فلما كانت الليلة ٩٧٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الصبيَّة سبقت زوجها من السرداب حين خرج من الباب، ثم قعدت في قصرها، فلما دخل عليها زوجها، قالت له: أي شيء رأيتَ؟ قال: رأيتها عند سيدها وهي تشبهك. فقالت: توجَّه إلى دكانك وحسبك سوء الظن، فما بقيت تظن بي سوءًا. فقال لها: الأمر كذلك، فلا تؤاخذيني بما صدر مني. قالت: سامحك الله. ثم قبَّلها ذات اليمين وذات الشمال، وراح إلى دكانه، فنزلت من السرداب إلى قمر الزمان ومعها أربعة أكياس، وقالت له: جهِّز حالك لسرعة السفر، واستعِدَّ لتحميل المال بلا إمهال، حتى أفعل لك ما عندي من الحِيَل. فطلع واشترى بغالًا وحمَّل أحمالًا وجهَّز تختروانًا واشترى مماليك وخَدَمًا، وأخرَجَ الجميع من البلد وما بقي له عاقة، وأتى وقال: إني تمَّمت أموري. فقالت له: وأنا الأخرى قد نقلت بقية ماله وجميع ذخائره عندك، وما خلَّيت له قليلًا ولا كثيرًا ينتفع به، وكل هذا محبةً فيك يا حبيب قلبي، فأنا أفديك ألف مرة بزوجي، ولكن ينبغي أن تذهب إليه وتودِّعه وتقول له: أنا أريد السفر بعد ثلاثة أيام، وجئتُ لأودِّعك، فاحسب ما انجمل لك عندي من أجرة البيت حتى أورده لك وتُبرئ ذمتي. وانظر ما يكون من جوابه، وارجع إليَّ وأخبرني، فإني عجزتُ وأنا أحتال عليه وأغيظه لأجل أن يطلِّقني، فما أراه إلا متعلقًا بي، وما بقي لنا أحسن من السفر إلى بلادك. فقال لها: يا حبَّذا، إن صحت الأحلام. ثم راح إلى دكانه وجلس عنده وقال: يا معلم، أنا مسافر بعد ثلاثة أيام، وما جئت إلا لأودعك، والمراد أنك تحسب ما انجمل لك عندي من أجرة البيت حتى أعطيه لك وتُبرئ ذمتي. فقال له: ما هذا الكلام؟ إن فضلك عليَّ، والله ما آخذ منك شيئًا من أجرة البيت، وحلَّت البركات، ولكنك توحشنا بسفرك، ولولا أنه يحرم عليَّ لتعرَّضت لك ومنعتك عن عيالك وبلادك. ثم ودَّعه وتباكَيَا بكاءً شديدًا ما عليه من مزيد، وقفل الدكان من ساعته وقال في نفسه: ينبغي أن أشيِّع صاحبي. وصار كلما راح يقضي حاجة يروح معه، وإذا دخل بيت قمر الزمان يجدها فيه، وتقف بين أيديهما وتخدمهما، وإذا رجع إلى بيته يراها قاعدة هناك. ولم يزل يراها في بيته إذا دخله ويراها في بيت قمر الزمان إذا دخله مدة الثلاثة أيام، ثم إنها قالت له: إني نقلت جميع ما عنده من الذخائر والأموال والفروش، ولم يبقَ عنده إلا الجارية التي تدخل عليكما بالشراب، ولكني لا أقدر على فراقها؛ لأنها قريبتي وعزيزة عندي وكاتمة لسري، ومرادي أن أضربها وأغضب عليها، وإذا أتى زوجي أقول له: أنا ما بقيت أقبل هذه الجارية ولا أقعد أنا وإياها في بيتٍ، فخُذْها وبِعها. فيأخذها ليبيعها، فاشترِها أنت حتى نأخذها معنا. فقال: لا بأس. ثم إنها ضربتها، فلما دخل زوجها رأى الجارية تبكي، فسألها عن سبب بكائها، فقالت: إن سيدتي ضربتني. فدخل وقال: ما فعلتْ هذه الجارية الملعونة حتى ضربتِها؟ فقالت له: يا رجل، إني أقول لك كلمة واحدة، أنا ما بقيت أقدر أن أنظر هذه الجارية، فخُذْها وبِعها، وإلا فطلِّقْني. فقال: أبيعها ولا أخالِف لكِ أمرًا. ثم إنه أخذها معه وهو خارج إلى الدكان، ومرَّ بها على قمر الزمان، وكانت زوجته بعد خروجه بالجارية مرقت من السرداب بسرعة إلى قمر الزمان، فأدخلها في التختروان قبل أن يصل إليه الشيخ الجوهري. فلما وصل إليه ورأى قمر الزمان الجارية معه، قال له: ما هذه؟ قال: جاريتي التي كانت تسقينا الشراب، ولكنها خالفت سيدتها فغضبت عليها وأمرتني أن أبيعها. فقال: إنها حيث بغضتها سيدتها ما بقي لها قعود عندها، ولكن بِعها لي حتى أشمَّ رائحتكَ فيها، وأجعلها خادمة لجاريتي حليمة. فقال: لا بأس، خذها. فقال له: بكم؟ فقال: أنا لا آخذ منك شيئًا؛ لأنك تفضَّلت علينا. فقبِلَها منه وقال للصبيَّة: قبِّلي يد سيدك. فبرزت له من التختروان وقبَّلت يده، ثم ركبت في التختروان وهو ينظر إليها، ثم قال له قمر الزمان: أستودعك الله يا معلم عبيد، أبرئ ذمتي. فقال له: أبرأ الله ذمتك، وحملك بالسلامة إلى عيالك. وودَّعه وتوجَّه إلى دكانه وهو يبكي، وقد عزَّ عليه فراق قمر الزمان؛ لكونه كان رفيقًا له، والرفيق له حق، ولكنه فرح بزوال الوهم الذي حصل عنده من أمر زوجته؛ حيث سافر ولم يتحقَّق ما ظنه في زوجته.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر قمر الزمان، فإن الصبيَّة قالت له: إن أردتَ السلامة فسافِرْ بنا على غير طريق معهودة. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.