الحكم الهندي في الهند
الهند قطر كبير، أشبه بالقارة منه بالقطر، يزيد سكانه على ٣٥٠ مليونًا. منهم نحو ٣٠٠ مليون تحت حكم الإنجليز المباشر ونحو ٥٠ مليونًا تحت حكم الأمراء الهنود من الهندوكيين والمسلمين. ولكن هؤلاء الأمراء ليسوا مستقلين إلا استقلالًا داخليًّا ولا يمكن لواحد منهم أن يحدث نفسه بمخالفة الإنجليز.
ويمكن أن يقال على وجهٍ عام إن حكم البريطانيين خير من حكم هؤلاء الأمراء. فإن الأمير يجعل ميزانية الدولة ميزانية قصره، كما كان الشأن في أمراء الشرق في الأزمنة السالفة. والضرائب تجبى أحيانًا على غير نظام، وعند الأمير أن يشتري الماسة، أو يبني قصرًا أو يقتني النساء، خير من أن ينشئ مدرسة أو ملجأ أو مستشفى. ولذلك لا ينسى الهنود الوطنيون مثل نهرو أن يطلبوا إلغاء الإمارات الهندية كما يطلبون إلغاء حكومة الإمبراطورية.
ولسنا نعني أن جميع هؤلاء الأمراء ظلمة، فإن منهم العادل الوطني الذي تجري في عروقه دماء الهنود، وهو يطلب الاستقلال للهند بإخلاص وولاء، ومن هؤلاء مصلحون خدموا شعوبهم وأنفقوا أموالهم في إصلاحهم، ومن الأمراء المصلحين نظام حيدر أباد وأمير بارودا ومهراجة ميسور ومهراجة نبها. فإن هؤلاء الأربعة يعطفون على الحركة الوطنية في الهند ويصرحون بوجوب الاتحاد بين جميع الأقطار الهندية، وهم يعجبون بالوطنيين الهنود، حتى إن أمير بارودا دعا الوطني «بانرجي» لأن يكون رئيس وزارته. وكان هذا الوطني أول زعماء الحركة الوطنية الحاضرة حين ذهب يوقظ الهنود إلى الاستقلال بحجة أن الإنجليز قسموا إقليم بنغال قسمين. وقد رفض بانرجي هذا المركز السامي لاشتغاله بالحركة الوطنية في بنغال التي تأججت منها نار الوطنية في سائر أنحاء الهند. وقد كان «بوز» الذي اشترك في حركة بنغال مفتشًا للتعليم في بارودا. ومن سنوات دعا مهراجة ميسور الزعيم غاندي لكي يكون ضيفًا رسميًّا. وقد «طهر» نام حيدر أباد إدارات الدولة من الموظفين الإنجليز والأجانب وعين في مكانهم هنودًا. ودارت مكاتبات بينه وبين نائب الملك بشأن هذا الموضوع.
ومن الأمراء الوطنيين أمير نبها، فإن الحكومة البريطانية عينته عضوًا في «الجمعية التشريعية» فانضم إلى المعارضة وأصبح الصديق الحميم للوطني «جوكيل». ولم يغفر له الإنجليز هذا المسلك الذي سلكه وخيب به ظنها في الاعتماد على أمراء الهند لإذلال الهنود، فإنها أجبرته بعد ذلك على النزول عن العرش.
ويقول الإنجليز إن الأمراء شكوا إلى الحكومة البريطانية وأعربوا عن مخاوفهم إذا منحت الهند استقلالًا داخليًّا ودستورًا ديمقراطيًّا يضم بين الإمارات المستقلة والهند البريطانية. وهذا لا يستغرب من بعض الأمراء الذين نشئوا نشأة شرقية محضة جعلتهم يكرهون الشعوب التي يحكمونها، ويعتقدون أن الحكم لا يعني غير القصر والجواري والجواهر والفيلة. ولكن الأمراء الذين نشئوا نشأة أوربية وتعلموا في الجامعات الأوربية، وعرفوا السر في تأخر الهند وتقدم أوروبا، يحبون شعوبهم ويعملون للحكم الديمقراطي ويعطفون على الحركة الوطنية.
ويجب ألا ننسى أن قيام الحكم البريطاني إلى جنب هؤلاء الأمراء يفسدهم ويجعلهم يعتمدون على رعايته وحمايته أكثر مما يعتمدون على ولاء الشعب والحرص على حبه. فإذا كان بين هؤلاء الأمراء من يبدو في وطنيته نقص فإن هذا النقص أو بعضه يعزى إلى قيام الحكم الإنجليزي، وإذا زال هذا الحكم فإن من المحقق أن هؤلاء الأمراء يسرعون في الإصغاء إلى صوت شعوبهم.
وحتى مع التسليم بأن حكم الإنجليز أعدل من حكم الهنود يجب ألا ننسى أن نصف الميزانية ينفق على الجيش، وأن جزءًا كبيرًا منها أيضًا ينفق في تسديد الأقساط للديون التي استدانتها الحكومة. وحملة أسهم هذه الديون من الإنجليز، وجميع المناصب العليا والمتوسطة في أيدي الإنجليز. ومع أن للهند البريطانية «جمعية تشريعية» فإن رأيها استشاري.