(١) لمحة تاريخية: الحَبْليات والفَقَاريات
الحيتان من ذوات الثدي، فهي إلى جانب هذا من أرقى الفقاريَّات. لهذا نلمُّ بشيء من
مميزات
الفقاريات تمهيدًا للبحث في حياة هذه القبيلة الفذَّة الحياة والصفات، ليكون هذا البحث
أساسًا
لما سوف ننشر من أسفار في تاريخ الثدييات الطبيعي.
كان لَامَارك (١٧٤٤–١٨٢٩) أول من صَنَّفَ مملكة الحيوان تصنيفًا علميًّا فقسمها قسمين،
وسمى
القسم الأول «الفَقَارِيَّات»
١ والقسم الثاني «اللَّافَقَارِيَّات».
٢ وهذا تصنيف مُرْضٍ، إذ إنه من السهل عليك أن تقسم عالم الحيوان قسمين: قسمًا يتضمن
جميع الحيوانات التي لها عَمُود فَقَارِيٌّ، وقسمًا يتضمن الحيوانات التي ليس لها عَمُود
فَقَارِي.
٣ على أن لبعض اللَّافقاريَّات كالحشرات
٤ والحلزون
٥ ونَجْم البحر
٦ والإسفَنْج
٧ هيكل خارجي
٨ تُحدثه إفرازات خلويَّة
٩ تَتَراكب على خارج الجسم، ولكنه هيكل غير مكون من تراكيب خلويَّة
مُخَصَّصَة،
١٠ شأن الهيكل الداخلي في الفقاريات. وبعد عهد لامارك استكشف المواليديون عَشيرةً
بَحْرية من الحيوانات تتوسَّط بين اللَّافقاريات والفقاريَّات فلا يشملها هذا
التَّصْنيف.
١١ والحيوانات التي تتضمنها هذه العشيرة إن كانت تَمُتُّ إلى الفقاريات، فإنها أبسط
منها تركيبًا. ولما عُرف أن هذه العشيرة الوسطى
١٢ التي تُعرف الآن باسم الحَبْلوليَّات أي «الحَبْليات الأولية»
١٣ ليس لها فقَار، كان من الضروري أن يوضع تصنيف جديد يَشْمل، مع الفقاريات، كل هذه
الحيوانات المتآصرة.
١٤ وقد أطلق المواليدي بلفور
١٥ (سنة ١٨٨٠) على هذا القسم،
١٦ أو بالحَري على هذه الأمة،
١٧ اسم الحَبْليَّات.
١٨ أما الفقاريات فمصطلح دلَّ في هذا التَّصْنيف على أُمَيْمة.
١٩ في حين أن صور الحبليات الدُّنْيا. وهي المعروفة باسم «الحبليات الأولية» قد قُسمَت
أُمَيْماتٍ ثلاث هي: النِّصْحَبْليات أي النِّصْفيَّة الحبْل،
٢٠ والذَّنْحَبْليَّات أي الذَّنَبيَّة الحبل،
٢١ والرَّسْحَبْليات أي الرأسيَّة الحبل.
٢٢
وكل أعْيَان
٢٣ أمة الحبليات تتفق في أن لها ثلاثة تراكيب تميزها. الأول: هيكل محْوَري
٢٤ من صنف ما. الثاني: منْظومة
٢٥ من البُقور البُلعوميَّة.
٢٦ الثالث: مجموع عصبي أُنْبوبي
٢٧ يستوي فوق القَناة الهضْمية أو الأنْبوبة الهضمية.
٢٨ وهذه التراكيب الثَّلاثة تختلف من حيث درجة النماء في كل من الحبْليَّات.
إن الهيْكَل المحْوري
٢٩ البدائي
٣٠ في الحبْليَّات، وهو ما يسمى الرَّتَمَة
٣١ عبارة عن قضيب مَرِن يقع بين الحبْل الشَّوْكي
٣٢ والأُنْبوبة الهضْميَّة،
٣٣ ويمتد في الغالب من مَجَال الرأس إلى نهاية الذنب. أما في الفقاريَّات فإنه يصل إلى
مجال الأذن ولا يَتعَدَّاه، وهو بمثابة قضيب مُقَوِّم للجسم، ويهيئ الحيوان بقدرة خاصة
تمكنه من
استعمال العَضَلات التَّفَلُّقِيَّة
٣٤ ولا شبيه لهذا التركيب في غير الحبْليَّات من أمم الحيوان. ولو أن بعض الباحثين قد
رأوا في جَديل من الأَلْياف
٣٥ يكون في الدِّيدان الحَلَقيَّة
٣٦ ما يمكن أن يقرن إلى الرتمَة، ولكنَّ رأيَهم لم يُؤيَّد. أما الهيْكَل المحْوَري
٣٧ في الفَقاريات فيتكون من العَمود الفَقارِي
٣٨ والجُمْجُمَة.
٣٩
إن البُقور الخَيْشومية البُلْعومية
٤٠ في الحَبْلِيَّات، عبارة عن منظومة من الفَتَحات المزْدَوِجَة،
٤١ تظهر في طور ما من أطوار النماء في كل من أَعْيان هذه الأُمَّة،
٤٢ حتى في تلك الصور التي لا تستخدمها عند البلوغ وَسائِلَ للتنفس. وفي البدايات
الأولى من تطور الحَبْلِيَّات، أي في الدور الذي تَعَذَّر فيه أن يتم تنفس هذه الحيوانات
بالجلد
وحده، أصبح من الضروري أن يُزَوَّدَ الحيوان بِفَتَحات من طريقها يتصل الماء بالأَنْسِجَة
التي
كانت قد تخصصت للقيام بوظيفة تَبادُل الغازات.
