من غاندي إلى طاغور
إني أقول إننا عندما فقدنا المغزل فقدنا رئتنا اليسرى، ولذلك نحن نشكو الآن مرض السل، ولن نستطيع وقف هذا المرض حتى نعيد المغزل. هناك أشياء يجب على جميع الناس أن يعملوها في جميع الأقاليم، وهذا المغزل واحد من هذه الأشياء التي يجب علينا جميعًا في الهند أن نستعملها في طور الانتقال، ويجب على كثرة الأمة أن تستعملها في جميع الأوقات.
إن الذي أنزل المغزل في الهند من مكانته السامية هو تعلقنا بالأقمشة الأجنبية، ولذلك يجب أن نعد اتخاذ الملابس الأجنبية خطيئة، لأننا لا يمكننا أن نفصل بين الأخلاق والاقتصاديات التي تؤذي الأمة في أخلاقها، يجب أن تعد من الخطايا والذنوب.
وكذلك أيضًا يجب أن نعد الاقتصاديات التي تقول باستغلال أمة لأخرى. ومن الخطيئة أيضًا أن نشتري شيئًا قد نهك العامل في صنعه أو بخس فيه حقه. ومن الخطيئة أيضًا أن أشتري القمح الأمريكي في حين أن جاري الذي يبيع القمح الهندي لا يجد من يشتريه منه، كما أني أذنب ذنبًا عظيمًا إذا أنا اشتريت الأقمشة الإنجليزية الغالية مع أني أعرف أني لو اشتريت القماش الذي غزله ونسجه عمال هنود فإني أستطيع أن أكسو نفسي وأكسوهم. ولذلك، فإنه عندما يتحقق لي ذنبي، وتفتضح أمام عيني خطيئتي، يجب أن أعمد إلى ما أملكه من ملابس أجنبية فألقيها في النار وأطهر بذلك نفسي، ثم أقنع بعد ذلك بأن ألبس القماش الهندي الذي ينسجه أبناء الهند حولي. وإذا لم أجد هنودًا يغزلون، فإني أرى أنه يجب علي أنا نفسي أن أقوم بالغزل، حتى يقتدي بي الناس.
ولست أطلب من «تاجوري» أن يحرق قماشًا لا يملكه، أما إذا ملك هذا القماش فقير ليس له غير الأطمار والأسمال، فليتركه له؛ لأني وأنا أحرق ملابسي الأجنبية إنما أمحو الخزي والعار عن نفسي، ثم لست أريد أن أهين العرايا بأن أقدم لهم ملابس أجنبية لا يحتاجونها، لأنهم إنما يحتاجون حاجة مرة إلى العمل الذي يكسبون منه العيش، ولست أريد أن أرتكب جناية التصدق عليهم لأني أرى أنه بدلًا من أن ألقي لهم الفتات والأطمار البالية يجب أن أعطيهم من أطيب طعامي وأحسن ملابسي، وذلك بان أشترك معهم في العمل.
ثم لست أذهب إلى الاقتصار على الهند في وجوب التضحية وعدم التعاون، وإنما يمنعني تواضعي من أن أعلن للعالم كله هذا المذهب. ولكن ما الفائدة من إعلانه للعالم إذا لم يثمر في التربة التي غرس فيها أولًا؟ إن الهند الآن لا تشارك العالم إلا فيما تعانيه من الهوان والفقر والطواعين. فهل يجوز لها أن تبعث بكتبها الدينية إلى العالم، إذا كنا نحن لا نعمل بها، ونحن ورثتها وحفظتها؟ ولذلك يجب، قبل أن أفكر في الاشتراك مع العالم، أن أمتلك شيئًا. وأنا حين أقول بعدم التعاون لا أقصد إلى ألا نتعاون مع الإنجليز أو مع الغربيين، وإنما أريد أن نمتنع عن التعاون مع النظام الذي وضعه لنا الإنجليز بإملاء حضارة مادية وما يرافقها من جشع لاستغلال الضعفاء. ونحن حين نرفض التعاون ننكفئ إلى أنفسنا ونعلن للموظفين من الإنجليز أننا لن نتعاون معهم على الشروط التي يضعونها هم لنا. وكأننا نقول لهم: «هلموا نتعاون على شروط نضعها نحن، فيكون لنا ولكم وللعالم كله خير.» إذ يجب أن نأبى عليهم أن يجذبونا، ويوقفونا على أقدامنا، على الرغم منا.
ثم لا يمكن الغريق أن ينقذ غيره من الناس، وإذن لكي نستطيع إنقاذ الناس يجب أن ننقذ أنفسنا أولًا. ولا تدعو الوطنية الهندية إلى العداء أو الهدم، وإنما هي وطنية دينية تزيد العالم صحة وإنسانية. وعلى الهند أن تتعلم كيف تعيش قبل أن تعلم الإنسانية كيف تموت. وليس للفأر الذي يقع بين مخالب القط فضل التضحية. وقد دعانا «تاجوري» دعوة تنبع من سليقته الشعرية، وهي أن نعيش للغد. ووضع لذلك أمام أعيننا صورة جميلة للطيور التي تبكر في الصباح فتشدو على أجنحة النسيم. ولكن هذه الطيور نالت نصيبها من الطعام، وارتاحت طول ليلها، وسرى في عروقها دم جديد. ولكني رأيت طيورًا، وتألمت لرؤيتها، لأنها كانت ضعيفة خائرة، لم أستطع أن أغريها حتى برفرفة جناحيها. تلك هي الطيور الإنسانية التي تعيش تحت سماء الهند، فإذا كان الصباح لم تستطع أن تهب من النوم، لأن الإعياء يثقلها بأكثر مما كانت مثقلة عندما آوت إلى الفراش. وهذه حال تتجاوز الوصف ويجب أن يجربها الإنسان كي يعرفها. ولقد وجدت من المحال أن أسري عن المرضى آلامهم بأن أغني لهم القصائد. وملايين الهند إنما تطلب قصيدة واحدة من الشعر، هي الطعام المقوي. وهم ليسوا قادرين على أن ينالوه.
وإنما ينالونه بالعمل الذي نقدمه لهم.