المرأة الهندية
من الكتب التي ذاعت في أوروبا وأمريكا كتاب ألفته آنسة أمريكية تدعى كاترين مايو وعنوانه «أمنا الهند». وهي تصف في هذا الكتاب المساوئ الاجتماعية التي يعانيها الهنود من تقاليدهم، وغاية الكتاب الدفاع عن الإدارة الإنجليزية، وأن الإنجليز يصلحون البلاد في حين تواجههم عقبات من التقاليد التي توارثها الهنود عن أديانهم، وهي تقاليد تهدم كرامتهم وصحتهم وتبقيهم في الفاقة والضعف.
وقد حنق الهنود على هذا الكتاب، وقالوا في الدفاع عن بلادهم إن هذه المؤلفة مأجورة من الحكومة البريطانية لكي تسوئ سمعة الهنود وتحط من قيمة جهادهم للاستقلال، وألفوا الكتب في الرد على كتابها هذا، وأثبتوا فيه مبالغات تدل على القصد السيئ من إيرادها ونشرها وما هو أن هدأت العاصفة حتى نشرت كتابًا آخر عنوانه «عبيد الآلهة»، والمعنى واضح من هذه التسمية وهو أن الهنود قد استعبدتهم آلهتهم وهم لا يجرءون على الانطلاق من القيود التي قيدتهم بها، وقد جعلته قصصًا تتناول في الأكثر حياة المرأة الهندية.
ومهما قيل عن هذين الكتابين فإن الذي لا مراء فيه أنها تذكر أشياء تقع في الهند، وهي إذا بالغت فلإبراز الصورة فقط، أو هي تعمم أحيانًا حين يكفي التخصيص، فإن الأرملة مثلًا لا تحرق الآن في الهند بوجهٍ عام، ولكن من آنٍ لآخر يقع هذا الإحراق. وبين المنبوذين رجال استطاعوا أن يبرزوا ويبلغوا القمة ولكن منهم من تعد حياته في نظر الهندي كحياة الكلب إن لم نقل كحياة الحشرة.
ومن أحسن ما قاله رجل من أحرار الإنجليز عن هذين الكتابين أنه يجب على الهنود أن يذكروهما وعلى الإنجليز أن ينسوهما. وهو يعني بذلك أن الهند يجب أن تصلح نفسها وأن الإنجليزي يجب ألا يعيب على الهنود هذه العيوب.
وتذكر المؤلفة قصة أرملة تجري عليها محاولة إحراقها بالنار عقب وفاة زوجها، وتجري المحاولة في خفية، ولكن الحكومة تدري بها فتنقذها.
وهكذا الشأن في سائر الكتاب، فإنها تؤلف القصة لكي تضرب بها المثل على سوء النظام الاجتماعي في الهند. وميدان المرأة من الميادين الخصبة عندها، فإن الهند بلاد شرقية وهي والأقطار الشرقية سواء في وضع المرأة في مركز دون الرجل، وقد تكون حالها في الهند أسوأ حال وقعت بها في الشرق. فإنها تحرم هناك من الميراث، ويجوز للرجل أن يتزوج أي عدد شاء من النساء. وواضح أن حرمان المرأة من القيمة الاقتصادية يحرمها أيضًا من القيمة الاجتماعية، وأعتقد أنه لو لم تحرم المرأة الهندية من الميراث لما تجرأ الهنود على إحراقها عقب وفاة زوجها.
ولم تعرف المرأة الهندية النقاب الذي يخفي الوجه، ولكنها عرفت الحجاب، فإنها لا تختلط بالرجال. وهي تعيش في حرمٍ خاص بالنساء، وهذا الحرم يبنى بحيث لا تنفذ إليه أشعة الشمس، ولا يؤذن لها بالخروج إلا قليلًا جدًّا، وأكثر خروجها في الليل، ولذلك يفشو السل بين نساء الطبقات المتوسطة لهذا السبب.
وتكثر أيضًا أمراض الرحم عند الهنديات لسوء الطرق التي تستعمل في الولادة. فإن النفساء تعد نجسة، فهي تنبذ إلى غرفةٍ قذرة نائية من المنزل، ولا تستعمل سوى الملابس القديمة البالية، فتكون النتيجة موت الطفل أو مرضها.
ويضاف إلى هوان المرأة هذا البغاء الذي تجيزه الهندوكية، فإن الأبوين ينذران بنتهما لكي تخدم في المعبد، فإذا بلغت السابعة أو الثامنة حملت إليه، فتصير من هذا السن بغيًّا للكهنة، ثم بعد ذلك لسائر الناس.
ومن العادات السيئة التي توورثت في الهند عن التقاليد أن يعقد زواج الأطفال وهم في الخامسة أو السادسة من العمر، فإن الأم تقعد وعلى حجرها ابنها، وكذلك تفعل أم البنت، ثم يأتي كاهن من البراهمة فيعقد بينهما الزواج. وقد تأخذ الأم ابنتها بعد ذلك أو تتركها بمنزل العريس، فإذا بلغ الاثنان سن المراهقة استهلكا قوتهما في وقت يحتاجان فيه إلى ادخارها، فينشأ الشاب الهندي منهوكًا لا طاقة له على الكد والجهد. وتحمل زوجته وهي بعد في الحادية عشرة أو الثانية عشرة، فيمتص الجنين دمها، ويضنيها بعد أن يولد بالرضاع. ثم هي في هذه السن لا تصلح للأمومة، ولذلك يموت الأطفال في الهند بكثرة مفزعة.
وقد دعت الجمعية التشريعية الحكومة إلى سن قانون يمنع زواج الأطفال، وقد سن هذا القانون، ولكن الجمهور لا يزال يمارس هذا الزواج لأن العقوبة المقررة له هي غرامة غير فادحة، ولذلك لا بد من تربية الجمهور حتى يدرك الأضرار التي تصيب صحة الهنود وقواهم من هذا الزواج.
وفي مثل هذه الظروف يهون شأن المرأة هوانًا عظيمًا. وينشأ الهندي وهو لا يدري معنى للحب بين الجنسين، إذ هو لا يعرف غير الغلمة. كما يهون شأن الأم، فلا تكون للتربية البيتية القيمة التي لها في الأقطار الأوربية.
ومن هنا نعرف السبب لأن زعيمًا كبيرًا مثل غاندي لا يقصر جهوده على الحركة السياسية وطلب الاستقلال، بل يتجاوزهما إلى الحركة الاجتماعية، فيطلب تحرير المرأة ومساواة المنبوذين بسائر الهندوكيين، فإن نكبات الهند الاجتماعية ليست دون نكباتها السياسية بل قد تكون أفظع.