٤٣ أما البُقور الخَيْشوميَّة في الأسماك وفي غيرها من الحَبْلِيَّات المائية، فعبارة
عن فتحات تكون بين قناطر الخَياشيم،
٤٤ وقد تظهر البُقور الخَيْشوميَّة في الحيوانات التي تتَنفَّس بالرِّئات في خلال بعض
أطوار نَمائها الجَنيني.
٤٥
إن المَجْموع العصَبي المَركزي
٤٦ في الحَبْليَّات، تركيب أُنْبوبي يستوي دائمًا فوق الرتَمة والأُنْبوبة الهَضْمية.
وهو ينشأ بادئ الأمر من الطَّبَقة الجُرْثومية الخَارجيَّة،
٤٧ أي الجلد الخارجي
٤٨ في الجَنين. ويبدأ ظهوره طِوال خَطِّ الظهر الأَوْسَط،
٤٩ فيكون في البدايَة عبارة عن صَفْحَة
٥٠ رقيقة ضَيِّقة، ثم يَنْقَلِب حَزًّا
٥١ ثم يصبح في النهاية أُنْبوبة تنفصل عن الجلد الخارجي الأصلي، فيصير حَبْلًا شَوْكيًّا.
٥٢ ومن هنا نرى أن المجموع العَصبي
٥٣ في الحبْليَّات يختلف عن المجموع العصبي في اللَّافقَاريَّات.
٥٤ ذلك بأن الحبال العَصبيَّة
٥٥ في اللَّافَقاريَّات إما أن تكون جانبيَّة
٥٦ وإما أن تكون بَطْنِية،
٥٧ وقد تلتوي حول المريء،
٥٨ فتحدث ما يسمى حَلْقَة مريئيَّة.
٥٩ أما الحبْل الشَّوْكي والدِّماغ،
٦٠ في جميع طَبقات الفَقارِيَّات، فيحتفظان بموضعهما الظَّهْري وبعلاقتهما الثابتة
بغيرهما من تراكيب الجسم.
(٢) مُميِّزات الفَقاريات
إلى جانب التَّراكيب الثلاثة التي مَرَّ ذكرها من قبل
[الفصل الأول: الفَقَاريَّات ومُمَيِّزاتُها العامة – لمحة تاريخية: الحَبْليات والفَقَاريات]
نقع على كثير من التراكيب المميِّزة
٦١ ظهرت في خلال تطور الفقاريات.
٦٢ وعلى الرغم من أن أُمَيْمَة الفقَارِيَّات عَشيرَة بيِّنة الصفات محدودة
الممَيِّزات، فإنك لا بد من أن تتوقع العثور على مجموعة متباينة من التراكيب فيها، إذا
ما
عكفْتَ على تفَحُّص حالاتها المُحيطيَّة ونظرت في
حياتها المائيَّة من ناحية، وحياتها البرِّيَّة من ناحية
أخرى. والمحيطان: المائيُّ والبَرِّي، مُتَباينان جُهْدَ التَّبايُن، وكل منهما يقتضي
جملة تعْديلات
٦٣ تشْريحيَّة
٦٤ ووَظيفيَّة.
٦٥ وإذا عكفنا على الفقاريات ندرسها درس مُوازَنة، فإنَّنا ولا شك ندهش عظيم الدهش
لقِلَّة ما نجد من الممَيِّزات التي تفصل بين الأَسْماك
٦٦ والثَّدييَّات،
٦٧ ذلك بأن مميزات كل شَعْبٍ
٦٨ من الفقاريَّات يمكن تتبع نواشِئه الأولى في شعوب أقدم منه حيث تقع عليها في صورة
أكثر بساطة وأقل تعقيدًا، وقد نجدها قائمة بوظائف مغايرة لما نَعْهده فيها، فالفقاريَّات
الأولى
٦٩ كانت تعيش في الماء فكانت أجسامها ملائمة لذلك العنصر، فلما أخذت الفقاريات البرِّيَّة
٧٠ في الظهور حدث فيها تغيرات عظيمة تناولت الكثير من تراكيبها وأعضائها؛ لأن
الضَّرورات التشْريحيَّة والوَظائِفيَّة
٧١ أصبحت مختلفة تمام الاختلاف عن ذي قبل. ففي البَرْمائيات الأولى كانت كل التراكيب
التي يُحْتاج إليها في الحياة البرِّية موجودة بالفعل، ولكنها كانت بسيطة في أكثر الأمر.
وعندما
بلغت الأحياء المرْتَبة الفَقاريَّة مضت الأعضاء والتراكيب تُبادِل الخَطْوَ مع الضرورات
الجديدة، فكانت التراكيب والأعضاء في بعض الأحوال أتقن مما كانت تدعو إليه الحاجة، كما
كانت في
أحوال أخرى قاصرة غير وافية بالغرض منها، ذلك في حين أن وجوه التهْذيب فيها قد حدثت بتعديلات
ضئيلة أصابت تركيبًا موجودًا بالفعل، وغالبًا ما حدث التهذيب بإضافة أشياء استُمدت من
منابع
خارجية، فإن كثيرًا من التَّراكيب الفَقاريَّة ليس لها ما يقابلها في اللَّافَقاريَّات.
