أحمد … «كارلو»
في الساعة السادسة كان «أحمد» يدخل محل «الكوافير» في شقةٍ بالطابق الثاني بشارعٍ جانبي مُتفرع من ميدانٍ واسعٍ … واستقبله الرجل بالترحاب … وأخرج «أحمد» صورة «كارلو» التي أخذها من والدته وقال للرجل: أُريد أن أصبح شكل هذا الشاب!
تأمَّل الرجل الصورة، ونظر في وجه «أحمد» مَليًّا ثم قال: إنها مسألةٌ سهلة … فأنت تُشبهه إلى حدٍّ كبير!
بعد ساعةٍ بالضبط خرج «أحمد» من المحل، وقد تغير إلى درجة أنه عندما نظر إلى المرآة أدهشه ما حدث.
وبعد ساعةٍ أُخرى كان «أحمد» يحوم حول مطعم «روشيه»، فلم يجد أحدًا من الشياطين خارج المحل لإنذاره، إذا كان «كارلو» موجودًا …
اتجه «أحمد» إلى المطعم وهو يشعر بشيءٍ من التوتر، فاللحظات القادمة هامة وخطيرة … ولم يكَدْ يقترِب حتى سمع من يُناديه … وكان الصوت يأتي من سيارةٍ واقفة بجوار المطعم …
اتجه «أحمد» إلى مصدر الصوت … كانت «إلهام» وقالت له بسرعة: أردتُ أن أشرح لك الموقف داخل المطعم … إنه مكانٌ ضيق ينحشر فيه الزبائن جنبًا إلى جنب … ولكن من الواضح أنَّ هناك أكثر من بابٍ يؤدي إلى غرفٍ جانبية.
لقد سألنا عن «كارلو» فقيل لنا إنه غير موجود الآن … وسألنا عن «روشيه» فقيل إنه في مكتب الإدارة في المطعم … وقد مرَّ بالزبائن وتحدَّث إلى بعضهم، ثم اختفى داخل أحد الأبواب الجانبية!
أحمد: ادخُلي قبلي … وأشيري إلى الباب الذي دخل منه «روشيه».
دار «أحمد» حول المطعم، ثم دخل من الباب، وشاهد الشياطين الثلاثة يجلسون إلى إحدى الموائد … والمطعم مُزدحم بالرواد … وأكثر الوجوه تكشف عن الشر …
وقامت «إلهام» وأخذ «أحمد» ينظُر إليها … كانت مُتجهة إلى كابينة «التليفون» وأمام أحد الأبواب، توقفت لحظةً، ثم استأنفت سَيرها … وعرف «أحمد» أنه الباب المقصود …
أكمل «أحمد» مَسيرته داخل المطعم، وسمع من يُناديه «كارلو» … «كارلو» … انضم إلينا.
كان المُتحدث شابًّا ضخم الجثة، يجلس إلى مائدةٍ مع فتاتين يتناولون الطعام.
أشار «أحمد» إليه بيده، ثم أشار إلى الباب الذي مرَّت أمامه «إلهام»، فقال الشاب: فيما بعد.
أشار «أحمد» إلى ساعته كأنه يقول إن لدَيه موعدًا … ثم ما كاد يسير حتى مدَّ أحد الجالسين قدمه يُعرقله ولكن بطريقةٍ ودِّية، ثم امتدَّت يدٌ تجذبه … كان رجلًا مُتوسط العمر … ابتسم عن صفٍّ من الأسنان الذهبية … وكان واضحًا من وجهه الذي لفحته الشمس أنه بحارٌ …
وقال: «كارلو» … هل نسيتني؟
ابتسم «أحمد» له فقال الرجل: لعلك تذكر رحلتنا إلى «سيسيلي» منذ عام!
أحمد: كانت رحلةً مُمتعة.
الرجل: تعال اجلس معي نتحدَّث … متى عدت من هناك؟
أحمد: منذ فترةٍ قصيرة.
