اللص الصغير
مدَّ «أحمد» يدَه وقام بتفتيش «بيترو» … لم يكن معه من الأسلحة إلَّا مطواة كالتي في يدِ الرجل الذي صرعه «أحمد» في المقهى … ولكن الأهم من هذا هو وجود كميةٍ ضخمة من الليرات … ومجموعة أوراق.
همس «أحمد» في أُذن «زبيدة» بكلماتٍ سريعة، ذهبت على إثرها إلى المطبخ، وفتحت الدولاب وأحضرت ثلاثة مُسدسات من طراز «بارابيلو» الإيطالي الضخم … وحشت «زبيدة» واحدًا منها بالرصاص.
ثم جلست ترقُب «بيترو» الذي بدأ الخوف يطلُّ من عينيه.
كانت الأوراق بها إثبات شخصية باسم «بيترو لورنزو» ويعمل سائق شاحنات … وورقة بها مجموعة من أرقام التليفونات، وأمامهما رموز من الحروف … وصورة فتاة صبيحة الوجه … وصورة أخرى بها مجموعة من الأصدقاء بينهم «بيترو».
ولا يدري «أحمد» لماذا خُيِّل إليه أن أحد الشبان من أصدقاء «بيترو» ليس غريبًا عليه … وأخذ يُركز تفكيره ولكن دون أن يعثر في ذاكرته على اسمٍ مُعين … أو ذكرى مُعينة … وبالإضافة إلى الصور مجموعة من المفاتيح ولم يكن مع «بيترو» شيءٌ آخر.
قال «أحمد»: هل هذه مُكافأتك عن سرقة الحقائب؟
ولوَّح «أحمد» برزمة الليرات ذات الفئات الكبيرة، وزمجر «بيترو» قائلًا: إنك لا تدري ماذا تفعل.
أحمد: إنني أدري أنك لص … وسوف تعترِف بكل شيء الآن!
بيترو: اسمع يا صديقي … يبدو أنك لستَ من هذه الأنحاء … ولا تدري في أي غابة وقعتَ.
أحمد: لقد وقعتُ في غاباتٍ كثيرة أسوأ من هذه بكثير فلا تشغل بالك … والآن من هو «بوكاشيو»؟
بيترو: هذا ما يجب أن تعرفه بنفسك!
نظر «أحمد» إلى ساعته … كانت تُشير إلى الثانية عشرة وعشرين دقيقة … ولكنه لم يتردد.
ذهب إلى التليفون، وطلب «كراكسي» وتحدث هامسًا: هل تعرف «بوكاشيو»؟
سكت «كراكسي» لحظاتٍ ثم قال: بوكاشيو … إنه أسوأ مُجرم عرفته إيطاليا في السنوات الأخيرة …
إنه لا يرتكب أي جريمة بيدَيه …
إنه يُغرِّر بالشباب من أمثال هذا «البيترو» … ليقوموا بدلًا منه بالعمل تحت قيادة مجموعة من الأشقياء المُدرَّبين …
أحمد: إنه الرجل الذي طلب سرقة حقائبنا من المطار …
عاد «كراكسي» إلى الصمت لحظاتٍ ثم قال: شيءٌ غريب … كيف عرف موعد سفركم؟
وكيف دبَّر وجود اللِّصَين في مطار القاهرة؟
أحمد: أسئلة سألتها لنفسي دون أن أجد إجابةً شافية!
كراكسي: ربما كانوا يرصدون خطواتكم منذ فترة!
أحمد: هذا جائزٌ جدًّا … فقد اشتبكنا مع إحدى العصابات في مُغامرة العدو الغامض.
كراكسي: ولكن … ما أهمية هذه الحقائب بالنسبة لهم؟
أحمد: ربما يستخدمونها في تهريب المخدرات البيضاء، فهي مصنوعةٌ بطريقةٍ لا يمكن اكتشاف الجيوب السرية التي بها، إلَّا لِمن يعلم سِرَّ «الكمبيوتر» الصغير المركب داخل القفل.
ولكنهم لن يستطيعوا استخدامها على كل حال … فلو حاولوا فتحها فسوف تنفجِر على الفور!
كراكسي: وماذا ستفعل مع هذا «البيترو» الذي عندك؟
أحمد: لقد كان مُغمًى عليه عندما حضر إلى هنا … فهو لا يعرف أين هو … وسأُغمِّي عينيه وآخذه بعيدًا ثم أُطلق سراحه، فلست أُريد مشاكل مع البوليس الإيطالي!
كراكسي: على كل حال … لن تحصل منه على معلوماتٍ مهمة … فأمثال هؤلاء الصغار … لا يعرفون شيئًا عن أسرار العصابة.
حضر «عثمان» و«إلهام»، وقال «عثمان»: هل حصلت على شيءٍ من هذا اللص؟
أحمد: معلوماتٌ قليلة … فحقائبنا الآن عند مَن يُدعى «بوكاشيو» وهو مجرمٌ رهيب.
عثمان: دعنا نعتصِر هذا الولد، فلن نتركه إلا إذا قال كل ما عنده.
والتفت «عثمان» إلى «بيترو» وقال: سآخُذك في نزهةٍ إلى النهر … ومن الأفضل أن تقضي بقية ليلتك في القاع البارد!
ثم أمسك «عثمان» بأحد المسدسات، وأعده للإطلاق، ووضعه بين عيني «بيترو» الذي أُصيب بفزعٍ شديد …
وقال «عثمان» وهو يضغط بفوهة المسدس على جبهة «بيترو»: والآن!
صاح «بيترو» خائفًا: أرجوك … إنها مهمةٌ كُلِّفت بها من أحد رجال «بوكاشيو» ولا أعرف شيئًا آخر … ولم يكن في استطاعتي الرفض وإلا قُتِلت!
عثمان: ومن هو هذا الرجل؟
بيترو: إنه «روشيه» وهو فرنسي يمتلك مطعمًا على النهر.
قام «عثمان» بتكميم «بيترو»، ووضع عصابةً على عينيه، ثم قاده خارجًا، وأجلسه بجواره في السيارة وسار به بعيدًا … ثم أوقف السيارة، ودفعه خارجها.
لم يكن أمام الشياطين إلَّا أن يرتاحوا بقية الليل …
وفي الصباح اتَّصل «أحمد» ﺑ «السنيور بنيتو» الذي لم يكد يسمع صوته حتى هلَّل مُرحِّبًا …
قال «أحمد»: «سنيور بنيتو» … إننا قد جئنا خصوصًا إلى «روما» لمقابلتك!
بنيتو: إن هذا يُسعدني!
أحمد: ما رأيك أن نلتقي في الساعة العاشرة؟
بنيتو: تعالوا إلى الفيلَّا … إنكم مَدعوون للغداء … كم عددكم؟
أحمد: أربعة.
بنيتو: سيُسعدني جدًّا أنا وزوجتي أن نراكم.
قرر الأصدقاء أن يبحثوا هذا الصباح عن مطعم «روشيه» … وقد وجدوه في دليل التليفونات … ثم ركبوا إحدى السيارات وذهبوا إلى المطعم.
كان مطعمًا رخيصًا يقع أسفل بنايةٍ قديمة …
ولم يكن الشياطين في عجلةٍ من أمرهم بالنسبة للحقائب … فهم واثقون أن العصابة لن تستطيع استخدامها وإلا انفجرت …
وفي الثانية عشرة ظهرًا اشتَروا باقةً كبيرة من الورد، ثم اتجهوا إلى فيلا السنيور «بنيتو» التي تقع على أحد التلال في ضواحي «روما» …