حكاية كارلو
كان «بنيتو» وزوجته في انتظار الشياطين عند مدخل الفيلا … وكان الاستقبال حارًّا … وقد سعِدا كثيرًا بباقة الورد … وكانت الشمس قد بزغت بعد ليلةٍ مطيرة … فجلسوا جميعًا في حديقة الفيلا …
وقال «أحمد»: سنيور بنيتو … لقد تأثرت جدًّا بمساعدتك لنا في زيارتنا السابقة ﻟ «روما» … وقد فهمتُ منك أن لك ولدًا يُشبهني … وأن هذا الولد قد اختفى في ظروفٍ غامضة … فهل يمكن أن تستعيد هذه الظروف وأن تَرويها لنا؟
ظلَّلت وجه السنيور «بنيتو» سحابةٌ من الحزن … ولكنه استجمع نفسه وقال: الحقيقة كان الخطأ مِنِّي … لقد كان «كارلو» ابني الوحيد … وقد أسرفتُ في تدليله … ولبَّيت له كل احتياجاته وهكذا … للأسف الشديد … بدأ «كارلو» يتعثَّر في دراسته … لقد كنت مُتساهلًا معه … إذا ذاكر شكرته … وإذا لم يُذاكِر لم أنهره … وكان طبيعيًّا أن يُهمِل مُذاكرته … ثم التف حوله مجموعةٌ من أصدقاء السوء زيَّنوا له التدخين كعلامةٍ من علامات الرجولة … وبالطبع ليس ذلك صحيحًا.
ثم بدأ يذهب معهم في رحلاتٍ بعيدة … وفي كل مرة يطلب نقودًا كنتُ أعطيه ما يطلُب … ثم بدأ يتغيَّب عن المنزل دون عُذرٍ واضح.
وذات يومٍ قبضَتْ عليه الشرطة مع بعض هؤلاء الأولاد بتُهمة السرقة … وكان يومًا رهيبًا بالنسبة لي … وقد قدَّر القاضي ظروف صِغر سنِّه … وتفاهة السرقة … فأصدر حُكمه بتسليمه لي مع تَعهُّدٍ مني بمُراقبة سلوكه تحت رقابة الشرطة …
ولكن «كارلو» لم يتَّعِظ … فبعد أسابيع من الحياة الهادئة في المنزل بدأ ينتظِر نومَنا أنا ووالدته ثم يخرج ليلًا … وفي البداية لم نكن نعرف … ثم عرفنا الحقيقة فيما بعد … وبدأتُ أقسو عليه … وأمنعه من مُغادرة المنزل نهائيًّا … وذات صباح استيقظنا فلم نجده … وأبلغت الشرطة وبحثتُ عنه كما بحثَتِ الشرطة عنه في كل مكانٍ فلم تجده … لقد اختفى منذ أكثر من عام … ومنذ ذلك التاريخ لم أرَهُ ولم أسمع عنه أي شيء!
ساد الصمت … خاصة وقد لاحظ الشياطين أن الأم تبكي … وأن السنيور «بنيتو» يُحاول منع دموعه، ولكن «أحمد» قطع الصمت قائلًا: سنيور «بنيتو» جِئنا خصوصًا لإعادة «كارلو».
بدأت ملامح الدهشة الممزوجة بالفرح على وجه الأبوين.
وقالت الأم: هل هذا ممكن؟ هل هذا صحيح؟
أخرج «أحمد» الصورة التي عثر عليها مع لصِّ الحقيبة «بيترو»، لم تكد الأم ترى الصورة حتى صاحت: كارلو … كارلو … إنه هو، أين عثرتَ على هذه الصورة؟
أحمد: هذه قصةٌ طويلة سأرويها لكما فيما بعد … المهم الآن … لقد قُلتما إنني أُشبه «كارلو» … فما هي الفوارق بيني وبينه بالضبط؟
قالت الأم: الطول واحد … الملامح واحدة … ولكن «كارلو» كان قصير النظر … كان يستخدم نظارةً طبية … وكان يقصُّ شعره أقصر من شعرك … وهناك أثر جُرحٍ في جبهته وهو يتلعثَمُ في الكلام قليلًا.