(٥) أقسام الجسم
إن تكوين الجسم في الفقاريات يتجه دائمًا نحو الانقسام مناطق: كالرأس والجذع والذنب،
وهذه
المناطق قد تكون بَيِّنة معيَّنة، وقد تكون غير ذلك، كما أنها تكون مُهَيَّأَةً للقيام
بضُرُوب
مستقلة من النشاط، فالطرف المقدَّم
٩٦ من الجسم يمتاز دائمًا بوجود الفم وهو مدخل الأنبوبة الهضميَّة
٩٧ مع ما يتبعه من التَّراكيب المتصلة به، تلك التي تساعد على الحصول على الغذاء،
كأعضاء الحسِّ
٩٨ والفَكَّيْن
٩٩ والغُدد اللُّعابيَّة.
١٠٠ وإنك لواجد في أدنأ طبقات اللافقاريات جُمْجُمة من صنف ما، وفكين أو ما يقوم
مقامهما. فإذا تكوَّنت منطقة الرأس، فإنها تمضي في النُّشوء والنماء، وتركز
١٠١ الدماغ
١٠٢ التدريجي
١٠٣ في تلك المنطقة أصبح المصدر الذي يغذي أعضاء الحس بما تحتاج إليه من المادة العصبية.
١٠٤ وفي منطقة الجذع
١٠٥ تكون كل الأعضاء الأخرى، تلك الأعضاء التي ينبغي لها أن تَتَعدَّل
١٠٦ دائمًا بما يلائم ذلك التَّجويف.
١٠٧ ومن أجل أن تُحمى هذه الأعضاء، ويتهيَّأ لها القيام بوظائفها، طرأ على الأجزاء الهيْكليَّة
١٠٨ تطوُّرات عديدة. وجَدَّ في الحيوانات البرِّية تَخلُّقٌ
١٠٩ جديد في الجذع، جعل فيه قسمين: القسم القَطَنيَّ
١١٠ والقسم العَجُزيَّ.
١١١ أما منطقة الذَّنَب
١١٢ فتكون على الدوام في وضع بَعْديٍّ شَرَجيٍّ
١١٣ (بعديشرجي) لأن طرف الأنبوبة الهضمية
١١٤ ليس هو النهاية. أما فائدة الذَّنَب فللحركة.
١١٥
(٦) الجلد والهيكل الخارجي١١٦
إن غطاء الجسم الخارجي في اللافقاريات يختلف عنه في الفقاريات اختلافًا عظيمًا. ذلك
بأن
الفقاريات لا تتولَّد على جسومها أيَّة تراكيب صَدَفانية
١١٧ القوام تتكون بإفرازات خلويَّة.
١١٨ وجلد الحُرَيْبى
١١٩ وهو حيوان من الحبلوليَّات الأولية،
١٢٠ لا يتجاوز سُمكه خلية واحدة. والبشرة
١٢١ — الطبقة الخارجية من الجلد — في الفقاريات إنما تتكوَّن من عدة طبقات من الخلايا،
وهي تمدُّ عدَّة ضروب من التراكيب كالحراشف
١٢٢ والريش
١٢٣ والشعر
١٢٤ والقرون
١٢٥ والغدد.
١٢٦ أما الطبقة الداخلية، وتسمى الأدمة،
١٢٧ فأصلها من الطبقة الجرثومية الوسطى،
١٢٨ وهي تمدُّ الأسنان والحراشف العَظْميَّة
١٢٩ والضلوع الجوفية
١٣٠ وعظام الهيكل الجلدية،
١٣١ وهذه الطبقة أعْقَدُ تركيبًا من البشرة
١٣٢ لأنها تَتَضمَّن أوعية دموية
١٣٣ وأعصابًا
١٣٤ وألياف أنسجة ضامَّة
١٣٥ ولمْفاويات
١٣٦ وأشياء أخرى. وقد مدَّت الهيكل بكثير من المُقَوِّمات، فالأسنان مثلًا متحدة مع
الفكين وعظام الجمجمة والصفائح التي ينتهي أمرها بأن تصبح جزءًا من الجمجمة. ناهيك بأجزاء
الزُّنَار الكتفي
١٣٧ والقصِّ
١٣٨ والزَّعانف.
١٣٩ ولأكثر الفقاريات أغطية مُخَصَّصَة، أي ذوات تخصص بوظائف مُعَيَّنة، فالأسماك — ما
عدا شواذ قليلة — لها حراشف أو صفائح. وكانت الأسماك القديمة مزوَّدة بدروع قوية، على
العكس من
الأسماك الحديثة، فإن فيها جنوحًا إلى الاحتماء بحراشف رقيقة من صنف مُغاير لما كان لأسلافها
الأقدمين. والبَرمائيات الحالية
١٤٠ على وجه عام مُلس الجسوم، فاقدة الحراشف. ولكن كل عشائرها الأولى كانت مُحَرْشَفَة.
١٤١ وأغطية الزواحف
١٤٢ الحديثة تتكوَّن إما من حراشف وإما من صفائح عَظْمية، بالرغم من أن صُوَرًا مُلْسًا
من الزَّواحف كانت قد ظهرت بين أسلافها الأولى. وللطيور حراشف على أقدامها وأرجلها. أما
الريش
فتركيب إن بلغ الآن درجة من التخصُّص كبيرة، فالظاهر أنه استُمِد أصلًا من الحراشف. أما
الشعر،
وهو غطاء الثدييات
١٤٣ المُمَيِّز، فيرجح أنه يدين بأصل نشأته إلى الحراشف أيضًا، وإنه لمن أعظم ما يقوم
بحفظ درجة ثابتة من الحرارة وحماية الجسم من الأعاصير، وقد تظهر الحراشف في بعض الثدييات.
