فلما كانت الليلة ٩٧٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن قمر الزمان لما قال للمعلم عبيد الجوهري: إني دخلت بلادك عريانًا، وقد كسوتني ولك عليَّ الإحسان الكثير، فأنا أجازيك وأفعل معك كما فعلت معي، بل أكثر من ذلك، فطِبْ نفسًا وقرَّ عينًا. وصار يأخذ بخاطره ومنعه من الكلام لئلا يذكر زوجته وما فعلت معه، ولم يزل يعِظه بمواعظ وأمثال وأشعار ونكت وحكايات وأخبار ويسليه، حتى لحظ الجوهري ما أشار عليه قمر الزمان من الكتمان، فكتم ما عنده وتسلَّى بما سمعه من الأخبار والنوادر، وأنشد قول الشاعر:
ثم إن قمر الزمان ووالده التاجر عبد الرحمن أخذا الجوهري ودخلا به في قاعة الحريم، واختليا به، فقال له التاجر عبد الرحمن: نحن ما منعناك من الكلام إلا خوفًا من الفضيحة في حقك وحقنا، ولكن نحن الآن في خلوة، فأخبرني بما جرى بينك وبين زوجتك وولدي. فأخبره بالقضية من المبتدأ إلى المنتهى، فلما فرغ من قصته، قال له: هل الذنب من زوجتك أو من ولدي؟ قال له: والله إن ولدك ما عنده ذنب؛ لأن الرجال لها الطمع في النساء، والنساء عليهن أن يمتنعن من الرجال، فالعيب عند زوجتي التي خانتني وفعلت معي هذه الفعال. فقام التاجر واختلى بولده وقال له: يا ولدي، إننا اختبرنا زوجته وعرفنا أنها خائنة، ومرادي الآن أن أختبره وأعرف هل هو صاحب عِرْض ومروءة أو هو دَيُّوث؟ فقال له: وكيف ذلك؟ فقال: مرادي أن أحمله على الصلح مع زوجته، فإن رضي بالصلح وسامحها فإني أضربه بالسيف فأقتله، وبعد ذلك أقتلها هي وجاريتها؛ لأنْ لا خيرَ في حياة الدَّيُّوث والزانية، وإن نفر منها فإني أزوِّجه أختك وأعطيه بأكثر من ماله الذي أخذتَه منه. ثم إنه رجع إليه وقال له: يا معلم، إن معاشرة النساء تحتاج إلى طول البال، ومَن كان يهواهن فإنه يحتاج إلى سعة الصدر؛ لأنهن يعربدن في الرجال ويؤذينهم لعزتهن عليهم بالحُسْن والجمال، فيستعظمن أنفسَهن ويستحقرن الرجال، ولا سيما إذا بانت لهن المحبة من بعولهن، فيقابلنهم بالتيه والدلال وكريه الفعال من جميع الجهات، فإن كان الرجل يغضب كلما رأى من زوجته ما يكره فلا يحصل بينه وبينها عشرة، ولا يوافقهن إلا مَن كان واسعَ البال كثيرَ الاحتمال، وإن لم يتحمَّل الرجل زوجته ويقابل إساءتها بالسماح فإنه لا يحصل له في عِشْرتها نجاح، وقد قيل في حقهن: لو كنَّ في السماء لَمالتْ إليهن أعناق الرجال. ومَن قدر وعفى كان أجره على الله. وهذه المرأة زوجتك ورفيقتك، وطالت عشرتها معك، فينبغي أن يكون عندك لها السماح، وهذا في العِشرة من علامات النجاح. والنساء ناقصات عقل ودين، وهي إن أساءت فإنها قد تابت، وإن شاء الله لا ترجع إلى فعل ما كانت تفعله أولًا. فالرأي عندي أنك تصطلح أنت وإياها، وأنا أرد لك أكثر من مالك، وإنْ أقمت عندي فمرحبًا بك وبها، وليس لكما إلا ما يسُرُّكما، وإن كنتَ تطلب التوجُّهَ إلى بلادك فأنا أعطيك ما يرضيك. وها هو التختروان حاضر فركِّب زوجتك وجاريتها فيه وسافر إلى بلادك، والذي يجري بين الرجل وزوجته كثير، فعليك بالتيسير، ولا تسلك سبيل التعسير. فقال الجوهري: يا سيدي، وأين زوجتي؟ فقال له: ها هي في هذا القصر، فاطلع إليها واستوصِ بها من شأني، ولا تشوِّش عليها، فإن ولدي لما جاء بها وطلب زواجها منعته، وحطَطْتُها في هذا القصر وقفلت عليها الباب وقلت في نفسي: ربما يجيء زوجها فأسلِّمها إليه؛ لأنها جميلة الصورة، والتي مثل هذه لا يمكن زوجها أن يفوتها، والذي حسبته حصل والحمد لله تعالى على اجتماعك بزوجتك. وأما من جهة ابني فإني خطبت له وزوَّجته غيرها، وهذه الولائم والضيافات من أجل فرحه، وفي هذه الليلة دُخْلتُه على زوجته. وها هو مفتاح القصر الذي فيه زوجتك، فخُذْه وافتح الباب وادخل على زوجتك وجاريتك وانبسط معها، ويأتيكم الأكل والشرب، ولا تنزل من عندها حتى تشبع منها. فقال له: جزاك الله عني كل خير يا سيدي. ثم أخذ المفتاح وطلع فرحانًا، فظن التاجر أن هذا الكلام أعجبه، وأنه رضي به، فأخذ السيف وتبعه من خلفه بحيث لم يرَه، ثم وقف ينظر ما يحصل بينه وبين زوجته.
هذا ما كان من أمر التاجر عبد الرحمن، وأما ما كان من أمر الجوهري، فإنه دخل على زوجته فرآها تبكي بكاءً شديدًا بسبب أن قمر الزمان تزوَّج بغيرها، ورأى الجارية تقول لها: كم نصحتك يا سيدتي وقلت لك إن هذا الغلام لا ينالك منه خير فاتركي عِشْرته، فما سمعتِ كلامي حتى نهبتِ جميعَ مال زوجك وأعطيتِه له، وبعد ذلك فارقتِ مكانك وتعلَّقتِ في هواه وجئتِ معه في هذه البلاد، وبعد ذلك رماكِ من باله وتزوَّج بغيرك، ثم جعل آخِر تعلُّقِك به الحبس. فقالت لها: اسكتي يا ملعونة، فإنه وإنْ تزوَّجَ بغيري لا بد أن أخطر يومًا على باله، فأنا لا أسلو مسامرته، وأنا على كل حال أتسلَّى بقول مَن قال:
فلا بد أن يتذكَّر عِشْرتي وصُحْبتي ويسأل عني، وأنا لا أرجع عن محبته، ولا أُحوَّل عن هواه ولو متُّ في السجن؛ فإنه حبيبي وطبيبي، وعشمي فيه أن يرجع إليَّ ويعمل معي انبساطًا. فلمَّا سمعها زوجها تقول هذا الكلام دخل عليها وقال لها: يا خائنة، إن عشمك فيه مثل عشم إبليس في الجنة! كل هذه العيوب فيكِ وأنا ما عندي خبر؟! ولو علمتُ أن فيكِ عيبًا من هذه العيوب ما كنتُ قنيتك عندي ساعةً واحدة، ولكن حيث تيقَّنتُ فيك ذلك ينبغي أن أقتلك ولو قتلوني فيكِ يا خائنة. ثم قبض عليها بيدَيْه الاثنتين وأنشَدَ هذين البيتين:
