إلى الإنجليز في الهند
لا أستطيع أن أقيم البراهين على شرف غايتي إذا لم تحسوا أنتم ذلك. وبين إخواني الهنود من يتهمني بأني أضمر غير ما أظهر حين أقول لهم إنه يجب علينا ألا نكره الإنجليز وإن كنا نكره النظام الذي وضعوه لنا. فإني أحاول أن أفهمهم أننا نستطيع أن نكره الشر الذي ينزله بنا أحد الناس دون أن نكرهه هو. فقد كان المسيح يلعن شرور الكتبة والفريسيين دون أن يكرههم. وهو حين شرّع الحب للناس، أو الكراهة لشرورهم، لم يكن يعني نفسه فقط، بل كان يقصد التعميم بين جميع الناس. والواقع أني أجد هذه الشريعة في جميع الكتب المقدسة في العالم.
وأنا أدعي أني على شيء من فهم الطبيعة البشرية، وأني أستطيع أن أعرف أماكن الضعف عندي. وقد وجدت أن الإنسان يفضل النظام الذي يخترعه ويسمو عليه، ولذلك أشعر أن كلًّا منكم يفضل النظام الذي وضعتموه جماعة. وقد كان كل واحد من الهنود في مدينة أمريتسار خيرًا من الجماعة التي كان هو عضوًا فيها، ولو أنه طلب إليه أن يقتل أولئك المديرين الأبرياء للبنك الإنجليزي لرفض. ولكنه نسي نفسه وهو في غمار الجماعة.
ومن هنا الفرق بين الإنجليزي، وهو في كرسي المنصب، وبينه وهو خارجه. وكذلك هناك فرق بين الإنجليزي في الهند والإنجليزي في إنجلترا. فأنتم هنا، في الهند، تنتسبون إلى نظام يتجاوز حدود الوصف في الخسة والدناءة، ولذلك يمكنني أن ألعن النظام بأشد لهجة دون أن أتهمكم أنتم بالسوء أو أن أنسب إليكم بواعث سيئة؛ لأنكم أنتم عبيد لهذا النظام كالشأن عندنا سواء. ولذلك أود منكم أن تبادلوني هذا النظر، فلا تتهموني بعواطف أو بواعث لا تجدونها فيما أكتبه. وأنا أصرح لكم بجملة هذه البواعث حين أقول إن صبري قد نفد عن هذا النظام القائم الذي يجعل الهند خاضعةً لحفنة منكم، ويجعلكم تطمئنون فقط إلى المدافع والحصون التي تواجهنا في كل مكان في الهند. فإن هذه المناظر تحط من شرفكم وشرفنا معًا، فنحن وأنتم نعيش ونحن نتبادل الخوف وسوء الظن. وأنتم لا بد تعرفون أن هذه الحال لا تليق بالرجال. ومثل هذا النظام لا يمكن أن يستند إلا إلى إبليس، بينما كان من الممكن أن تعيشوا في الهند كأنكم من بعض أهلها بدلًا من أن تكونوا كما أنتم الآن أجانب تستغلونها. وإنه لمذهب من مذاهب اليأس المظلم ذلك الذي يقول إن حياة ألف هندي تساوي حياة إنجليزي واحد، ومع ذلك فإني أقول الصدق حين أقول لكم إن هذا المذهب صرح به سنة ١٩١٩ أعظم رجالكم.
-
مقاطعة القماش الأجنبي.
-
ومقاطعة المشروبات الروحية.