فتكون
في أذناب الكثير منها أو على القدمين، وأغلب ما يكون ظهورها في حالة النماء الجنيني.
وهنالك شعب
١٤٤ منه جنس البنْغُول
١٤٥ يتألَّف من حيوانات كل أجسامها مكسُوَّة بحراشف جلدية. أما عشائر الدَّرْدَاوَات الأمريكية
١٤٦ ومثلها الحيوان المسمى الدُّوَيْرع،
١٤٧ فتكسو جسومها صفائح عَظْميَّة تتأصل من الأدَمَة.
١٤٨
(٧) الهيكل الداخلي١٤٩
إن أعظم تقدُّم أصابته الحبليَّات:
١٥٠ انحصر في تنمية الصُّلب الداخلي المُقَوِّم للجسم، أي الرَّتَمة.
١٥١ أما الفقاريات
١٥٢ فقد اتخذت مِن ثَمَّ خطوة ارتقائية أخرى بأن كوَّنت على الزمن هيكلًا داخليًّا
قِوامه غضاريف أو عظام، فكان أرقى من جميع التراكيب العُضْوية التي نُشاهدها في اللافقاريات.
١٥٣ فإن تقويم ثقل حيوان ذي هيكل خارجي
١٥٤ يحتاج إلى كمية عظيمة من المواد، مقيسًا بما يُحتاج إليه في حالة وجود مجموع
داخليٍّ مُقَوِّم.
١٥٥ ولسنا نجد من اللافقاريات التي عاشت في خارج الماء حيوانات بَلَغَت من عظم الحجم أو
ضخامة الوزن مبلغًا عظيمًا. وأضخم اللافقاريات، تلك التي ظهرت بين الرِّخْوِيَّات
١٥٦ والمَفْصليات،
١٥٧ ولو أنها كانت كبيرة ضخمة، فإنها كانت تعتمد على محيط الماء ليَعْضُد أجسامها
الهائلة، وكانت عاجزة تمام العجز عن أن تتكيَّف بحيث تُصبح ذوات حياة أرضية. وبعض السَّبادج
١٥٨ العائشة، قد يُقارب طولها أربعين قدمًا، وبعض القِشْريَّات
١٥٩ التي عاشت في الأزمان الأولى قد بلغت ست أقدام طولًا، والذُّباب التِّنيني العمْلاقي،
١٦٠ وقد باد وانقرضَ، بلغ امتداد أجنحته قدمين. غير أن حد الحجم الممكن بلوغه في
اللافقاريات، سرعان ما بُلِغَ إليه، ثم عجزت عن النماء لأبعد منه. والحشرات، إن كانت
من
الكائنات الفذَّة من حيث التركيب الآليِّ،
١٦١ ولها من القوة النسْبيَّة ما يفوق القوة النسبية في الفقاريات إذا ساوتْها حجمًا،
فإن هناك حدًّا محدودًا للثِّقل الذي يمكن أن تَعْضُده بهيكلها المعطفيِّ الخارجيِّ.
(٨) الجُمْجُمَة١٦٢
إن الطرَفَ المقَدَّم من الجسم في الفقاريات جميعًا مُزَود بحقْف
١٦٣ أو جُمجُمَة من ضرب ما، وتجده بسيط التكوين في الجَلَكَيات
١٦٤ والجَراثي.
١٦٥ ثم تراه وقد تحول غُريفة غُضْروفية
١٦٦ في القُرُوش
١٦٧ وما يتصل بها. ثم يمضي مُتطوِّرًا في مدارج وُسطى
١٦٨ حتى يبلغ منتهى الكمال في جماجم الفقاريات العُليا.
١٦٩ والجمجمة في أي طَوْر من أطوار نُشُوئها، تكون ذات عَلَاقة قريبة بالفم وأعضاء الحسِّ
١٧٠ والدِّماغ،
١٧١ تحفظها أو تساعدها على القيام بوظائفها. وهي إن كانت في بداية تكوُّنها غُضْروفية،
فإنها قد كسيت فيما بعد طبقة من العظام نشأت باندفان الصفائح الجلدية،
١٧٢ فأُضيف إليها بذلك مَنظومة من العناصر
١٧٣ التَّكوينيَّة، فضلًا عن العناصر التي كانت ستَنْشأ من الجمجمة الغُضْروفية
١٧٤ اللَّيِّنة. وتاريخ نشوء الجمجمة، من الأسماك
إلى الثَّدييَّات، يظهر لنا جليًّا كيف أن هذا التَّركيب قد تبادل الخَطْو مع الدرجة
التي بلغها
الحيوان من الرُّقي، ويتجلى ذلك في إضافة مواد جديدة، ونَبْذِ عناصر أصبحت جَوْهرية،
وتبديل
وظائف بعض العناصر تبديلًا تامًّا. فالعناصر الزائدة عن الحاجة
١٧٥ التي كانت ذات آصرة بالخياشيم وأصبحت غير لازمة في الحياة البرِّيَّة، إما أنها
نُبِذَت، وإنما أنها تحوَّلت لتقوم بعمل جديد. فتاريخ الأذن ونُشوء تركيبها العظميِّ،
يُظهرنا
على حالات ذات بال أصابت تغيُّر الوظائف العُضوية. ومن ذلك أن عظامًا اتخذتها الأسماك
وسائل
للتقويم، قد تحوَّلت أعضاء تُوَصِّل الأمواج الصوتية إلى الأذن الداخلة.
