إليه نسبه قبل هذا التَّاريخ؟ ولماذا لا نقول: نحن حجازيون أو يمانيون مثلًا — فكان ذلك جوابًا مسكتًا بليغًا — فالحقيقة أن من سكن منهم الأمصار تمصَّر؛ أي إنَّه لا ينسب إلَّا إلى مصر، ومن سكن منهم البادية صار من أعراب مصر. هذا ولولا حادث المَهديَّة لكان تعداد هؤلاء المغاربة بالسُّودان يربو على مائة ألف نفس بلا شك — وأذكرُ أنَّ أغلب من شاهدتهم في واد مدني والقضارف وأم درمان من البيض في رحلتنا هم من هؤلاء — وبالنسبة لأنَّ الشيخ البسيوني من ذُرِّية الشيخ محمد أبو النجا البسيوني، وهم يعلمون ذلك؛ فقد صارت زعامتهم لدى تابعيهم من العهد الأول إلى اليوم — لأنَّ الزعامة عندهم تتبع الدين. وقد أحضروه معهم تيمنًا وتبرُّكًا، وحاولوا إخفاء اسمه تحت لقب البوشي — والبوشي هذا من ضئولته — حتَّى يُعموا على أهله الذين كانوا جادين في طلبه، ثمَّ صارت البوشي علمًا عليه.
ينبغي أن يعلم أن هناك قبيلتين إحداهما بدوية تسكن بين النِّيل الأزرق ونهر عطبرا، وعددها نحو أربعين ألفًا، والثانية تسكن في قرى كثيرة وسط الجزيرة بمركز المناقل وعدد أفرادها نحو خمس وعشرين ألفًا، وكلتا القبيلتين تعرفان باسم المغاربة، ولكن تاريخهما في السُّودان يرجع إلى خمسمائة عام، وهما كغيرهما لا يعرف من أين جاء للسُّودان هل من مصر أو طرابلس — وهاتان القبيلتان غير مَنْ عَنيْنا أولًا.
فقد شاهدت في الفلاحين قبلي وبحري مصر العرب، مثل الرواشدة والحمدة وبني هلبة وسليم وكنانة إلخ، وكلهم موجودون بالسُّودان اليوم ولا طريق لهم للهجرة، ولنرجع إلى ما قلناه أولًا عن المصريين، أي نصف المليون، فكلهم يحتفظون بأسماء عوائلهم وبلادهم، ودماؤهم التي في عروقهم تنمُّ عن ذلك، وهم في الغالب سُكَّان الأمصار والقرى العامرة بالسُّودان، ونسبتهم فيها ما بين الثُّلث والثُّلثين على الدَّوام.
لقد مضى على مجيء السيد أحمد مصطفى أبو النجا (المعروف بالبوشي) نحو ١٢٠ سنة تقريبًا وذرَّيته الذين هم على قيد الحياة اليوم أكثر من ٣٠٠ نفس بعد كلِّ ما حصل لهم من نكبات في تطورات السُّودان التي يمكننا أن نقول: إنها انتهت اليوم — ولقد مضى على قدوم جد البوشي الأكبر إلى مصر من تونس نحو سبعمائة سنة ٧٠٠ عام تقريبًا وذرية أحد بناته ببلدة بسيون حتَّى سنة ١٩٣٢ ٣٠٠٠ نفس، كما عُلِم ذلك من خليفتهم.
(١) رأي سمو الأمير عمر طوسون
- (١)
٥٦٠٠٠٠٠ فدان تُجبَى منها الضرائب باعتبار أنها مزروعة.
- (٢)
١٥٠٠٠٠٠ فدان غير مزروعة الآن وقابلة للزراعة في المستقبل.
وجملة سُكَّان مصر حسب إحصاء سنة ١٩١٧م هي ١٢٧١٨٢٥٥ شخصًا، فيكون لكل فدان شخصان وربع. وأكثر المديريات سكانًا بالنسبة لمساحتها مديرية المنوفية؛ إذ يخص كلَّ ثلاثة من سكانها فدان واحد، وما زال عدد السُّكان منذ إحصاء سنة ١٩١٧م في ازدياد مطرد. فإذا تركنا سني الحرب الاستثنائية جانبًا نجد زيادة عدد المواليد على الوفيات في سنة ١٩٢١م حسب تقدير مصلحة الإحصاء بلغت ٢٢٤٤٥٩، وفي سنة ١٩٢٢ ٢٤٣٥٣٦ نسمة.
