السكان والأديان
يدل آخر إحصاء نشر عن الهند (وقد تم سنة ١٩٣١) على أن السكان يبلغون ٣٥٣ مليونًا، وهذا بإضافة بورما واستثناء سيلان. ويبلغ عدد اللغات في الهند ٢٢٥ منها ٢٧ لغة آرية الأصل، مثل اللغات الإنجليزية أو الألمانية أو الفرنسية. ويتكلم هذه اللغات ٢٢٧ مليون هندي. وهناك ١٤ لغة درويدية يتكلم بها ٧٢ مليونًا و١٥٦ مغولية يتكلم بها ١٥ مليونًا. وقد يستغرب القارئ هذا الرقم الأخير، ولكن هذا الاستغراب يزول إذا عرف أن المتكلمين لهذه اللغات يعيشون في الجبال. فهم بذلك ينقطعون جماعات صغيرة، ويصعب الانتقال أو الاتصال بينهم، فتحتفظ كل جماعة بلغتها مهما كان عدد أفرادها صغيرًا.
-
٢٣٩ مليون هندوكي بما فيهم المنبوذون.
-
٧٧ مليون مسلم.
-
١٣ مليون بوذي (معظمهم في بورما).
-
٤٫٥ مليون سيخ.
-
٤٫٥ مليون مسيحي.
-
مليون وربع جاينيون.
وهذا غير ثمانية ملايين لا يزالون في طور القبيلة يعيشون في التلال ويجهلون الزراعة، وهم عندما يتحضرون يعتنقون الهندوكية في الغالب. ومعظم المسلمين في الشمال، وهم أضخم أجسامًا من الهندوكيين لأن الدم المغولي يجري في عروقهم. وبدخول الإسلام في الهند انقرضت البوذية حتى لم يعد يؤمن بها غير سكان بورما. والهندوكي يسرع إلى قبول الحضارة الأوربية كما يسرع إلى اتخاذ الأعمال الحرة. ومن الهندوكيين الآن عدد من الأغنياء أصحاب المصانع لغزل القطن ونسجه ومنهم من يملك الملايين من الجنيهات. أما المسلمون فلا يزالون متمسكين بشرقيتهم، وعندهم كبرياء يمنعهم من احتراف الأعمال الحرة. فقد كانوا عند دخول الإنجليز للهند سادة البلاد، يتولون الحكم ولهم الجيش. فلما نزع ذلك منهم لم يستطيعوا أن يخضعوا أنفسهم للظروف الجديدة وبقوا يلتزمون أنفتهم ويرفضون التكسب بالعمل الحر الذي لم تسبق لهم به ألفة. أما الهندوكيين فلم ينقص الاحتلال الإنجليزي شيئًا من حقوقهم السابقة، إذ لم تكن المناصب العليا في أيديهم، وكان لهم مران قديم بالأعمال الحرة، وفي كل قرية مراب منهم يقرض الفلاحين ويجعلهم تحت سلطانه.
وعلاقة الهندوكيين بالمسلمين ليست حسنة على وجه العموم، فإن الهندوكي ينظر إلى المسلم نظرته إلى الغريب الذي غزا بلاده وقهرها واستخلص لنفسه أحسن بقاعها وأكثرها خيرات. والمسلم يخشى اتحاد الهند واستقلالها، لأنه يشعر أن المسلمين أقلية لا يمكن أن يسمع صوتهم إذا اتحدت الهند في برلمان واحد، وأن الأكثرية الهندوكية سوف تستبد بهم. وقد أحدث غاندي تآلفًا بين الطبقتين، وجعل المستنيرين منهم يدًا واحدة في طلب الاستقلال، ولكن العامة من الطائفتين لا تزال تنظر إحداهما إلى الأخرى نظرة العداوة.
وهذا الخلاف القائم بينهما يستغله الاستعمار البريطاني، فإن الجنود الإنجليزية هي التي تهدئ الشعب وتقف القتال بين الفريقين. ومن هنا يعتمد عليها الفريق المغلوب للاحتماء بها.
والبوذية دين نشأ في الهند في القرن الخامس قبل الميلاد. وكانت قد أضعفت الهندوكية وكشفت عن مساوئها في الإغراق في الشعائر والمناسك. ولم تكن تؤمن بالآلهة أو الكهنة أو المناسك. وكانت تدعو إلى أن الدين هو اختبار شخصي لا يأتي بوحي وإنما ينتج عن التفكير والتأمل. وقد طهرت الهندوكية من كثير من مساوئها، ولكنها لم تستطع الثبات أما الإسلام. ويبلغ المؤمنون بها في العالم الآن نحو ٣٠٠ مليون ليس منهم غير عدد قليل جدًّا في الهند، وأكثرهم في الصين واليابان والأقطار الجنوبية الشرقية من آسيا. والبوذية هي أقرب الأديان القديمة إلى ما يفهم هذه الأيام من معنى «البشرية» التي يدعو إليها رجال الذهن في أوروبا وأمريكا.
وترجع الديانة السيخية إلى القرن السادس عشر، وكان مؤسسها «ناناك» الذي مات سنة ١٥٣٠، وكان ينشد توحيد الإسلام والهندوكية في دين واحد، وقد أخذ من الإسلام الإيمان بإله واحد، ومن الهندوكية تقمص الأرواح، جحد الأوثان وإلغاء الكهنة والطبقات، مع الدعوة إلى الفضائل العملية كالنزاهة والعدل والأمانة، والسيخيون مثل الوهابيين يقاطعون الدخان، ولكنهم مع ذلك يتسامحون في الخمر.
أما الجاينية فمذهب من الهندوكية يقرب من البوذية. والجاينيون لا يؤمنون بالكتب المقدسة التي يقول بها البراهمة، وآلهتهم إنسانية، فهي أقرب إلى القديسين منها إلى الآلهة. وهم يتوقون قتل الحيوان ولو كان حشرة، وليس بينهم طبقات.
•••
يطبع الدين الأمة بمزاج خاص. والمزاج الهندي الذي تربى بالهندوكية والبوذية ينحو نحو النسك، ولذلك يكثر في الهندي الناسكون والمتصوفون وأهل الطريقة و«الفقراء». والفاقة العامة في الهند تساعد على هذه النزعة التي يدعو إليها الدين.