فلما كانت الليلة ٩٩٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن خادم هذا الخاتم لما أخبر معروفًا بأحواله قال له معروف: ما اسمك؟ قال: اسمي أبو السعادات. فقال له: يا أبا السعادات، ما هذا المكان؟ ومَن أرصدك في هذه العلبة؟ قال له: يا سيدي، هذا المكان كنزٌ يقال له كنز شداد بن عاد الذي عمَّر إرم ذات العماد، التي لم يُخلَق مِثلُها في البلاد، وأنا كنت خادمه في حياته، وهذا خاتمه، وقد وضعه في كنزه، ولكنه نصيبك. فقال له معروف: هل تقدر أن تخرج ما في هذا الكنز على وجه الأرض؟ قال: نعم، أسهل ما يكون. قال: أخرج جميع ما فيه ولا تُبقِ منه شيئًا. فأشار بيده إلى الأرض فانشقَّت، ثم نزل وغاب مدةً لطيفةً، وإذا بغلمانٍ صغارٍ ظرافٍ بوجوهٍ حسانٍ قد خرجوا وهم حاملون مشنَّاتٍ من الذهب، وتلك المشنَّات ممتلئة ذهبًا، وفرَّغوها ثم راحوا وجاءوا بغيرها، ولا زالوا ينقلون من الذهب والجواهر، فلم تمضِ ساعة حتى قالوا: ما بقي في الكنز شيءٌ. ثم طلع له أبو السعادات وقال له: يا سيدي، قد رأيت أن جميع ما في الكنز قد نقلناه. فقال له: ما هذه الأولاد الحسان؟ قال: هؤلاء أولادي؛ لأن هذه الشغلة لا تستحق أن أجمع لها الأعوان، وأولادي قضوا حاجتك وتشرَّفوا بخدمتك، فاطلب ما تريد غير هذا. قال له: هل تقدر أن تجيء لي ببغالٍ وصناديقٍ وتحطَّ هذه الأموال في الصناديق وتحمِّل الصناديق على البغال؟ قال: هذا أسهل ما يكون. ثم إنه زعق زعقةً عظيمةً فحضر أولاده بين يديه، وكانوا ثمانمائة. فقال لهم: لينقلب بعضكم في صورة البغال، وبعضكم في صورة المماليك الحسان الذين أقل مَن فيهم لا يوجد مثله عند ملك من الملوك، وبعضكم في صورة المكارية، وبعضكم في صورة الخدَّامين. ففعلوا كما أمرهم، ثم صاح على الأعوان فحضروا بين يديه، فأمرهم أن ينقلب بعضهم في صورة الخيل المسرجة بسروج الذهب المرصَّع بالجواهر. فلما رأى معروف ذلك قال: أين الصناديق؟ فأحضروهم بين يديه. قال: عبُّوا الذهب والمعادن كل صنفٍ وحده. فعبوها وحمَّلوها على ثلاثمائة بغلٍ، فقال معروف: يا أبا السعادات، هل تقدر أن تجيء لي بأحمالٍ من نفيس القماش؟ قال: أتريدها قماشًا مصريًّا أو شاميًّا أو عجميًّا أو هنديًّا أو روميًّا؟ قال: هاتِ من قماش كل بلد مائة حملٍ على مائة بغلٍ. قال: يا سيدي، أعطني مهلةً حتى أرتِّب أعواني لذلك وآمر كل طائفةٍ أن تروح إلى بلدٍ لتجيء بمائة حملٍ من قماشها وينقلب الأعوان في صورة البغال ويأتون حاملين البضائع. قال: ما قدر زمن المهلة؟ قال: مدة سواد الليل، فلا يطلع النهار إلا وعندك جميع ما تريد. قال: أمهلتك هذه المدة. ثم إنه أمرهم أن ينصبوا له خيمةً، فنصبوها وجلس وجاءوا له بسماطٍ، وقال له أبو السعادات: يا سيدي، اجلس في الخيمة، وهؤلاء أولادي بين يديك يحرسونك، ولا تخشَ من شيء، وأنا رايح أجمع أعواني وأبعثهم ليقضوا حاجتك.