وكلما زاد عدد السُّكان كثر ازدياد عدد المواليد على عدد الوفيات طبعًا. ولا ريب عندنا في أنَّ متوسط هذه الزيادة يبلغ سنويًّا ٢٥٠٠٠٠ بدون أدنى مبالغة.
وليس في مديرية المنوفية — وهي أخصب أرض مصر — قطعة لا تزرع، ومع ذلك فكثير من سكانها يهاجرون، لأنَّهم لا يجدون ما يقوم بمعيشتهم فيها. على أنَّنا مع هذا نُسلِّم بقاعدة كفاية الفدان الواحد من كلِّ أرض زراعية في مصر لمتوسط معيشة ثلاثة أشخاص، فنقول بناءً على هذه القاعدة:
إنَّ الأرض المزروعة في مصر ومقدارها ٥٦٠٠٠٠٠ فدان تكفي لمعيشة ١٦٨٠٠٠٠٠ نسمة. وبعد تعداد النفوس سنة ١٩١٧م بلغ مجموع زيادة المواليد على الوفيات ٨٧١٧٧٠ بتقدير مصلحة الإحصاء. فإذا أضفنا إلى ذلك زيادة سنة ١٩٢٣م ومقدارها ٢٥٠٠٠٠، وأضفنا المجموع إلى إحصاء سنة ١٩١٧م يكون عدد السُّكان في نهاية سنة ١٩٢٣م ١٣٨٠٠٠٠٠ نسمة. وبطرحه من ١٦٨٠٠٠٠٩ نسمات، وهو العدد اللازم لاستثمار المساحة المقرَّر عليها ضرائب يكون الباقي ٣٠٠٠٠٠٠ نسمة، وهو عجز يسد بزيادة السُّكان السنوية. فإذا سلم لنا أنَّها ٣٥٠٠٠٠ سنويًّا يتلاشى هذا العجز بعد اثني عشرة سنة، على أننا نقول: إنَّ عشر سنوات فقط تكفي لذلك إذا جرت الأمور في مجراها الطبيعي.
- الأولى: إذا لم تجفف مياه إقليم البحيرات ولم يعد للزراعة وصلنا إلى آخر حدٍّ لاستطاعة القطر تحمُّل سكانه في مدة اثنتي عشرة سنة على الأكثر.
- الثانية: إذا جُفِّفت مياهه وأعد للزراعة وصلنا إلى الحد المذكور في مدة ثلاثين سنة على الأكثر.
وهاتان المدتان حتَّى أطولهما أقرب إلينا من حبل الوريد. ومعظم النسل الحاضر سيرى بعيني رأسه انقضاء هذه السنين. فماذا نصنع يومئذ والزيادة مستمرة في السُّكان.
لا ريب أنه يجب علينا منذ الآن التَّفكير في حل لهذه المعضلة الاجتماعية المتوقَّعة، وهو ما سنفرد له هذا البحث:
الجزء المَروِي أو الممكن ريُّه من القطر المصري على شكل شريط طويل دقيق ينتهي طرفه الشَّمالي بشكل مروحة عند البحر الأبيض المتوسط، وهذه هي التي تسمَّى الدلتا.
وهذا الجزء المروي يُحدُّ بصحراء العرب شرقًا وصحراء لوبية غربًا. وليس في الإمكان ريُّ أرض الصحراوين المذكورتين بماء النِّيل لارتفاعها وعدم استواء سطحها، فيستمر جدبها لهذا العائق الذي لا يمكن تذليله إلى ما شاء الله. ومن المستحيل في مصر الانتفاع بأرض لا يرويها النيل. فليس هناك احتمال لتوسع زراعي من هاتين الجهتين.