١٧٦
(٩) العَمُودُ الفَقَارِي١٧٧
يَعْرِض للرَّتَمة،
١٧٨ في الحَبْليَّات
١٧٩ الدُّنيَا، مَنْظُومة من التَّغَيُّرَات
١٨٠ تَدَرَّج ظهورها في الفَقَاريَّات حتى اسْتُبْدلَت فيها الرَّتَمةُ بالعَمُود
الفَقَاري، ولو أن هذه الرَّتَمة ما زالت تظهر في الدَّرَجَات النَّمائيَّة الأُولَى
التي
يَتَقَلَّب فيها كل حيوان فَقَاري، وهذه المَنْظُومة من التَّغَيُّرَات تَبْدَأُ عندما
تأخذ
أنْسجَة الطَّبَقَة الجَرْثُوميَّة الوُسْطَى
١٨١ في التَّرَاكم تَدَرُّجًا من حول الرَّتَمَة، التي تكون في تلك الحال بمثابة مَريخٍ
١٨٢ لها. وأول ما تبدو هذه الأنْسجَة تكون في صورة أشْبَاه دوائر صَغيرة، ثم تستدير من
حول الرَّتَمة بعد ذلك فَتُغَلِّفُها فتكون حينذاك حَلَقَات مُفَلَّقَة،
١٨٣ وفي النِّهاية تتطور فَقارات.
١٨٤ ومن هنا نرى أن الهَيْكل المِحْوَرِيَّ
١٨٥ قد تغير من عُصَيَّةٍ واحدة، إلى مَنْظُومَة من الوَحْدَات المتصلة. أمَّا
العَلَاقة بين هذه الوَحْدَات والفِلْقَات الأصْليَّة، فتنحصر في أن كل فَقْرَة
١٨٦ كاملة تكون في فِلْقَتين: فنصف الفَقْرَة الأمامي يكون في إحْدَاها، والنصف
المُؤخَّر في الأُخْرَى. فإذا اكتمل تكون الفَقَار أُحيطت الرَّتَمة بلُفَافَة تمضي في
الانْكِماش عليها. إما بأن تُخَصِّرها في مواضع عديدة، وإما بأن ترسل من مادَّتها نَوَاشزَ
سَهْمية، فتأخذ الرَّتَمة في الزَّوال شيئًا بعد شيء حتى تزول. ومن ثَمَّةَ يأخذ الفَقَار
في
التَّخَصُّص بحسب كل مِنْطَقَة من مناطق الجسم، وتنمو به نَواشزُ
١٨٧ تربط كل جزء من أجزائه بالآخر، من غير أن يؤثر ذلك في سَلَالة الحركة. أما الضُّلوع
١٨٨ والقَص
١٨٩ في الحيوانات التي هي فوق طَبَقة الأسْماك، فَتبْدَأ بالظهور مع الحياة
البَرِّيَّة. وبالرغم من أن في الأسماك نوعين من الضُّلوع، فإن القَصَّ تكوين مقصور على
البرمائيات
١٩٠ وما يَعْلوها من شعوب الفَقَاريَّات.
(١٠) الزَّوَائد١٩١
للزَّوائد في الفَقَاريَّات صور مُمَيِّزة وتنظيم أجزائي، فأطراف البَرْمائيَّات
والزَّواحف
١٩٢ والطُّيور والثَّدييَّات
١٩٣ يمكن أن تُقَابَل بزَعانف
١٩٤ الأسماك. فالزَّعانف، ولو أنها مختلفة الصور كثيرة التغاير، تشترك على اختلافها في
عدَّة مُمَيِّزات عامة، وبخاصة في الوَضْع. فعلى جانبي الجسم زَوْجان من الزَّعانف: زوجٌ
صَدْريٌ
١٩٥ يكون بمقربة من الرأس، وزوجٌ حوضيٌّ
١٩٦ يكون بمَقْرَبَة من الشَّرَج.
١٩٧ وفضلًا عن هذه الزعانف الزَّوْجيَّة، فللأسماك زعانف وَسَطيَّة،
١٩٨ تُسْتَمَد من تركيب بعَيْنه يمتد في الأصل من حول الحيوان ظَهْريًّا
١٩٩ وبَطْنيًّا.
٢٠٠ وهذا التركيب الأصيل قد تهَذَّب بتَخَصُّص الذَّنَب وبزوال أجزاء، بقي بعد زوالها
الزعانف الظَّهرية
٢٠١ والبطْنية،
٢٠٢ أما الزُّناران:
٢٠٣ الصَّدري
٢٠٤ والحوْضي،
٢٠٥ فقد بدآ بالنماء منذ أقدم تاريخ الأسماك، فكانا ضعيفي الاتصال بالجسم كما في القُرُوش،
٢٠٦ ولكنَّ اتصالهما بالجسم ازداد متانة على مر الزمان، وبنُشوءِ العضادات الهيكلية
٢٠٧ ونماء العضلات
٢٠٨ تحقق إمكان الحركة فيهما. وإذا قُوبلَت أطراف البرمائيات
٢٠٩ والفَقَاريَّات العليا
٢١٠ بالزعانف، رأينا بَدِيًّا أنها تراكيب تُلائم الحياة البَرِّية. وبالرغم من أنها
متحولة في الرَّاجح عن زعانف، فهي أتقن من الزعانف تكوينًا وأسْوَى خَلْقًا. ومهما يكن
من أمر
ما يُصيبُها من التَّغاير والتحول، فإن الغرض الجوهري منها يبقى واحدًا لا يتغير. وقد
ترى في
الحيوانات البرية أن الزُّنَّار الصَّدْري يَنْدفنُ
٢١١ كل الاندفان في العضلات، في حين أن الزنار الحَوْضِي يُؤلِّف وَصْلة مع العمود الفقاري.