ثم ذهب أبو السعادات إلى حال سبيله، وجلس معروف في الخيمة والسماط قدامه وأولاد أبي السعادات بين يديه في صورة المماليك والخدم والحشم. فبينما هو جالسٌ على تلك الحالة، وإذا بالرجل الفلاح أقبل وهو حاملٌ قصعةَ عدسٍ كبيرةٍ، ومخلاةً ممتلئةً شعيرًا، فرأى الخيمة منصوبة والمماليك واقفةٌ وأيديهم على صدورهم، فظنَّ أنه السلطان أتى ونزل في ذلك المكان، فوقف باهتًا وقال في نفسه: يا ليتني كنت ذبحت فرختين وحمَّرتهما بالسمن البقري من شأن السلطان. وأراد أن يرجع ليذبح فرختين يضيِّف بهما السلطان، فرآه معروف فزعق عليه، وقال للمماليك: هاتوه. فحملوه هو وقصعة العدس وأتوا بهما قدامه، فقال له: ما هذا؟ قال: هذا غداؤك وعليق حصانك، فلا تؤاخذني؛ فإني ما كنتُ أظن أن السلطان يأتي إلى هذا المكان، ولو علمت بذلك كنتَ ذبحت له فرختين وضيَّفتُه ضيافةً مليحةً. فقال معروف: إن السلطان لم يجئ، وإنما أنا نسيبه، وكنت مغبونًا منه، وقد أرسل إليَّ مماليكه فصالحوني، وأنا الآن أريد أن أرجع إلى المدينة، وأنت قد عملت لي هذه الضيافة على غير معرفةٍ، وضيافتك مقبولة ولو كانت عدسًا، فأنا ما آكل إلا من ضيافتك. ثم أمره بوضع القصعة في وسط السماط، وأكل منها حتى اكتفى، وأما الفلاح فإنه ملأ بطنه من تلك الألوان الفاخرة، ثم إن معروفًا غسل يديه وأذن للمماليك في الأكل، فنزلوا على بقية السماط وأكلوا، ولما فرغت القصعة ملأها له ذهبًا وقال له: أوصلها إلى منزلك وتعالَ عندي في المدينة وأنا أكرمك. فأخذ القصعة ملآنةً ذهبًا، وساق الثيران وذهب إلى بلده وهو يظن أنه نسيب الملك. وبات معروفًا تلك الليلة في أنسٍ وصفاءٍ، وجاءوا له ببناتٍ من عرائس الكنوز، فدقوا الآلات ورقصوا قدامه، وقضى ليلته وكانت لا تُعَد من الأعمار.
فلما أصبح الصباح لم يشعر إلا والغبار قد علا وطار وانكشف عن بغالٍ حاملةٍ أحمالًا، وهي سبعمائة بغلٍ حاملة أقمشة وحولها غلمانٌ مكاريةٌ وعكامةٌ وضوية، وأبو السعادات راكبٌ على بغلةٍ وهو في صورة مقدِّم الحملة، وقدامه تختروان له أربعة عساكر من الذهب الأحمر الوهَّاج مرصَّعة بالجواهر. فلما وصل إلى الخيمة نزل من فوق ظهر البغلة وقبَّل الأرض وقال: يا سيدي، إن الحاجة قُضِيت بالتمام والكمال، وهذا التختروان فيه بدلة كنوزية لا مثلَ لها من ملابس الملوك، فالبسها واركب في التختروان وأمرنا بما تريد. فقال له: يا أبا السعادات، مرادي أن أكتب لك كتابًا تروح به إلى مدينة خيتان الختن، وتدخل على عمي الملك، ولا تدخل عليه إلا في صورة ساعٍ أنيسٍ. فقال له: سمعًا وطاعةً. فكتب كتابًا وختمه، فأخذه أبو السعادات وذهب به حتى دخل على الملك، فرآه يقول: يا وزير، إن قلبي على نسيبي وأخاف أن تقتله العرب، يا ليتني كنت أعرف أين يذهب حتى كنت أتبعه بالعسكر، ويا ليته كان أخبرني بذلك قبل الذهاب. فقال له الوزير: الله يلطف بك على هذه الغفلة التي أنت فيها، وحياة رأسك إن الرجل عرف أننا انتبهنا له فخاف من الفضيحة وهرب، وما هو إلا كذَّابٌ نصَّابٌ. وإذا بالساعي داخلٌ، فقبَّل الأرض بين يدي الملك ودعا له بدوام العز والنِّعَم والبقاء، فقال له الملك: مَن أنت؟ وما حاجتك؟ فقال له: أنا ساعٍ أرسلني إليك نسيبك، وهو مُقبِل بالحملة، وقد أرسل إليك معي كتابًا، وها هو. فأخذه وقرأه فرأى فيه: «بعد مزيد السلام على عمنا الملك العزيز، فإني جئتُ بالحملة، فاطلع وقابلني بالعسكر.» فقال الملك: سوَّدَ الله وجهك يا وزير! كم تقدح في عرض نسيبي وتجعله كذابًا نصابًا، وقد أتى بالحملة، فما أنت إلا خائنٌ. فأطرق الوزير رأسه على الأرض حياءً وخجلًا وقال: يا ملك الزمان، أنا ما قلت هذا الكلام إلا لطول غياب الحملة، وكنت خائفًا على ضياع المال الذي صرفه. فقال: يا خائن، أي شيءٍ أموالي حيثما أتت حملته؟ فإنه يعطيني عوضًا عنها شيئًا كثيرًا. ثم أمر الملك بزينة المدينة، ودخل على بنته وقال لها: لكِ البشارة، إن زوجك عن قريبٍ يجيء بحملته، وقد أرسل إليَّ مكتوبًا بذلك، وها أنا طالعٌ لملاقاته. فتعجَّبت البنت من هذه الحالة وقالت في نفسها: إن هذا شيءٌ عجيبٌ! هل كان يهزأ بي ويتمسخر عليَّ أو كان يختبرني حين أخبرني بأنه فقيرٌ؟ ولكن الحمد لله حيث لم يقع مني تقصير في حقه.
هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر التاجر علي المصري، فإنه لمَّا رأى الزينة سأل عن سبب ذلك فقالوا له: إن التاجر معروفًا نسيب الملك قد أتت حملته. فقال: الله أكبر! ما هذه الداهية؟ إنه قد أتاني هاربًا من زوجته، وكان فقيرًا! فمن أين جاءت له حملة؟ ولكن لعل بنت الملك دبَّرت له حيلةً خوفًا من الفضيحة، والملوك لا تعجز عن شيء، فالله تعالى يستره ولا يفضحه. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.