أصل الحركة الهندية
ترجع الحركة الهندية في الهند إلى التنبه التدريجي الذي كان يتفشى بين الهنود كلما توغل الإنجليز في بلادهم وجعلوا سلطانهم يتسلط على مرافقهم. ولكن قطرًا كالهند، تختلف لغاته ودياناته، ويتألف من طبقات متضادة، يحتاج إلى هزات عنيفة كي يعمه التنبه، وقد حدثت هذه الهزات.
وترجع الحركة الحديثة في ميلادها إلى خطأ الإنجليز في فهم السيكلوجية الهندية واستغلال الوطني «بانرجي» لهذا الخطأ. فقد حدث في سنة ١٩٠٥ أن قسموا إقليم بنغال قسمين، فهب بانرجي يحرك الهنود وينبههم إلى أن هذه القسمة هي تدنيس للوطن. ويجب على القارئ المصري ألا يخطئ ويقابل بين قسمة إدارية تحدث في مثل مديرية الغربية وبين قسمة بنغال. فإن هذا الإقليم الهندي يحتوي من السكان نحو خمسين مليونًا، وهو قطر عظيم له تاريخه ولغته وتقاليده، فقسمته أشبه بقسمة القطر المصري منها بقسمة مديرية الغربية.
واستطاع بانرجي أن يجعل الهنود يهبون متحدين للمطالبة بإعادة بنغال إلى ما كان عليه، واضطرت الحكومة البريطانية إلى الإذعان، فوحدته سنة ١٩١١ وألغت القسمة، ولكن الحركة الوطنية لم تخمد من ذلك الوقت. فإن بانرجي الذي يقال أنه عرف جمال الدين الأفغاني، كما عرفه عرابي ومحمد عبده، أخذ يؤجج نار الحركة الوطنية جاعلًا من تقسيم بنغال سببًا لدعوة الهنود إلى الاتحاد والحكم الذاتي.
هذا هو السبب القريب المباشر للحركة الوطنية، ولكن هذا لا يعني أن الهنود كانوا سنة ١٩٠٥ مستسلمين للسلطان الإنجليزي، فإنهم منذ أن كان اللورد دوفرين نائبًا للملك في الهند (١٩٨٤–١٨٩٨) ألفوا «المؤتمر الوطني الهندي» الذي لا يزال حيًّا إلى الآن. والحكومة البريطانية تحاربه كما تحارب عندنا الوفد. وقد منعت انعقاده منذ العام الماضي وصادرت أمواله. وهذا «المؤتمر» يغذو الحركة الوطنية وينظمها وله فيها أثر التجديد المتوالي.
وقد كان بانرجي أستاذًا للآداب الإنجليزية في جامعة كلكوتا، وانتخب رئيسًا «للمؤتمر الوطني الهندي» مرتين.
ومن الزعماء الذين خدموا الحركة الهندية «طيلاك» الذي مات سنة ١٩٢٠، فإنه أنشأ جريدتين، إحداهما بالإنجليزية والأخرى بالهندستانية، لتنبيه الهنود إلى ما تنزلهم به الإمبراطورية البريطانية من ضروب الخسف والهوان. وكان مثل غاندي لا يقول بالعنف. ولكن من شأن العنف أن يسير في أثر هؤلاء الوطنيين الذين يجحدونه، وقد حكم عليه بالحبس عامًا، ثم حكم عليه سنة ١٩٠٨ بالنفي ست سنوات.
ومن الوطنيين المعتدلين «جوكيل» الذي مات سنة ١٩١٥، فإنه كان يدعو إلى الحكم الذاتي مع البقاء في دائرة الإمبراطورية، ولذلك لم يتعرض للحبس أو النفي كما تعرض لهما سائر الوطنيين.
ولا يمكن أن ينسى اسم «محمد علي» عند ذكر خلاصة موجزة عن الحركة الهندية، فإنه خدم الحركة في إخلاص وأمانة وكان على الدوام يساعد غاندي ويدعو للاستقلال. ولكن أخاه «شوكت علي» انفصل بعد وفاة أخيه من الحركة وأخذ يدعو لاستقلال المسلمين وانفصالهم عن الهندوكيين، مع أن هذا الرجل أعرف الوطنيين الهنود بفائدة الاتحاد بين المسلمين والأقباط في مصر. وقد زار مصر مرات ورأى بعينيه قيمة هذا الاتحاد.
وقد بقيت الحركة الهندية، وهي لا تلفت الأنظار في العالم المتمدن إلا قليلًا، إلى أن سطع فيها غاندي. فإنه أكسبها من المبادئ، وعين لها من الخطط، ما جعل العالم يلتفت إليه نبيًّا قبل أن يرى فيه وطنيًّا! ولكن أعظم ما خدم الحركة الوطنية هو «فضيحة أمريتسار» التي جن فيها الجنرال داير الإنجليزي فجمع الهنود في ميدان ثم أطلق عليهم النار، فقتلهم قتلًا ذريعًا. ثم أمر جميع من يمر فيه من الهنود بأن يزحف على ركبتيه. وكل هذا لأن بعض السكان في هذه المدينة قتلوا بعض النساء الإنجليزيات. وكانت هذه الحادثة في الهند بمثابة دنشواي في مصر، إذ انعقدت القلوب على كراهة الإنجليز من ذلك الوقت.
وزاد في الكراهة أن الحكومة الإنجليزية حين عاقبت هذا الجنرال أبى الإنجليز المقيمون في الهند إلا تكريمه، فأهدوا إليه سيفًا من الذهب، فكان هذا التحدي الوقح للأمة الهندية سبيلًا إلى اتحادها وإلحاحها في الاستقلال.