الرجل: اجلس قليلًا … إن «روشيه» أرسل يطلبني … يبدو أن هناك بضاعةً أخرى!
أحمد: سأعود لك حالًا.
اتجه «أحمد» إلى الباب، وحيَّاه أحد عمال المطعم فردَّ تحيته، ثم فتح الباب ودخل … وجد دهليزًا شبه مُظلم فسار فيه، وشاهد بابًا في جانب الدهليز اتجه إليه بخفة … فقد سمع أصواتًا تتحدث بعنف …
وقف بجوار الباب يستمع … كان أحد الرجال يقول: لم يكن في استطاعتي أن أسرق مفاتيح الحقائب … اسأل «بيترو» عن الأخطار التي تعرضنا لها في المطار.
رد عليه رجلٌ آخر: هذه الحقائب نادرة … ويمكن تهريب «الهيروين» فيها دون أن يكتشفه الشيطان ذاته … ولكن لا نستطيع أن نكسرها وإلا فقدت قيمتها … ولم يستطع أحدٌ فتحها حتى الآن …
قال الرجل الأول: لماذا لم تُحضروا «جرين»؟ إنه أفضل لص خزائن في إيطاليا … ومن السهل عليه أن يفتح هذه الحقائب.
قال الرجل الثاني: إن «جرين» في السجن يا غبي … قُبض عليه في الأسبوع الماضي.
كان ما سمعه «أحمد» مفاجأةً رائعة … لهذا دخل بعد أن دق الباب.
كان هناك ثلاثة أشخاص في غرفةٍ صغيرة … وكان أحدهم يجلس إلى مكتبٍ والثاني واقفًا يبدو عليه الضيق … والثالث يجلس في هدوء …
صاح الجالس إلى المكتب: «كارلو» … متى عُدت؟
«أحمد» في لعثمةٍ خفيفة: منذ يومين.
الرجل: ولماذا لم تتَّصِل … لماذا لم تأتِ؟
أحمد: فضلت أن أختفي حتى يفقد رجال الشرطة أثري.
الرجل: أي شرطة … لقد نَسيتْك الشرطة منذ اختفيت … هل تعتقد أنهم ما زالوا يبحثون عنك … دعك من هذه الأوهام.
أحمد: هل من مهمةٍ لي؟
الرجل: ماذا تدرَّبت في سيسيلي؟
أحمد: على فتح الخزائن.
الرجل: يا له من خبرٍ سعيد … إننا في أشدِّ الحاجة إليك … عندنا أربع حقائب مُستعصية على الفتح.
أحمد: حقائب … … إنها مهمة طفل صغير!
الرجل: هل أنت واثق إلى هذا الحد؟
أحمد: أين هي؟
رفع الرجل سماعة التليفون، وطلب رقمًا ثم قال: أنا «روشيه» … هل الحقائب موجودة؟
وسمع ردًّا ثم قال: إننا قادمون … لقد ظهر «كارلو» الآن، عاد من سيسيلي وقد تمرَّن تمامًا على فتح الخزائن.
وقام «روشيه» ووجهه تُشع منه السعادة، وقال: هيا بنا أيها الشاب … سوف أملأ جيوبك بالليرات إذا فتحتها!
ومشى «روشيه» في الدهليز في الاتجاه المخالف للباب الذي دخل منه «أحمد» … وسارا معًا مسافة … ثم فتح «روشيه» بابًا مُغلقًا من الداخل، ووجد «أحمد» نفسه في شارعٍ جانبي ضيق.
كان «أحمد» يتمنَّى في هذه اللحظة أن يراه الشياطين … أو أن يتَّصِل بهم.
فقال ﻟ «روشيه»: إن صديقًا ينتظرني في المطعم … سأذهب لأخطره أنني سأتأخَّر … وسأعود فورًا.
ودون أن ينتظر مُوافقة «روشيه» عاد إلى داخل المطعم.