فلما كانت الليلة ٩٧٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجوهري لما أخذ السكين من قمر الزمان عرفها، واستحى أن يقول هذه سكيني، ثم قال له: من أين اشتريتها؟ فأخبره بما أوصته به الصبيَّة. فقال له: هذه بهذا الثمن رخيصة؛ لأنها تساوي خمسمائة دينار. واتقدت النار في قلبه وارتبطت أياديه عن الشغل في صنعته، وصار يتحدَّث معه وهو غريق في بحر الأفكار، وكلما كلَّمه الغلام خمسين كلمة يردُّ عليه بكلمة واحدة، وصار قلبه في عذاب وجسمه في اضطراب، وتكدَّر منه الخاطر وصار كما قال الشاعر:
فلما رآه تغيَّرت حالته قال له: لعلك مشغول في هذه الساعة. ثم قام من عنده وتوجَّهَ إلى البيت بسرعة، فرآها واقفةً في باب السرداب تنتظره، فلما رأته قالت له: هل فعلتَ كما أمرتُك؟ قال: نعم. قالت له: ما قال لك؟ قال لها: قال لي إنها رخيصة بهذا الثمن؛ لأنها تساوي خمسمائة دينار، ولكن تغيَّرت أحواله فقمتُ من عنده ولم أدرِ ما جرى له بعد ذلك. فقالت: هاتِ السكين وما عليك منه. ثم أخذت السكين وحطَّتْها في موضعها وقعدت.
هذا ما كان من أمرها، وأما ما كان من أمر الجوهري فإنه بعد ذهاب قمر الزمان من عنده التهبتْ بقلبه النار، وكثر عنده الوسواس وقال في نفسه: لا بدَّ أن أقوم وأتفقَّد السكين وأقطع الشك باليقين. فقام وأتى البيت ودخل على زوجته وهو ينفخ مثل الثعبان، فقالت له: ما لك يا سيدي؟ فقال لها: أين سكيني؟ قالت: في الصندوق. ثم دقَّتْ صدرها بيدها وقالت: يا همِّي، لعلك تخاصَمْتَ مع أحد فأتيتَ تطلب السكين لتضربه بها! قال لها: هاتي أَرِيني إياها. قالت: حتى تحلف أنك لا تضرب بها أحدًا. فحلف لها، ففتحت الصندوق وأخرجَتْها له، فصار يقلِّبها ويقول: إن هذا شيء عجيب! ثم إنه قال لها: خذيها وحطِّيها في مكانها. قالت له: أخبرني ما سبب ذلك؟ قال لها: إني رأيت مع صاحبنا سكينًا مثلها … وأخبرها بالخبر كله، ثم قال لها: ولما رأيتها في الصندوق قطعتُ الشكَّ باليقين. فقالت له: لعلك ظننتَ بي سوءًا وجعلْتَني صاحبةَ اللاوندي وأعطيتُه السكين؟! فقال لها: نعم، إني شككتُ في هذا الأمر، ولكن لما رأيت السكين ارتفع الشك من قلبي. فقالت له: يا رجل، أنت ما بقي فيك خير. فصار يعتذر إليها حتى أرضاها، ثم خرج وتوجَّه إلى دكانه، وفي ثاني يوم أعطت قمر الزمان ساعة زوجها، وكان صنَعَها بيده، ولم يكن عند أحد مثلها، ثم إنها قالت له: رُحْ إلى دكانه واجلس عنده وقل له: إن الذي رأيته بالأمس رأيته في هذا اليوم وفي يده ساعة، وقال لي: أتشتري هذه الساعة؟ فقلت له: من أين لك هذه الساعة؟ قال: كنت عند صاحبتي فأعطتني إياها. فاشتريتها منه بثمانية وخمسين دينارًا، فانظر هل هي رخيصة بهذا الثمن أو غالية؟ وانظر ما يقول لك، وإذا قمت من عنده فأتني بسرعة وأعطني إياها. فراح إليه قمر الزمان وفعل معه ما أمرته به، فلما رآها الجوهري قال: هذه تساوي سبعمائة دينار! وداخَلَه الهَمُّ، ثم إن الغلام تركه وراح إلى الصبيَّة وأعطاها تلك الساعة، وإذا بزوجها دخل ينفخ وقال لها: أين ساعتي؟ قالت له: ها هي حاضرة. قال لها: هاتيها. فأتت له بها، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فقالت له: يا رجل، ما أنت بلا خبر، فأخبرني بخبرك. فقال لها: ماذا أقول؟ إني تحيَّرت في هذه الحالات. ثم أنشد هذه الأبيات:
ثم قال: يا امرأة، إني رأيت مع التاجر صاحبنا أولًا سكيني، وقد عرفتُها لأنَّ صياغتها اختراع من عقلي، وليس يوجد مثلها، وأخبَرَني بأخبارٍ تغمُّ القلب، وأتيتُ فرأيتها، ورأيت معه الساعة ثانيًا وصياغتها أيضًا اختراع من عقلي، وليس يوجد مثلها في البصرة، وأخبَرَني أيضًا بأخبارٍ تغمُّ القلب، فتحيَّرتُ في عقلي وما بقيتُ أعرف ما جرى لي. فقالت له: مقتضى كلامك أني أنا خليلةُ ذلك التاجر وصاحبته وأعطيته مصالحك وجوَّزت خيانتي، فجئتَ تسألني، ولو كنتَ ما رأيت السكين والساعة عندي كنتَ أثبَتَّ خيانتي! لكن يا رجل، حيث إنك ظننتَ بي هذا الظن ما بقيتُ أُواكِلُك في زادٍ ولا أشارِبُك في ماءٍ بعدَ هذا، فإني كرهتك كراهةَ التحريم. فصار يأخذ بخاطرها حتى أرضاها، ثم خرج وتندَّمَ على مقابلتها بهذا الكلام، وتوجَّهَ إلى دكانه وجلس. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.