٢١٢ والحيوانات المائية
٢١٣ التي لها أطراف دَرْجيَّة
٢١٤ ما تزال حتى الآن ذات تركيب رُبَاعيقَدمي،
٢١٥ وليس لها تركيبُ الزعانف كالأسماك.
(١١) المجموع العصبي٢١٦
المجموع العصبي في الأسماك يقوم على تركيزٍ فيه للدِّماغ
٢١٧ والحبل الشوكيِّ
٢١٨ الأثر الرئيس. وهذا المجموع يتكون دائمًا بطريقة واحدة، إذ يبدأ بظهور أنبوبة عصبية
٢١٩ تمتد طوال ظَهْر الجنين،
٢٢٠ فالطرف المقدَّم من هذه الأنبوبة يتحوَّل إلى دماغ، والألياف العصبية
٢٢١ تنمو من العُقَد
٢٢٢ الحسَّاسة، والمنطقة القاعدية
٢٢٣ لتمُدَّ أعضاء الحسِّ
٢٢٤ بما تحتاج إليه من التَّراكيب الحسِّيَّة،
٢٢٥ في حين أن العضلات تتحكم في جميع أنحاء الجسم. ولما بلغ الطِّراز الفقاري مَنْزلةً
أرقى من منزلة الأسماك، ازداد الدِّماغ تَرْكيزًا،
٢٢٦ ومع هذا التركيز أُضيفَت أجزاء وزيدَ الحجم وحسُنَ التآزُر
٢٢٧ بين الأعضاء من حيث تشاركُها في العمل. ولذا نجد أن الأعمال التي تأتيها الفقاريات
العُليا قد تدرَّجت في الخضوع إلى سلطان الدِّماغ شيئًا بعد شيء، ولو أن عددًا عظيمًا
منها لا
يزال أعمالًا انعكاسية.
٢٢٨ وربما كان المجموع الآلِيُّ،
٢٢٩ أو السمبتاويُّ،
٢٣٠ مجموعًا فقاريًّا تمتاز به الفقاريات. ذلك بأننا لا نقع على شبيه به في غيرها من الحبليات
٢٣١ أو غير الحبليات من طبقات الحيوان، وإن هذا المجموع ليقوم بدور هام في تنسيق حياة
الفقاريات.
(١٢) أعضاء الحس٢٣٢
إن أعضاء الحس من الأشياء ذوات العلاقة القريبة بتاريخ
تطور الدِّماغ، حيث تستقرُّ مراكزها الحسِّية. وبعض أعضاء الحس أكثر عرضة للتغاير من
غيرها،
فالأنف تستقرُّ دائمًا في الطَّرف المقدم من الحيوان، وتغَايرها ضئيل لا يُعتدُّ به.
والعين،
وهي نموذج مختلف تمام الاختلاف عما تقع عليه في اللافقاريات، من الأعضاء الثابتة غير
المتغايرة
في كل عشائر الفقاريات. فإذا تَغايرت كان تغايُرُها من حيث المبدأ غير مَحْسوس تقريبًا.
ويَطَّرد ذلك في الفقاريات جميعًا من أدناها إلى أرقاها. والأُذُنان باعتبارهما من أعضاء
الاتزان
٢٣٣ مكونتان على قواعد تُشابه تلك التي تقوم عليها الغُرَيْفة السَّمْعية
٢٣٤ في اللافقاريات. ذلك في حين أن أنابيبها الموبئية،
٢٣٥ وقنواتها الشِّبه دائرية
٢٣٦ — الشبهدائريَّة — تُمَدُّ بُرَقع
٢٣٧ فيها خلايا خاصة
٢٣٨ تبرُزُ منها أجزاء حسَّاسة تصل إلى الموبئ الأذُني
٢٣٩ وكل حركة من حركات الجسم تُسَبِّب اختلاجًا في اللَّنف الباطن
٢٤٠ الخاص بتلك الأنابيب، حتى تَمس الحصوات الأُذُنية
٢٤١ الكلسيَّة،
٢٤٢ أو حجارة الأذن،
٢٤٣ الشَّعَرات الحسَّاسَة.
٢٤٤ وتبدأ حاسة السَّمع في الأسماك، ولقد تجدها فيها ذات علاقة برُقَع حسَّاسَة
مُعَيَّنَة تكون في الأذن الداخلة.
٢٤٥ أما مراكز الاتزان
٢٤٦ فَمُتَّصلة بالأنابيب الشِّبْهدائرية،
٢٤٧ وهذه المراكز السَّمْعية
٢٤٨ تَسْتَقر في أجزاء مختلفة من الدِّماغ. أما حاسَّة الذوق. وكثير من الحُسُوس الأقل
خَطَرًا منها، فعامَّة في الفقاريات، غير أن أكثر هذه الحُسُوس ليست إلا تكيُّفات
٢٤٩ أصابت حسَّ اللمْس، ومصدَرُها تراكيب تَشْريحيَّة بسيطة.