فإن أقمشة لنكشير، كما أوضح ذلك المؤرخون الإنجليز، قهرت الهند على قبولها، بينما منسوجات الهند قد دمرت تدميرًا منظمًا مقصودًا. ولم تصبح الهند بذلك تحت رحمة إنجلترا وحدها بل أصبحت تحت رحمة اليابان وفرنسا وأمريكا. وانظروا أنتم الآن إلى مغزى هذا العمل، فإننا نرسل كل عام، في طلب الأقمشة الأجنبية نحو أربعين مليون جنيه، مع أننا نزرع من القطن ما يكفي حاجتنا من القماش. وإذن أليس من الجنون أن نرسل قطننا إلى الأقطار الأجنبية ثم نعود فنجلبه منها وهو مصنوع، وهل كان من العدل أن تحطموا الهند إلى هذه الحال؟
لقد كنا قبل ١٥٠ سنة ننسج جميع أقمشتنا، وكان نساؤنا يغزلن في القرى ويساعدن أزواجهن بذلك على العيش، وكان الغزل جزءًا متممًا للاقتصاد الوطني في بلاد زراعية مثل بلادنا، وكان يشغل فراغنا بطريقة طبيعية. ولكن نساءنا نسين الآن فن الغزل، وقهر الملايين من السكان على أن يبقوا في عطلة تزيد فاقتهم، حتى صار كثير من النساجين يشتغلون بكنس الشوارع، بينما كثير غيرهم قد تجند في الجيش يعمل مأجورًا في العسكرية. وباد نصف النساجين الفنيين بينما النصف الآخر ينسج أقمشته بالغزل الأجنبي لأنه لا يجد غزلًا هنديًّا.
ولعلكم تدركون الآن معنى مقاطعة الأقمشة الأجنبية، فإننا لا نتخذ هذه الخطة للعقاب، ولو أننا نلنا استقلالنا الآن لما كففنا عن المقاطعة، وأقل ما يعنيه الاستقلال أن نكون قادرين على أن نصون الصناعات الهندية التي تتعلق بها حياة الكيان الاقتصادي للأمة، وأن نمنع تلك الواردات التي تضر بهذا الكيان الاقتصادي. والزراعة والغزل كلاهما يؤلف رئتي الجسم الوطني، ويجب أن نحميهما من السل مهما كلفنا ذلك.
وهذه المسألة لا تجيز لنا التمهل والانتظار، ولا يمكننا أن نلتفت إلى مصالح أصحاب المصانع الأجنبية أو مصالح المستوردين من الهنود، لأن الأمة تموت الآن لحاجتها إلى صناعة أخرى تلحق بالزراعة هي صناعة الغزل.
ويجب ألا تخطئوا وتحسبوا أننا نقصد إلى مقاطعة جميع البضائع الأجنبية، فإن الهند لا ترغب في إقفال أبوابها دون التجارة العالمية. وتلك الأشياء التي تصنع عند الأمم الأخرى بأحسن مما تصنع عندنا يجب، مع استثناء الأقمشة، أن نقبلها مع الشكر بشروط يتبادل فيها الطرفان المنفعة. ولن تقبل الهند شيئًا تقهر عليه. ومع أني لا أحب أن أطل من الآن على المستقبل فإني أقول إني أؤمل أن تستطيع الهند قريبًا أن تتعاون مع إنجلترا على أساس المساواة بينهما، وعندئذ يمكن بحث العلاقات التجارية بينهما، ولكني الآن أناشدكم المعونة لتحقيق مقاطعة الأقمشة الأجنبية.
ثم تبقى بعد ذلك المسألة الثانية، وهي مقاطعة المشروبات الروحية. فإن الحانات لعنة مفروضة على الأمة ولا يمكن الصبر عليها، ولم تكن الهند في أي وقت من الأوقات متنبهة لهذه المسألة كما هي الآن، وإني أصرح هنا بأن رجال الدين في الهند هم الذين يمكنهم أن يعاونوا في هذه المسألة أكثر منكم، ولكني أحب منكم أن تكشفوا عن نياتكم، فإن الأمة الهندية ستلح على منع المشروبات الروحية منعًا باتًّا مهما كان نظام الحكومة. ويمكنكم أن تساعدوا على نمو هذه الحركة بأن تضموا نفوذكم إلى جهود الأمة. وإني صديقكم الأمين.