التعليم في الهند
لقد قيلت أشياء كثيرة عن آرائي في التعليم في الهند، ولذلك أرى أنه قد يكون من المفيد للجمهور أن أحدد هذه الآراء وأوضحها.
- (١)
أنه يعتمد على ثقافة أجنبية مع تنحية الثقافة الهندية أو مقاطعتها.
- (٢)
أنه يتجاهل ثقافة القلب واليد ولا يبالي سوى ثقافة الذهن.
- (٣)
أن التربية الحقيقية لا تقوم على أيدي الأجانب.
ولننظر الآن في هذه العيوب الثلاثة، فالكتب المدرسية التي يدرسها الصبيان لا تعالج الموضوعات التي تصدمهم في بيوتهم، وإنما تعالج موضوعات غريبة عنهم كل الغرابة. وصبياننا لا يعرفون ما يحق لهم وما يجب عليهم في البيت من هذه الكتب المدرسية. وهم لا يجدون فيها ما يوحي إليهم الشعور بالكرامة، والفخر من البيئة التي يعيشون فيها، وهم لذلك لا يجدون في البيت شيئًا من الشعر، ومناظر القرية كتاب مطبق أمام عيونهم. وأما المدنية الهندية فتشرح لهم في هذه الكتب المدرسية كأنها شيء وحشي همجي لا فائدة منها أصلًا للحياة العملية، وهذا التعليم ينتهي بالصبي إلى أن يفطمه من الثقافة الهندية. وإذا كان سواد الشبان لم يفقدوا إلى الآن قوميتهم فذلك لأن ثقافة أسلافنا أعمق من أن تستأصل بتعليم يضاد نموها. ولو كان لي الخيار لعمدت إلى معظم هذه الكتب المدرسية وأتلفتها لإيجاد كتب جديدة تتصل بالحياة المنزلية حتى يمكن للتلميذ أن يتعلم منها ما ينفعل به في بيئته المحيطة به.
ثم إن بلادًا كالهند يعيش ٨٠ في المائة من سكانها بالزراعة، و١٠ في المائة بالصناعة، يكون من الجناية على أبنائها أن يبقى التعليم فيها أدبيًا فقط. فينشئون وهم عاجزون عن العمل اليدوي. وإني أرى أننا ما دمنا نقضي معظم وقتنا للكد في طلب العيش، فإن صبياننا يجب منذ طفولتهم أن يعرفوا للعمل كرامته، ويجب ألا يعملوا شيئًا ينقص من هذه الكرامة ويجعلهم يحتقرون الكد والعمل. وليس هناك من سبب يجعل ابن الفلاح يكره العمل الزراعي عندما يتعلم، وإنه لمن المحزن أن نرى صبياننا يكرهون العمل اليدوي بل يحتقرونه. ثم إننا في الهند لا نستطيع أن نعمم التعليم بين جميع الصبيان إذا أردنا أن نؤسس المدارس على هذا النمط الحديث، لأننا نعجز عن توفير المال اللازم لها. ولن يمكن الآباء أن يؤدوا المصروفات المدرسية التي تطلب الآن لهذه المدارس؛ فالتعميم يقتضي المجانية. وظني أننا حتى عندما نحصل على نظام الحكم الذي ننشده فإننا لن نستطيع أن نرصد في الميزانية ٢٠٠٠ مليون روبية للتعليم، وهو المبلغ الذي يحتاج إليه تعميم التعليم بين جميع الصبيان. ولذلك لا بد لنا من أن نجعل الصبيان يؤدون بعملهم بعض، أو كل، نفقات تعليمهم. ومثل هذا العمل لن يكون مربحًا، يقوم بنفقات التعليم، إلا إذا كان غزلًا أو نسجًا يدويًّا، وهذا رأيي. وقد يمكن الاهتداء إلى عملٍ آخر غير الغزل والنسيج، ولكن بعد النظر والتأمل لا نجد عملًا يمكن التوسع فيه والاعتماد على نتائجه العملية في المدارس الهندية مثل الغزل والنسيج.
