الغزاليُّ وصِلَاتُ الرَّجل بالمرأة
حديث الغزاليِّ عن المرأة مطبوع دائمًا بطابع الخُلق الكريم؛ فهو يقيم صلات الرجل بالمرأة على آداب عُليا وتقاليد مهذبة، لا تجنح إلى الشدَّة ولا تدفع إلى الاستهتار.
فهو يقرر أن سيادة البيت للرجل، وبدون تلك السيادة لا تستقيم الحياة ولا توجد السعادة، فمن أطاع المرأة وملَّكها نفسه فقد عكس القضية؛ إذ حق الرجل أن يكون متبوعًا لا تابعًا، وقد سمى الله تعالى الرجالَ «قوامين على النساء»، وسمى الزوج «سيدًا» فقال تعالى: وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ فإذا انقلب السيد مُسَخَّرًا فقد بدَّل نعمة الله كفرًا، ولكنه يفرض للمرأة حقوقًا مقدسة، ويفرض على الرجل واجبات يؤديها للمرأة، ويلزم بها إلزامًا هي كفاء سيادته.
ولعل المرأة لم تطمع يومًا من الأيام، مهما نادت بالمساواة وتطرفت في تلك المساواة، في كلمة أروع من تلك الكلمة التي جعلها الغزاليُّ محور صلات الرجل بالمرأة، وهي قوله: «ليس حسن الخُلق مع المرأة كفُّ الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحِلم عند طيشها وغضبها.»
ذلك دستور الغزاليِّ الخُلقي في صلات الرجل بالمرأة، فليس حُسن الخُلق كف أذى الرجل عن المرأة، بل احتمال الأذى منها عند غضبها وطيشها.
ويأمر الغزاليُّ الرجل بأن يكون بشوشًا مرحًا مع زوجه، فيطيب قلبها بالمزاح والمداعبة، ولا يقتر في الإنفاق عليها، بل يجب عليه أن يتحفها دائمًا بالهدايا والحلوى، كما أن عليه أن ينظر في حاجة المرأة إلى حقوق البدن وندائه، وهو أساس التحصين والعفة.
والاعتدال في الغيرة هو قاعدة السعادة والهناء في الحياة الزوجية، فيقول الغزاليُّ: يجب على الرجل أن لا يتغافل عن مبادئ الأمور التي تخشى غوائلها، ولا يبالغ في الظنِّ والتعنُّت وتجسس البواطن.
ومبدأ الاعتدال في الغيرة من أسمى المبادئ، بل هو أصلٌ من الأصول المؤدية إلى هناء العُشِّ الزوجي، وإطلاق النور والمحبة والصفاء في رحابه.
وينادي الغزاليُّ بضرورة تعليم المرأة، ولكنه يقصر تعليمها على الأمور الدينية، ويلزم الرجل بتعليم زوجته الصلاة ومبادئ الدين، فإن قصر وجب على المرأة أن تخرج لتتعلم ولا جناح عليها في ذلك، وليس للرجل أن يمنعها؛ إذ العلم واجب ديني على الرجال والنساء، فإذا أتمت تعلم الفرائض وأصول الدين، فلا يحق لها أن تخرج للاستزادة من العلم إلا برضاء الزوج وموافقته.
ويلح الغزاليُّ على الرجل إلحاحًا كبيرًا في وجوب الرفق بالمرأة، فيقول في كتابه «التِّبْر المسبوك»: «إنَّ مَن أحبَّ أن يكون مشفقًا على زوجته رحيمًا بها فليذكر أن المرأة لا تقدر أن تطلقه وهو قادر على طلاقها، وأنها ما دامت في عصمته لا تقدر على زوج سواه، وهو قادر على ذلك، وأنها تقنع منه بطلاقة وجهه وبالكلام اللين، وهو لا يرضى بجميع أفعالها، وأنها تفارق أمها وأباها وجميع أقاربها لأجله، وهو لا يفارق لأجلها أحدًا.»
الغزاليُّ والطلاق
الطلاق إحدى المسائل الرئيسية التي أسرف الناس فيها إسرافًا لا يرضاه الشرع، ولا تقره نُظم الحياة الاجتماعية.
فالطلاق دينًا ليس هوًى ومتاعًا للنفوس، بل ضرورة وضرورة عظمى، في حالة شاذَّة لا سبيل إلى إصلاحها وعلاج شرورها إلا به، وهو أبغض الحلال إلى الله لما فيه من أذًى.
والغزاليُّ يقول: إن الطلاق إيذاء، ولا يباح للرجل إيذاء المرأة إلا بجناية من جانبها.
ولا بدَّ عند الغزاليِّ أن يسبق الطلاق مجالس للصلح والتوفيق كما أمر القرآن، فإذا وقع بين الزوجين خصام وشقاق فلا بدَّ من حَكمين؛ حَكمٌ من أهله وحَكمٌ من أهلها لينظرا بينهما ويصلحا أمرهما، ولا يجب الطلاق قبل ذلك، ولا ينبغي؛ لأنَّه إيذاء وضرر.
وما يراه الغزاليُّ هنا هو خلاصة روح الإسلام وتشريعه، بل ما أحوج عصرنا اليوم إلى تدبره وتنفيذه، فلا يباح الطلاق إلا بجناية زوجية، ولا يباح الطلاق قبل التحكيم في النزاع والسعي في التفاهم والوفاق.