وفي الجهة الشمالية البحر. فإذا وجهنا زيادة عدد سكاننا إلى هذه الوجهة وافترضنا ارتحالها إلى ما وراء البحار، وتركنا جانبًا كراهة المصري الغربة، فإنَّنا لا نجد ما يُحقِّق لها أي رَغَد من العيش للبَوْن الشاسع بين البلدين مناخًا وطبيعةً وجنسيةً ولغةً وديانةً. فهذه الجهة في حكم المسدودة.
أمَّا المورد الصناعي للمعيشة، ففضلًا عن أن مصر تنقصها المواد الأولية لتكون الصناعة فيها زاهرة يانعة، فإنَّه مورد محدود من المستحيل أن ينتفع به عدد عظيم من السُّكان في مصر. ولنفرض أنهم نصف مليون فإنَّه يستغرق بزيادة السُّكان في مدى أربع سنوات فقط، ومتى انقضى هذا الأجل القصير نجد أنفسنا أمام المعضلة بعينها من جديد.
وحاشا أن نقصد تثبيط الهمم عن الصناعة بهذا الكلام، وإنَّما القصد فقط بيان عدم كفاية هذا المورد. وأنه لا يحل المشكل الذي نحن بإزائه.
فالمنفذ الوحيد المفتوح أمامنا هو جهة الجنوب، حيث يوجد إقليم واسع ذو سُكَّان قليلي العدد وأرض من طبيعة أرض مصر تروى بنفس النِّيل ولا يفصلها أي فاصل. بل هي ومصر جسم واحد.
وإقليم كهذا حالته المعيشية وثمار أرضه مماثلة لقطرنا المصريون وحدهم هم الذين في استطاعتهم جعله في حالة سعادة ورفاهية.
وبالاختصار هو بيئة مناسبة لأمزجة المصريين على قدر ما هم أنفسهم موافقون لهذه البيئة. وهو الذي يسع الزيادة المستمرة لسكان مصر مدى مائة عام بدون أدنى مضايقة.
فالسودان هو باب السلام الوحيد الذي ظلَّ مفتوحًا لمصر على مصراعيه منذ الأزمان الخالية، ويجب أن يبقى كذلك إلى الأبد لأنه لازم لها لزوم الروح للجسد.
وإلى هذا الغرض يجب أن تُصوَّب جميع جهود الذين في يدهم حظ مصر، وفي قلبهم يُضمرون لها النفع والمصلحة. ا.ﻫ.
(٢) رأي المؤلف
لقد تألفت لجنة من أعضاء البعثة المصريَّة في السُّودان ومن ذوي الأملاك به للسعي لتأليف شركة زراعية من المصريين وإخوانهم السُّودانيين لاستغلال الأراضي الزراعية الخصبة في السُّودان.
ولقد اطلعت على بحث لحضرة الفاضل المسيو عزيز كفوري يقترح فيه أن يكون رأس مال الشركة ٥٠٠٠٠٠ جنيه تدفع منها في البداية ٢٠٠٠٠٠ جينه، وأن تجعل نشاطها الزراعي في منطقة الخرطوم بحري تفضيلًا على مناطق شندي وبربر ودنقلة.
إن شراء المصريين أراضيَ في السُّودان واستغلالها يجب أن لا ينظر إليه فقط من الناحية المادية. وإنما يجب أن ينظر إليه من الوجهة الأدبية — وجهة توثيق العلاقات الودِّية بين مصر والسُّودان وتعاون سُكَّان القطرين في أسباب المنافع الحيوية.
وبين المسائل التي تعترض استغلال المصريين أموالهم زراعيًّا في السُّودان، نوع الزراعة، لأنَّه ليس بالمصريين حاجة لزراعة القطن، فهي في مصر وافرة، وقد تكون زراعة الحبوب هي أول ما يجب أن يتَّجه إليه بحث الباحث في استغلال الأموال والعقول المصرية.
وكيفما كان الرأي في هذا الصدد؛ فإنَّه ممَّا لا شك فيه أن هذه المسألة دقيقة وفي حاجة إلى بحوث إضافية. نرجو من ورائها خيرًا للمصريين وإخوانهم السُّودانيين.