غاندي والمرأة الهندية
لا يحارب غاندي استبداد الإنجليز فقط، ولا يقتصر على مكافحة الاستعمار، بل هو يحارب استبداد الهنود بعضهم ببعض ولا يبالي أن يغضب رجال الدين، أو رجال التقاليد في بلاده، حين ينشد المساواة والحرية.
- (١)
محو النجاسة. أي مساواة المنبوذين بغيرهم من الهندوكيين في الحقوق والواجبات الدينية والمدنية.
- (٢)
منع الإتجار بالخمور أو المخدرات في جميع أنحاء الهند.
- (٣)
تعميم مبدأ المساواة التامة بين الرجل والمرأة.
- (٤)
الاتحاد بين المسلمين والهندوكيين.
- (٥)
تعميم المغزل في القرى.
والقارئ يرى في مقدمة هذا البرنامج مسألة المنبوذين، وقد استطاع غاندي بما يسميه «قوة الروح» أن يبدل رأي الهنود فيها، وأن يمحو تقاليد دامت في الهند دوام اللعنة نحو ثلاثة آلاف سنة. وليس شيء في الهند أجرح لكرامتها الإنسانية، أو يزيد في هوانها أمام نفسها وأمام الأجنبي، بعد مسألة المنبوذين، مثل مسألة المرأة. ولذلك ليس غريبًا أن يخصها غاندي بعنايته ويطلب تحريرها ومساواتها بالرجل. وإليك شيئًا مما تكابده المرأة الهندية من الهوان الذي تقتضيه «التقاليد».
في الهند ينذر بعض الآباء المتدينين إحدى بناتهم للخدمة في أحد المعابد، فإذا بلغت البائسة التي نذر بها سن الثامنة أو التاسعة حملت إلى المعبد حيث تعيش في خدمة البراهمة. وهي هناك تؤدي ما تؤديه البغي عندنا. وهي لا تفعل ذلك لخدمة رجال المعبد فقط بل لسائر الناس. فإذا ذهب جمالها في الثلاثين أو الخامسة والثلاثين تركت المعبد وأصبحت بغيًّا عامة في الحي الخاص بهؤلاء البائسات في إحدى المدن.
ويظن بعض المؤرخين أن للبغاء أصلًا دينيًّا، لأن إرصاد الفتيات لخدمة المعبد في الأمم القديمة كان عامًّا. فإذا كان الأمر كذلك فكل ما تختلف فيه الهند عن سائر الأمم أنها حافظت على «التقاليد» أكثر من غيرها. فبينما الأمم تجعل البغاء الآن مدنيًّا، وتحاول إلغاءه، تجعله الهند دينيًّا وترعاه لأنه من «التقاليد».
وإذا عرفنا طهارة النفس التي يتسم بها غاندي، وسمو المبادئ الإنسانية التي ينشدها، أدركنا استفظاعه العظيم لهذه التقاليد ومكافحته لها. وهو لذلك يطلب في رأس مطالبه للمرأة إلغاء البغاء، سواء أكان دينيًّا أم مدنيًّا. وهو يطلبه بأشد لهجة حيث يقول:
«يجب على كل رجلٍ منا أن ينكس الرأس خزيًا ما دمنا نرى امرأة بغيًّا. وإني لأوثر أن أرى النوع الإنساني ينقرض كله من العالم على أن أراه أحط من البهائم، حين يجعل أشرف ما خلقه الله هدفًا لشهواته. وليس البغاء مسألة الهند وحدها إذ هو مسألة العالم كله. وإذا كنت أشير على الناس بأن يكفوا عن الحياة المتكلفة والملذات الشهوانية، ويعودوا رجالًا ونساءً إلى الحياة الساذجة التي تتلخص في الدعوة إلى المغزل، فإني أفعل ذلك لأني أعلم أننا إذا لم نعد إلى السذاجة ونمارسها بذكاء وعلم فإننا سننحدر إلى ما هو أحط من البهيمة.»
ثم هو يحمل بعد ذلك على التقاليد التي سنت للناس زواج الفتاة أو الصبية الصغيرة، ويقول هنا: «إني أرغب رغبة حارة، في أقصى الحرية للنساء. وإني أمقت زواج الصغار وأراني أرتعد أسفًا كلما سمعت عن صبية أرملة. كما أني أحتدم غيظًا كلما سمعت عن زوج أرمل يعقد لنفسه زواجًا آخر وهو لا يبالي ما يفعل».
وهو يشير هنا إلى «الصبية الأرملة»، لأن العادة الفاشية في الهند أن الرجل المسن إذا ماتت زوجته تزوج فتاةً أخرى قد تكون صبية. فلا تمضي سنوات حتى يموت هو شيخوخة أو هرمًا، أما الصبية فتبقى مدى حياتها أرملة لا يجوز تزوجها.
ويرى غاندي أن تعطى المرأة جميع حقوق الرجال، وهو يقول هنا: «يجب أن يكون للمرأة حق التصويت وأن تستوي والرجل في الحقوق الشرعية.»
وهو هنا غربي لا غش فيه، لأن الشرق كله، باستثناء تركيا، لم يعرف قط هذا الكلام.
ثم هو ينصح بعد ذلك للمرأة أن تكف عن زينة جسمها، بل يجب ألا تتزين حتى لزوجها، إذا أرادت من الرجال أن يقلعوا عن التعبد لجمالها الجسمي، وأن يذكروا أن لها جمالًا روحيًّا. وهم إذا ذكروا ذلك نظروا إليها نظرة الجد والاحترام فعملوا لتعليمها وتربية أخلاقها.
والمرأة الهندوكية تتحجب ولكنها لا تتبرقع. فهي لا تجالس الرجال ولها ناحية في البيت تفصلها من الاختلاط برجال البيت أو ضيوفه. ويرى غاندي أن يلغى الحجاب إلغاءً تامًّا. ولما كان في «سيرماتي» قبل أن يسجن لم يكن يعرف الفصل بين الرجل والمرأة، بل كان الجميع يعملون مشتركين.
ثم هو لكي يؤكد المساواة بين الجنسين، يرى ضرورة التعليم المشترك، أي أن تتعلم الفتاة إلى جنب الفتى في فرقة واحدة.
وليس شك أن غاندي يلقى من الرجعيين في الهند معارضة قوية لآرائه عن المنبوذين وعن المرأة. ولكنه يقهرهم بقوة روحه أو سمو إنسانيته. ثم هو يستهوي الشبان الذين ينشدون هندًا جديدة، فهم على الدوام إلى صفه ضد الرجعيين.
ولو أن زعيمًا من زعمائنا في مصر دعا إلى حرية المرأة ومساواتها التامة بالرجل لوجد من شبابنا سندًا قويًّا لا قبل للرجعيين بمناهضته.
ولو أنه قام يدعو إلى إصلاح حال المنبوذين المصريين، أي الفلاحين، بزيادة حقوقهم الاقتصادية، وبناء منازل لهم تكون جديرة بالآدميين المتمدنين، لوجد الأمة كلها عند قدميه تطلب معونته.
وإذا كان غاندي قد رأى المرأة والمنبوذ هما الخزي والعار للهند فإن لنا نحن خزيًا وعارًا في الفلاح والمرأة المصرية.