أحمد: إنها ليست فوارق جوهرية.
الأم: ولكن لماذا تسأل؟
أحمد: لأنني سأتقمَّص شخصية «كارلو» … فهذه الصورة عثرتُ عليها مع لصٍّ صغير يعمل تبع أحد كبار المجرمين.
وإذا صادَفَني التوفيق فقد أستطيع أن أُمثل دور «كارلو»، فأعرف أسرار العصابة … ولعلِّي أعثر على «كارلو» بعد ذلك!
تناولوا غداءً شهيًّا … وأعطت الأم ﻟ «أحمد» صورةً مُكبرة ﻟ «كارلو» … لاحظ فعلًا أنها تُشبهه إلى حدٍّ بعيد … وأخذت الأم تنصح «أحمد» … أن يحافظ على نفسه ووَدَّعته بحرارةٍ أثرت فيه.
وعندما عاد الشياطين إلى «فيلا بورجينري» طلب «أحمد» … «كراكسي» وقال له: أريد رجلًا يُجيد فن الماكياج … فأدواتنا كلها كانت في الحقائب.
كراكسي: هناك محل أتعامل معه في مثل هذه الأمور.
ثم أعطى ﻟ «أحمد» عنوانًا في وسط المدينة … وبعد عدة اتصالاتٍ تليفونية حجز له موعدًا في السادسة مساءً في نفس اليوم …
قال «أحمد» يشرح خطته للشياطين: لقد لاحظتُ الشبه بين الشاب الذي في الصورة التي حصلنا عليها من «بيترو» وبيني … وتذكرت حكاية هذا الشبه كما رواها الأب لي في مغامراتنا السابقة … وعرفنا أنَّ هناك علاقة صداقة بين «كارلو» و«بيترو» … ثم عندما روى الأب قصة اختفاء «كارلو» وكيف كان ذلك بسبب أصدقاء السوء … أدركتُ أن هؤلاء الأصدقاء ربما يكونون قد أغرَوا «كارلو» بالانضمام إلى العصابة التي يرأسها «بوكاشيو» …
واستطاعت العصابة طبعًا إخفاءه عن العيون.
قالت «إلهام»: إنها قصةٌ مدهشة … ولكن الاستنتاجات كلها صحيحة.
عثمان: وخطتك أن تدخل العصابة على أنك «كارلو»!
أحمد: نعم.
عثمان: لنفرض أن «كارلو» كان موجودًا في هذه اللحظة!
أحمد: إنها مغامرةٌ على كل حال … ولكني لن أترك شيئًا للصدفة كما تتصوَّر … ستذهبون أنتم إلى مطعم «روشيه» في الساعة الثامنة … وسأذهب أنا إلى محل الكوافير في الساعة السادسة ثم ألحق بكم … فإذا كان «كارلو» في المطعم، فلتخرج «زبيدة» لانتظاري في الخارج … فإذا لم أجدها فسأدخل المطعم على أنني «كارلو» … وسأتحدَّث مع «روشيه» وأرى ردَّ فِعله.
زبيدة: إنها لعبة خطيرة!
أحمد: ليست أخطر مِمَّا قُمنا به قبل ذلك.
عثمان: شيءٌ غريب … أننا لم نسمع شيئًا عما حدث للحقائب … فإنهم لا بدَّ أن يكونوا قد حاولوا فتحها … فماذا حدث؟
أحمد: إنني فكرتُ في نفس المسألة!
زبيدة: وأنا أيضًا!
إلهام: وأنا أيضًا.
أحمد: ليس علينا إلا أن ننتظِر ونرى … وخطوتنا … ناحية «روشيه» مُهمة … فقد نصل إلى «كارلو» … أو الحقائب … أو كِلَيْهما … وقد لا نصل إلى شيء على الإطلاق!