(١٤) التَّجْويف القَوْلوني٢٦٢
إن القَوْلون أو بالحري تجويف الجسم
٢٦٣ المكون من الطبقة الجرثومية الوسطى،
٢٦٤ ينقسم في الفقاريات تجويفين أو ثلاثة تجاويف. فأول تحديد يصيب القولون،
٢٦٥ نُشُوء الحجاب المستعرض
٢٦٦ في الأسماك، وهو الذي يؤلِّف التجويف التاموري أو الشغافي،
٢٦٧ وهو تجويف تقع عليه في جميع الفقاريات. وتجد في الفقاريات قسمًا آخر من القولون
يتألف بنشوء الحجاب العضلي
٢٦٨ الذي يتضمَّن الرئتين في تجويف يُعرف بالتجويف البلوري.
٢٦٩ أما التجويف الثالث فيحوي المعدة والأمعاء والكبد والكليتين وغيرهم من الأعضاء
ويسمى الآن التجويف الهربي
٢٧٠ ويحيط بالقولون رقيقة جرثومية وسطى تستمد من جدران الكِسْفَة،
٢٧١ بينا تجد أن لفائف من نفس هذه المادة تؤلف المعاليق
٢٧٢ التي تحفظ الأعضاء في أماكنها، وتمد الغشاء السروسي
٢٧٣ الذي يُغَلِّف الأمعاء.
(١٥) التنفس٢٧٤
إن وظيفة التَّنَفُّس في الفقاريَّات على العكس مما هي في اللافقاريات التي لها أساليب
منوَّعة للقيام بهذا العمل الحَيَوي، تتركز في حَيز واحد هو البُلْعوم.
٢٧٥ وفي البدايات الأولى من تاريخ الحَبْليَّات،
٢٧٦ عندما كَبُر حجم الجسم وصَلُبَ غِطاؤُه فصار أصَمَّ لا يَنْفُذُهُ شيء، لزم أن
يتخصَّص جزء من الحيوان ليقوم بوظيفة التنفُّس. ولما كان لكل من الفم ومنْطَقة الزَّوْر
أو النحر
٢٧٧ علاقة قريبة بالماء، أمكن أن يقوما بذلك من غير حاجة إلى تَكييفٍ كَبير يُصِيبُهما.
كذلك كان الجزء المؤَخَّر
٢٧٨ من القَناة الهضْميَّة
٢٧٩ ذا فائدة لذلك، فاستُخدم في بعض الأحيان لأداء هذا الغرض، ومن طبيعة الخياشيم
٢٨٠ بشرائحها
٢٨١ وخُيوطها
٢٨٢ أن تتعرَّض للماء وتتَّصل به أكبر اتِّصال، في حين أن الأكياس الخَيْشوميَّة
٢٨٣ والبُقور
٢٨٤ تزيد فضلًا عن ذلك القُدرة على انْسياب تيار وئيد
٢٨٥ مُتواصل من الماء يمرُّ من خلالها، ومن شأن الشُّعَيرات
٢٨٦ أن تقرِّب الدم من تيَّار الماء في الخَياشيم، وبذلك يتم تبادُل الغازات
٢٨٧ بسُهولة. وهذا الذي شرحناه هو النَّمَط العام للتنفُّس في الأسماك وبعض البرْمائيَّات.
٢٨٨ وكل حَيوان يعتمد على مثل هذا النِّظام في التنفُّس لا بد من أن يموت إذا أَسنَ
الماء وتَغيَّر، بحيث يمحى منه مخزون الأُكسجين. لهذا كان من الضروري أن يَنْشأ نظام
آخر بدَأ
بتكون الكيس الهَوائي
٢٨٩ أو المثانة الهوائيَّة،
٢٩٠ وهو تركيب موجود في أكثر الأَسْماك، استخدم فيها عُضْوًا للتَّوازُن في الماء،
٢٩١ وهو حَسَّاس يَتأثر بتغايُر الضَّغط المائي، فيُساعدُ السَّمكة على سَبْر غوْر
الماء، والشُّعور بمقْدار عُمْقِه، والرأي السَّائد الآن أن المثانة الهوائيَّة عبارة
عن نماء
في البُلعوم. وتستخدمه الآن الأسماك الرِّئوية
٢٩٢ وقليلٌ غيرها، عُضْوًا إضافيًّا
٢٩٣ للتنفُّس. وليس من البعيد أن يكون هذا العضو قد تطوَّر في الحيوانات البرِّية
٢٩٤ فصار العُضو الرئيس للتنفُّس، أي صار رئَة
٢٩٥ بأن استكمل على الزمان مهيِّئات الدَّورة الدَّموية
٢٩٦ التي كانت قد ظهرت بداياتها في الأسْماك وبظهور جهاز التنفُّس الرِّئوي
٢٩٧ مَضَت البُقور الخيْشوميَّة
٢٩٨ في الانسداد، وهذه البُقور إن ظلت مَفتوحة في بعض البَرْمائيَّات،
٢٩٩ فإنها سُدَّت في غيرها من الحيوانات العُليا التي أخذت في استكمال منافذ خاصة
للتنفس من خلال الزَّوْر والأنف.
(١٦) الدَّوْرَة٣٠٠
إنَّ جَهَازَ الدَّورة في الفقاريَّات جَهَاز مُغْلَقٌ. واليحْمُور
٣٠١ تحويه خَلايا خاصة، هي الخلايا الحُمْر،
٣٠٢ وهذه الخلايا في الفقاريات تراكيب مُسْتَجدَّة فيها، لم تكن لشيء من اللَّافَقاريَّات
٣٠٣ والجهاز الدافع
٣٠٤ فيها قد ارتقى وكمل، إذ أصبح عبارة عن قلبٍ عضليٍّ
٣٠٥ تامِّ التحيُّز، نشأ من تكيُّف أصاب جُزءًا من وعاء دَمَويٍّ.