ثم اتَّكَأ على زمارة حلقها وكسرها، فصاحت الجارية: وا سيدتاه! فقال لها: يا عاهرة، العيب كله منك؛ حيث كنتِ تعرفين أن فيها هذه الخصلة ولم تخبريني. ثم قبض على الجارية وخنقها، كل ذلك حصل والتاجر ماسك السيف بيده وهو واقف خلف الباب يسمع بأذنه ويرى بعينه. ثم إن عبيدًا الجوهري لما خنقهما في قصر التاجر كثرت عليه الأوهام، وخاف عاقبة الأمر، وقال في نفسه: إن التاجر إذا علم أني قتلتهما في قصره لا بد أنه يقتلني، ولكن أسأل الله أن يجعل قبض روحي على الإيمان. وصار متحيرًا في أمره ولم يدرِ ماذا يفعل. فبينما هو كذلك، وإذا بالتاجر عبد الرحمن دخل عليه وقال له: لا بأس عليك، إنك تستأهل السلامة، وانظر هذا السيف الذي في يدي، فإني كنتُ ضامرًا على أن أقتلك إن صالحتها ورضيت عليها وأقتل الجارية، وحيث فعلت هذه الفعال فمرحبًا بك، ثم مرحبًا، وما جزاؤك إلا أن أزوِّجك ابنتي أخت قمر الزمان. ثم إنه أخذه ونزل به وأمر بإحضار الغاسلة، وشاع الخبر أن قمر الزمان ابن التاجر عبد الرحمن جاء بجاريتين معه من البصرة فماتتا، فصار الناس يعزُّونه ويقولون له: تعيش رأسك وعوَّض الله عليك. ثم غسَّلوهما وكفَّنوهما ودفنوهما ولم يعرف أحد حقيقة الأمر.
هذا ما كان من أمر عبيد الجوهري وزوجته وجاريته، وأما ما كان من أمر التاجر عبد الرحمن، فإنه أحضر شيخ الإسلام وجميع الأكابر وقال: يا شيخ الإسلام، اكتب كتاب بنتي كوكب الصباح على المعلم عبيد الجوهري، ومهرها قد وصلني بالتمام والكمال. فكتب الكتاب وسقاهم الشربات وجعلوا الفرح واحدًا، وزفُّوا بنت شيخ الإسلام زوجة قمر الزمان وأخته كوكب الصباح زوجة المعلم عبيد الجوهري في تختروان واحد في ليلة واحدة. وفي المساء زفوا قمر الزمان والمعلم عبيدًا سواءً، وأدخلوا قمر الزمان على بنت شيخ الإسلام، وأدخلوا المعلم عبيدًا على بنت التاجر عبد الرحمن، فلما دخل عليها رآها أحسن من زوجته وأجمل منها بألف طبقة، ثم إنه أزال بكارتها، ولما أصبح دخل الحمام مع قمر الزمان، ثم أقام عندهم مدةً في فرح وسرور. وبعد ذلك اشتاق إلى بلاده، فدخل على التاجر عبد الرحمن وقال: يا عمِّ، إني اشتقت إلى بلادي، ولي فيها أملاك وأرزاق، وكنت أقمت فيها صانعًا من صنَّاعي وكيلًا عني، وفي خاطري أن أسافر إلى بلادي لأبيع أملاكي وأرجع إليك، فهل تأذن لي في التوجه إلى بلادي من أجل ذلك؟ فقال له: يا ولدي، قد أذنت لك، ولا لومَ عليك في هذا الكلام، فإن حب الوطن من الإيمان، والذي ما له خير في بلاده ما له خير في بلاد الناس، وربما أنك إذا سافرت بغير زوجتك ودخلت بلادك يطيب لك فيها القعود وتصير متحيرًا بين رجوعك إلى زوجتك وقعودك في بلادك، فالرأي الصواب أن تأخذ زوجتك معك، وبعد ذلك إن شئتَ الرجوع إلينا فارجع أنت وزوجتك، ومرحبًا بك وبها؛ لأننا ناس لا نعرف طلاقًا، ولا تتزوج منا امرأة مرتين، ولا نهجر إنسانًا بطرًا. فقال: يا عمِّ، أخاف أنَّ ابنتك لا ترضى بالسفر معي إلى بلادي. فقال له: يا ولدي، نحن ما عندنا نساء تخالف بعولهن، ولا نعرف امرأةً تغضب على بعلها. فقال له: بارك الله فيكم وفي نسائكم. ثم إنه دخل على زوجته وقال لها: أنا مرادي السفر إلى بلادي فما تقولين؟ قالت: إن أبي لا زال يحكم عليَّ ما دمت بكرًا، وحيث تزوَّجت فقد صار الحكم كله في يد بعلي فإني لا أخالفه. فقال لها: بارك الله فيك وفي أبيك، ورحم الله بطنًا حملك وظهرًا ألقاك. ثم بعد ذلك قطع علائقه وأخذ في أسباب السفر، فأعطاه عمه شيئًا كثيرًا، وودَّعا بعضهما، ثم أخذ زوجته وسافر، ولم يزل مسافرًا حتى دخل البصرة، فخرجت لملاقاته الأقارب والأصحاب وهم يظنون أنه كان في الحجاز، وصار بعض الناس فرحانًا بقدومه وبعضهم مغمومًا لرجوعه إلى البصرة، وقال الناس لبعضهم: إنه يضيِّق علينا في كل جمعة بحسب العادة، ويحبسنا في الجوامع والبيوت وحتى يحبس قططنا وكلابنا.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر ملك البصرة، فإنه لما علم بقدومه غضب عليه وأرسل إليه وأحضره بين يديه، وعنَّفه وقال له: كيف تسافر ولم تُعلمني بسفرك؟ فهل كنتَ عاجزًا عن شيء أعطيه لك لتستعين به على الحج إلى بيت الله الحرام؟ فقال له: العفو يا سيدي، والله ما حججت، ولكن جرى لي كذا وكذا … وأخبره بما جرى له مع زوجته ومع التاجر عبد الرحمن المصري، وكيف زوَّجه ابنته، إلى أن قال له: وقد جئت بها إلى البصرة. فقال له: والله، لولا أني أخاف من الله تعالى لَقتلتُكَ وتزوَّجت بهذه البنت الأصيلة من بعدك، ولو كنتُ أنفِقُ عليها خزائن الأموال؛ لأنها لا تصلح إلا للملوك، ولكن جعلها الله من نصيبك، وبارك لك فيها، فاستوصِ بها خيرًا. ثم إنه أنعم على الجوهري، ونزل من عنده وقعد معها خمس سنوات، وبعد ذلك تُوفي إلى رحمة الله تعالى، فخطبها الملك، فما رضيت وقالت: أيها الملك، أنا ما وجدت في طائفتي امرأة تزوَّجت بعد بعلها، فأنا لا أتزوج أحدًا بعد بعلي، فلا أتزوجك ولو كنت تقتلني. فأرسل يقول لها: هل تطلبين التوجُّهَ إلى بلادك؟ فقالت: إذا فعلتَ خيرًا تُجازَى به. فجمع لها جميع أموال الجوهري، وزادها من عنده على قدر مقامه، ثم أرسل معها وزيرًا من وزرائه مشهورًا بالخير والصلاح، وأرسل معه خمسمائة فارس، فسار بها ذلك الوزير حتى أوصلها إلى أبيها، وأقامت من غير زواج حتى ماتت ومات الجميع. وإذا كانت هذه المرأة ما رضيتْ أن تبدِّل زوجها بعد موته بسلطان، كيف تستوي بمَن تبدِّله في حال حياته بغلام مجهول الأصل والنَّسَب؟ وخصوصًا إذا كان ذلك في السِّفاح وعلى غير طريق سُنَّة النكاح! ومَن ظن أن النساء كلهن سواء، فإن داء جنونه ليس له دواء. فسبحان مَن له الملك والملكوت، وهو الحي الذي لا يموت.