وإدخال الأعمال اليدوية في المدارس، في قطر فقير مثل قطرنا، ستكون له نتيجة مزدوجة. إذ هي تؤدي عن التلميذ مصروفاته طول مدة تعلمه بالمدرسة، ثم عقب خروجه تزوده بصناعة تمكنه من الاستناد إليها عند الحاجة لكسب قوته. وهذا النظام يعلم أبناءنا الاعتماد على النفس، والعمل للعيش. وليس شيء في العالم يهدم أخلاق الأمة مثل احتقار أبنائها للعمل اليدوي.
ثم لي كلمة موجزة عن حظ القلب من التعليم. واعتقادي أن هذا التعليم لا يمكن أن يتحقق من سبيل الكتب، وإنما سبيل ذلك هو العلاقة الحية بين المعلم والتلاميذ. ومن هم المعلمون في المدارس الابتدائية والثانوية؟
هل هم رجال إيمانٍ وأخلاق؟ هل هم حائزون للصفات التي تبعثها تربية القلب؟ أوليست طريقة اختيار المعلم للمدارس الأولية كفيلة بحرمانه من الأخلاق؟ وهل هؤلاء المعلمون على ما يكفي عيشهم؟
ثم إن التعليم بالطرق الأجنبية والكتب الأجنبية قد علم أبناءنا الحشو، وأتعب أذهانهم حتى صاروا لا يصلحون للعمل أو التفكير البكر. كما أنه حال دون الصلة الثقافية بينهم وبين ذويهم أو بينهم وبين الجمهور، بل هو جعلهم أجانب في وسط بلادهم. وإذن لكي ننقذ أنفسنا من هذه الحال الخطرة يجب أن نقف تعليم أولادنا باللغة الأجنبية ونحتم على المعلمين والأساتذة تعليمهم باللغات الهندية، وإلا جاز لنا فصلهم وطردهم. ولست أنتظر تأليف الكتب المدرسية لتحقيق هذه الغاية لأن التعبير المنشود يجب أن يسبق هذه الكتب، وهو تغيير لا يحتمل التأخير.
وقد حمل علي بعضهم عندما أعلنت آرائي بشأن اللغة الأجنبية للتعليم، واتهموني بأني أكره الثقافة الأجنبية أو تعلم اللغة الإنجليزية. مع أنه ليس هناك قارئ لمجلة «يونج أنديا» إلا ويعلم أني أعد اللغة الإنجليزية اللغة التجارية العالمية، والسياسية الدبلوماتية، ولذلك لا بد من أن يتعلمها عددٌ منا. ثم هذه اللغة تحتوي على كنوز خصبة للآداب والأفكار. ولذلك أرى تشجيع القادرين على تعلمها إذا وجدوا في أنفسهم الاستعداد. وأرى أنه يجب أن ينقلوا إلى اللغات الهندية ما في هذه اللغة من كنوزٍ أدبية.
فإقامة الحواجز لمنع الثقافة الأجنبية هو أبعد الأشياء عن ذهني. ولكني أقول إننا لن نستطيع تقدير هذه الثقافة إلا بعد أن نكون قد تشبعنا بثقافتنا الهندية. ورأيي الذي لا أحيد عنه هو أنه ليس في العالم ثقافة تحتوي من الكنوز مثل ما تحتويه ثقافتنا. ولكننا جهلنا ثقافتنا، بل نحن تعلمنا الانتقاص من قيمتها، وكفننا عن العيش على أساليبها. وليست الثقافة للتعلم فقط وإنما هي للعمل. فإذا قصرنا أنفسنا على العلم دون العمل صارت بمثابة الجسم المحنط، قد يبدو حسنًا ولكنه لا يبعث الحياة أو العزة. وإن لي دينًا يمنعني من استصغار شأن أية ثقافة أجنبية، ولكن هذا الدين نفسه يحتم علي أن أشبع نفسي بثقافة الهند وأن أعيش على أساليبها وإلا كان جزاء إهمالها الانتحار المدني.