فلما كانت الليلة ٩٧٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجوهري لما خرج من عند زوجته صار يتندَّم على هذا الكلام، ثم ذهب إلى الدكان وجلس معه في الدكان، وصار في قلق شديد، وفِكْرٍ ما عليه من مزيد، وهو ما بين مصدِّق ومكذِّب. وعند المساء أتى إلى البيت وحده، ولم يأتِ بقمر الزمان معه، فقالت له الصبية: أين التاجر؟ قال: في منزله. قالت: هل بردتِ الصحبةُ التي بينك وبينه؟ قال: والله إني كرهته مما جرى منه. فقالت له: قم هاتِه من شأن خاطري. فقام ودخل عليه بيته فرأى حوائجه منشورة فيه فعرفها، فاتقدت النار في قلبه وصار يتنهَّد. فقال قمر الزمان: ما لي أراك في فِكْر؟ فاستحى أن يقول له: إن حوائجي عندك! مَن أوصلها إليك؟ وإنما قال له: حصل عندي تشويش، ولكن قم بنا إلى البيت لنتسلَّى هناك. فقال: دَعْني في محلِّي، فلا أروح معك. فحلف عليه وأخذه، ثم تعشَّى معه وسهرا تلك الليلة، وصار يتحدث معه وهو غريق في بحر الأفكار، وإذا تكلَّم الغلام التاجر مائة كلمة يرد عليه الجوهري بكلمة واحدة، ثم دخلت عليهما الجارية بفنجانين على العادة، فلما شربا رقد التاجر ولم يرقد الغلام؛ لأن فنجانه غير مغشوش، ثم دخلت الصبية على قمر الزمان وقالت له: كيف رأيت هذا القرنان الذي هو في غفلته سكران، ولا يعرف مكائد النسوان؟ فلا بد أن أخدعه حتى يطلِّقني، ولكن في غدٍ أتهيأ بهيئة جارية وأروح خلفك إلى الدكان، وقل له: يا معلم، إني دخلت اليوم خان اليسيرجية فرأيت هذه الجارية فاشتريتها بألف دينار. فانظرها لي هل هي رخيصة بهذا الثمن أو غالية؟ ثم اكشف له عن وجهي ونهودي وفرِّجه عليَّ، ثم خذني وارجع بي إلى منزلك، وأنا أدخل بيتي من السرداب حتى أنظر آخر أمرنا معه. ثم إنهما أمضيا ليلتهما على أنس وصفاء ومنادَمة وهراش وبسط وانشراح إلى الصباح، وبعد ذلك ذهبت إلى مكانها وأرسلت الجارية فأيقظتْ سيدها وقمر الزمان، فقاما وصلَّيا الصبح وأفطرا وشربا القهوة وخرج الجوهري إلى دكانه وقمر الزمان دخل بيته، وإذا بالصبيَّة خرجت له من السرداب وهي بصفة جارية، وكان أصلها جارية، ثم توجَّه إلى دكان الجوهري ومشت خلفه، ولم يزل ماشيًا وهي خلفه حتى وصل بها إلى دكان الجوهري، فسلَّم عليه وجلس وقال: يا معلم، إني دخلت اليوم خان اليسيرجية بقصد الفرجة فرأيت هذه الجارية في يد الدلَّال، فأعجبتني فاشتريتها بألف دينار، وقصدي أن تتفرج عليها وتنظرها هل هي رخيصة بهذا الثمن أم لا؟ وكشف له عن وجهها فرآها زوجته وهي لابسة أفخر ملبوسها ومتزينة بأحسن الزينة ومكحلة ومخضَّبة كما كانت تتزين قدامه في بيته، فعرفها حق المعرفة بوجهها وملبوسها وصيغتها؛ لأنه صاغها بيده، ورأى الخواتم التي صاغها جديدًا لقمر الزمان في إصبعها، وتحقَّق عنده أنها زوجته من سائر الجهات. فقال لها: ما اسمك يا جارية؟ قالت: حليمة. وزوجته اسمها حليمة، فذكرت له الاسم بعينه، فتعجَّبَ من ذلك، وقال له: بكم اشتريتها؟ قال: بألف دينار. قال: إنك أخذتها بلا ثمن؛ لأن الألف دينار أقلُّ من ثمن الخواتم وملبسها ومصاغها بلا شيء. فقال له: بشَّرَك الله بالخير، وحيث أعجبتك فأنا أذهب بها إلى بيتي. فقال: افعل مرادك. فأخذها وراح إلى بيته ونزلت من السرداب وقعدت في قصرها.