حكاية عبد الله بن فاضل وأخوَيْه
وممَّا يُحكى أيضًا أيها الملك السعيد، أن الخليفة هارون الرشيد تفقَّدَ خراج البلاد يومًا من الأيام، فرأى خراج جميع الأقطار والبلاد جاء إلى بيت المال إلا خراج البصرة، فإنه لم يأتِ في ذلك العام، فنصب ديوانًا لهذا السبب، وقال: عليَّ بالوزير جعفر. فحضر بين يديه، فقال له: إن خراج جميع الأقطار جاء إلى بيت المال إلا خراج البصرة، فإنه لم يأتِ منه شيء. فقال: يا أمير المؤمنين، لعل نائب البصرة حصل له أمر ألهاه عن إرسال الخراج. فقال: إن مدة حضور الخراج عشرون يومًا، فما عذره في هذه المدة حتى لم يرسل الخراج أو يرسل بإقامة العذر؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، إن شئتَ أرسلنا إليه مرسالًا. فقال: أرسِلْ له أبا إسحاق الموصلي النديم. فقال: سمعًا وطاعة لله ولك يا أمير المؤمنين. ثم إن الوزير جعفر نزل إلى داره وأحضر أبا إسحاق الموصلي النديم، وكتب له خطًّا شريفًا، وقال له: امضِ إلى عبد الله بن فاضل نائب مدينة البصرة، وانظر ما الذي ألهاه عن إرسال الخراج، ثم تسلَّمْ منه خراج البصرة بالتمام والكمال، وائتني به سريعًا، فإن الخليفة تفقَّدَ خراجَ الأقطار فوجده قد وصل إلَّا خراج البصرة، وإنْ رأيتَ الخراج غير حاضر واعتذر إليك بعذرٍ فهاتِهِ معك ليخبر الخليفة بالعذر من لسانه. فأجاب بالسمع والطاعة، وأخذ خمسة آلاف فارس من عسكر الوزير وسافر حتى وصل إلى مدينة البصرة، فعلم بقدومه عبد الله بن فاضل، فخرج بعسكره إليه ولاقاه ودخل به البصرة وطلع به قصره، وبقية العسكر نزلوا في الخيام خارج البصرة، وقد عيَّنَ لهم ابن فاضل جميع ما يحتاجون إليه، ولما دخل أبو إسحاق الديوانَ وجلس على الكرسي أجلَسَ عبد الله بن فاضل بجانبه، وجلس الأكابر حوله على قدر مراتبهم، ثم بعد السلام قال له ابن فاضل: يا سيدي، هل لقدومك علينا من سبب؟ قال: نعم، إنما جئتُ لطلب الخراج، فإن الخليفة سأل عنه، ومُدة وروده قد مضت. فقال: يا سيدي، يا ليتك ما تعبتَ ولا تحمَّلتَ مشقة السفر، فإن الخراج حاضر بالتمام والكمال، وقد كنت عازمًا على أن أرسله في غد، ولكن حيث أتيت فأنا أسلِّمه إليك بعد ضيافتك ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع أُحضِر الخراج بين يديك، ولكن وجب علينا الآن أننا نقدِّم إليك هدية من بعض خيرك وخير أمير المؤمنين. فقال له: لا بأس بذلك. ثم إنه فضَّ الديوان ودخل به قصرًا في داره ليس له نظير، ثم قدَّم له ولأصحابه سفرة الطعام، فأكلوا وشربوا وتلذَّذوا وطربوا، ثم رُفِعت المائدة وغُسِلت الأيادي وجاءت القهوة والشربات، وقعدوا في المنادَمة إلى ثلث الليل، ثم فرشوا له سريرًا من العاج مرصَّعًا بالذهب الوهَّاج، فنام عليه ونام نائب البصرة على سرير آخَر بجانبه، فغلب السهر على أبي إسحاق رسول أمير المؤمنين، وصار يفكِّر في بحور الشعر والنظَّام؛ لأنه من خواص ندماء الخليفة، وكان له باع عظيم في الأشعار ولطائف الأخبار، ولم يزل سهرانًا في إنشاء الشعر إلى نصف الليل، فبينما هو كذلك، وإذا بعبد الله بن فاضل قام وشدَّ حزامه وفتح دولابًا، وأخذ منه سوطًا، وأخذ شمعةً مضيئة وخرج من باب القصر وهو يظن أن أبا إسحاق نائم. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.