ليلةٌ ممطرة
تعرضت طائرة شركة «إليتاليا» — أي الإيطالية — التي ركبها الشياطين الأربعة لعاصفةٍ رعدية قُرب «روما» … وطلبت المُضيفة من الركاب ربط الأحزمة …
وأخذت الطائرة تهتزُّ وتهبط وتصعد … ففي الأحوال الجوية السيئة يحدُث تخلخُل في طبقات الجو العُليا يؤدي إلى وجود مَطبَّاتٍ هوائية … بالإضافة إلى الرعد والبرق … ولكن الرحلة انتهت بسلام … وهبطت الطائرة على مَدرج المطار المُبتل … وهدَّأت من سرعتها تدريجيًّا ثم توقفت واستعد الركاب لمغادرة الطائرة.
قال «عثمان»: إنها بدايةٌ سيئة.
ردت «زبيدة» بمرح: إنني أُحب الرحلات التي نتعرض فيها للمتاعب … إنها تعطي الرحلة مذاقًا خاصًّا.
عثمان: أعوذ بالله من هذا النوع من الرحلات.
ونزل الجميع، واتجهوا إلى مبنى المطار … ووقف الشياطين الأربعة بجوار المكان الذي يتسلمون فيه حقائبهم.
وكان «السير» يدور ببطءٍ حاملًا الحقائب، حيث يتقدَّم الركاب لاستلام ما يخصُّهم، ومرَّت نصف ساعة دون أن تظهر حقائب الشياطين الأربع … حتى أتم السير دورته ثُم توقف السير الذي يحمل الحقائب عن العمل … دون أن تظهر الحقائب.
وأسرع الشياطين إلى المسئولين … وأخبروهم بما حدث … وأخرج «عثمان» «التيكت» الخاص بكل حقيبة من حقائبهم الأربع … وبدأ بحثٌ دقيق عن الحقائب … واتَّصل مطار «روما» بمطار «القاهرة» الذي ركب منه الشياطين … وأكد مطار القاهرة أن الحقائب الأربع قد شُحنت على الطائرة.
وسأل أحد ضباط الأمن الشياطين عن مواصفات حقائبهم فوصفوها له … وقال الضابط: الآن عرفنا الحقيقة … هناك شخصان خرجا بأربع حقائب مُماثلة …
ووصف الضابط الرَّجُلين اللذين خرجا بحقائب الشياطين، وتذكرت «إلهام» أوصاف الشخصَين فقد كانا يجلسان بجوار الشياطين في الطائرة!
ولكن كيف استطاع الرجلان الاستيلاء على الحقائب الأربع؟
المسألة بسيطة … فكل راكبٍ يحرص على أن يأخذ حقيبته الخاصة … ولا تمتدُّ يدَه إلى حقائب الآخرين خوفًا من أن يكون فيها من الممنوعات ما يُعرِّضه للمتاعب … هكذا جرى العُرف في جميع مطارات العالم … ومن النادر أن يطلب المسئولون في المطار إبراز «التيكيت» الخاص بكل حقيبة عند الخروج …
وأسرع الضابط معهم إلى موقف السيارات الخاص بالمطار … وبعد أسئلةٍ سريعة عرف أن الرَّجُلين اللذين حملا الحقائب الأربع استقلَّا سيارةً مرسيدس سوداء كانت في انتظارهم … ولم يلتقِط أحدٌ رقم السيارة، ولكن أوصاف الرَّجُلين انطبقت على الرَّجُلَين اللذين كانا يجلسان بجوار الشياطين في الطائرة.
كان الموقف خطيرًا … فهذه الحقائب مُجهَّزة خصوصًا للشياطين … وبها أشياء كثيرة سِرِّية لا يجب أن يَطلِّع عليها أحد … كان الشياطين في حالة اطمئنان؛ وذلك لأن أحدًا لا يستطيع فتح هذه الحقائب دون مفاتيحها الخاصة وهي معهم … وأية محاولة لفتحها ستؤدي إلى انفجارها وتدمير كل ما حولها.
ولم يَعُد هناك وقت لإضاعته … وأسرع الشياطين يستقلون سيارةً إلى قلب المدينة، وقد قرَّروا الاتصال بعميل رقم «صفر» في «روما» …
وهو رجلٌ قدير يُدعى «كراكسي» … كان يعمل في المخابرات الإيطالية لفترةٍ طويلة ثُم استقال من عمله … وفتح مكتبًا للخدمات الخاصة كستارٍ يُخفي نشاطه الحقيقي … وهو أنه عميلٌ لرقم «صفر» في «روما».
واتجه الشياطين الأربعة إلى فندق «كريست» وأسرع «أحمد» بالاتصال «بكراكسي» الذي ردَّ على الفور، وشرح له «أحمد» ما حدث … واستمع «كراكسي» إلى أوصاف الرَّجُلَين اللذين أخذا الحقائب، ثم قال: أحدهما على ما أظن مسجل خطر عندي … لحظة واحدة.
وترك «كراكسي» سماعة التليفون، وانطلق إلى الأرشيف الخاص به حيث تُوجَد ملفات لأكثر اللصوص والمجرمين وأعضاء العصابات.
ثم عاد إلى التليفون وتحدث إلى «أحمد» قائلًا: أحدهما هو … «بيترو كازي» … لصٌ تافه … تعهد إليه العصابة بمهمَّاتٍ بسيطة مثل السرقة والنشل … وتستخدمه ضمن مجموعةٍ من مجموعات «المافيا»، ويعيش في الجانب الغربي من «روما» … ويتردد على حانة «كافاليري» يوميًّا، حيث يتم الاتصال به هناك لتنفيذ المهمَّات التي تُطلب منه.
ونظر «أحمد» إلى ساعته … كانت العاشرة والنصف ليلًا … وقال: هل تعتقد أننا سنجده هناك الآن؟
كراكسي: هذا مُمكن … وسوف أتصل ببعض أعواني في العالم السُّفلي … فأين أنتم؟
أحمد: نحن في فندق «كريست» … سأترك أحدنا لتلقِّي رسالتك.
ووضع «أحمد» السماعة، ثم قال: إن لص الحقائب يُدعى «بيترو»، وسنذهب في أثره الآن في حانة «كافاليري»، سأذهب أنا و«عثمان» و«زبيدة» لأنها شاهدت اللصَّين … فقد نخوض معركة … وستبقى «الهام» هنا.
انطلق الثلاثة في سيارةٍ أجرة … وعندما سمع السائق اسم «كافاليري» أبدى دهشته وأطلق صفارة من بين شفتيه وقال: إنه مكانٌ مشبوه!
أحمد: لا بأس … فنحن لا بدَّ أن نذهب.
وانطلقت السيارة في ليل «روما» الممطر البارد، والشياطين يفكرون في مغامرتهم القادمة.