٣٠٦ ويتألف القلب في الحيوانات التي تخطت في سلم الارتقاء طبقة الحبلوليات أي
الحبليَّات الأولية
٣٠٧ من غُريفتين
٣٠٨ على الأقل: غريفة مستقبلة، وغريفة مرسلة. وللبرمائيات
٣٠٩ ثلاث غريفات. ولكنك تجد في بعض الزواحف
٣١٠ وفي كل الطيور
٣١١ وفي كل الثَّديِيَّات،
٣١٢ أنَّ القلب ينقسم أربع غريفات: اثنتين مستقبلتين، وأُخْرَيين مرسلتين. وفي القلب صِمامات
٣١٣ تنشأ في غريفاته لتمنع الدم من الانسياب رُجُعًا،
٣١٤ وكل الأوعية الخارجة من القلب مُجهزةٌ بصمامات شبه هلالية
٣١٥ (شِبهلالية)، شأن الأوردة
٣١٦ في كل أنحاء الجسم. ولا ينتشر الدم في أنسجة
٣١٧ الجسم، بل يبقى مأسورًا في شرايين
٣١٨ وأوردة وشعيرات.
٣١٩ ويكون للشَّرايين جُدْرَان سميكة، ذلك في حين أن للأوردة جدرانًا رقيقة نسبيًّا.
أما الشُّعَيرات فدقيقة جُهْدَ الدقة، وجدرانها من الرقة بحيث تسمح بتسرب المادة الجِبْليَّة
٣٢٠ والكُرَيَّات البيض
٣٢١ حتى يتسنى لها أن تتصل بالخلايا
٣٢٢ اتصالًا مباشرًا. ولما كانت الأوعية الدموية
٣٢٣ مغلفة بصفحة عضلية،
٣٢٤ فإن ذلك يُؤَهِّل بها إلى الانكماش والاتساع، فيتراوح بذلك وُسْعُها بحكم
الرِّباطات العصبية
٣٢٥ المُحرِّكة للأوعية.
٣٢٦ أما المجموع اللِّمْفي،
٣٢٧ وهو مجموع يكون دائمًا ذا عَلاقة وثيقة ببقية أجزاء الجهاز الدوري،
٣٢٨ فوظيفته أن يعيد إلى الدَّورَة كل السوائل التي أفلتت من الشعيرات.
(١٧) الإبراز٣٢٩
يتم الإبراز بَديًا بتراكيب تستخلص الفضلات المادية التي تتجمع بالدورة الدموية في
أنحاء
الجسم. والكلى،
٣٣٠ وهي الأعضاء الرئيسة في الإبراز، متصلة بالجهاز الدوري، فيجري الدم من خلالها على
الدوام. وهي من حيث تركيبها وتاريخ نَشُوئها النوعي،
٣٣١ على ثلاثة أنماط في الحبْليات:
- الأول: الكُلْيةُ البدائية،٣٣٢ وهي مُبَددة النظام، أي غير تامته، وتوجد في الحبليات الأولية
(الحبلوليات)، وفي بعض أطوار الانقلاب الجَنيني في الفقاريات.
- الثاني: الكلية الثانوية،٣٣٣ وتوجد في الأسْماك والبَرْمائيات، وهي أكبر حَجْمًا وأوفى قيامًا بالعمل.
ذلك بأن نظامها الآلِي أدق ووحداتها التركيبية أرقى صنعًا وأكثرها عددًا.
- الثالث: الكلية الرئيسة٣٣٤ وتكون في الزواحف٣٣٥ والطيور والثدييات٣٣٦ وهي أسوى من سابقتها تركيبًا، وتركيبها أنجع في القيام بوظيفتها.
إن ما يرد إلى الكلية من الدم يأتيها بديًا من المجموع الشرياني،
٣٣٧ ففي الأسماك
٣٣٨ والبرمائيات
٣٣٩ يكون إتيانه جزئيًّا، وفي الطيور والثدييات يكون كليًّا، وبين بين في الزواحف.
٣٤٠ وفي كل دورة كاملة يدورها الدم في الجسم ينصرف جزء منه بطريق الشرايين
٣٤١ والشعيرات
٣٤٢ إلى الوحدات التركيبية
٣٤٣ في الكلية، فتمر أجزاء من الماء والبولية
٣٤٤ والحامض البولي
٣٤٥ والأملاح
٣٤٦ وغير ذلك من الفضلات،
٣٤٧ من خلال الأغشية الفاصلة
٣٤٨ في حوصلات براومان،
٣٤٩ وإلى الأنيبيبات.
٣٥٠ وهذه الأنيبيبات تغلفها خلايا من خليقتها أن تغربل المواد التي تتصل بجدرانها،
وبذلك تعيد إلى الدم جزءًا من الماء والمواد التي ليست فضلات. والجهاز الكلوي البوابي
٣٥١ من الأجهزة المثالية في الأسماك والبرمائيات، فهو يوصل الدم الوريدي
٣٥٢ من الجزء المؤخر من الجسم صعدًا والتفافًا من حول أنيبيبات الوحدات الكلوية،
٣٥٣ ويعرض الدم إلى هذه الخلايا الناشطة وقد توجد مثانة بولية، وقد تكون فاقدة.