هذا ما كان من أمرها، وأما ما كان من أمر الجوهري، فإن النار اشتعلت في قلبه، وقال في نفسه: أنا أروح أنظر زوجتي، فإن كانت في البيت تكون هذه الجارية شبيهتها، وجلَّ مَن ليس له شبيه، وإن لم تكن زوجتي في البيت تكون هي من غير شك. ثم إنه قام يجري إلى أن دخل البيت، فرآها قاعدة بملبسها وزينتها التي رآها بها في الدكان، فضرب يدًا على يد وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فقالت له: يا رجل، هل حصل لك جنون؟ أو ما خبرك؟ فما هذه عادتك، لا بد أن يكون لك أمر من الأمور. فقال لها: إذا كان مرادك أن أخبرك فلا تغتَمِّي. فقالت له: قل. قال: التاجر صاحبنا اشترى جارية قدُّها مثل قدِّك، وطولها مثل طولك، واسمها مثل اسمك، وملبسها مثل ملبسك، وهي تشبهك في جميع صفاتك، وفي إصبعها خواتم مثل خواتمك، ومصاغها مثل مصاغك، فلما فرَّجني عليها ظننت أنها أنت، وقد تحيَّرت في أمري، ليتنا ما رأينا هذا التاجر ولا صاحبناه ولا جاء من بلاده ولا عرفناه؛ فإنه كدَّر عيشتي بعد الصفاء، وكان سببًا في الجفاء بعد الوفاء، وأدخَلَ الشك في قلبي. فقالت له: طُلَّ في وجهي لعلي أكون أنا التي كنتُ معه والتاجر صاحبي، وقد تلبَّستُ بصفة جارية واتفقت معه على أن يفرِّجك عليَّ حتى يكيدك. فقال: أي شيء هذا الكلام؟! أنا ما أظن بك أن تفعلي مثل هذه الفعال. وكان ذلك الجوهري مغفَّلًا عن مكايدة النساء وما يفعلْنَ مع الرجال، ولم يسمع بقول مَن قال:
وقول الآخر:
وقول الآخر:
ثم قالت له: ها أنا قاعدة في قصري، ورُحْ أنت إليه في هذه الساعة واطرق الباب واحتَلْ على الدخول عليه بسرعة، فإذا دخلتَ ورأيتَ الجارية عنده تكون جاريته تشبهني، وجلَّ مَن ليس له شبيه، وإنْ لم ترَ الجارية عنده أكون أنا الجارية التي رأيتها معه، ويكون ظنك بي السوء محقَّقًا. فقال: صدقتِ. ثم تركها وخرج، فقامت هي ونزلت من السرداب، وقعدت عند قمر الزمان وأخبرته بذلك، وقالت له: افتح الباب بسرعة وفرِّجْه عليَّ. فبينما هما في الكلام، وإذا بالباب يطرق، فقال: مَن بالباب؟ قال: أنا صاحبك؛ فإنك فرَّجتني على الجارية في السوق وفرحت لك بها، ولكن ما كملت فرحتي بها، فافتح الباب وفرِّجني عليها. قال: لا بأس بذلك. ثم فتح له الباب فرأى زوجته قاعدة، فقامت وقبَّلت يده ويد قمر الزمان، وتفرَّج عليها وتحدَّث معه مدة، فرآها لا تتميز عن زوجته بشيء. فقال: يخلق الله ما يشاء. ثم إنه خرج وكثر في قلبه الوسواس، ورجع إلى بيته فرأى زوجته جالسة؛ لأنها سبقته من السرداب حين خرج من الباب. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.