فلما كانت الليلة ٩٩٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن التاجر عليًّا لما سأل عن الزينة أخبروه بحقيقة الحال، فدعا له وقال: الله يستره ولا يفضحه. وسائر التجار فرحوا وانسرُّوا لأجل أخذ أموالهم. ثم إن الملك جمع العسكر وطلع، وكان أبو السعادات قد رجع إلى معروفٍ وأخبره بأنه بلَّغ الرسالة. فقال معروف: حمِّلوا. فحمَّلوا ولبس البدلة الكنوزية وركب في التختروان، وصار أعظم وأهيب من الملك بألف مرةٍ، ومشى إلى نصف الطريق، وإذا بالملك قابله بالعسكر، فلما وصل إليه رآه لابسًا تلك البدلة وراكبًا في التختروان، فرمى روحه عليه وسلَّم عليه وحيَّاه بالسلام، وجميع أكابر الدولة سلَّموا عليه، وبان أن معروفًا صادق ولا كذب عنده، ودخل المدينة بموكبٍ يفقع مرارة الأسد، وسعت إليه التجار وقبَّلوا الأرض بين يديه. ثم إن التاجر عليًّا قال: قد عملت هذه العملة وطلعت بيدك يا شيخ النصابين، ولكن تستأهل، فالله تعالى يزيدك من فضله. فضحك معروف، ولما دخل السراية قعد على الكرسي وقال: أدخلوا أحمال الذهب في خزانة عمي الملك، وهاتوا أحمال الأقمشة فقدِّموها له. وصاروا يفتحونها حملًا بعد حملٍ، ويخرجون ما فيها حتى فتحوا السبعمائة حمل، فنقَّى أطيبها وقال: أدخلوه للملكة لتفرِّقه على جواريها، وخذوا هذا صندوق الجواهر وأدخلوه لها لتفرِّقه على الجواري والخدم. وصار يعطي التجار الذين لهم عليه دينٌ من الأقمشة في نظير ديونهم، والذي له ألف يعطيه قماشًا يساوي ألفين أو أكثر، وبعد ذلك صار يفرِّق على الفقراء والمساكين، والملك ينظر بعينه ولا يقدر أن يعترض عليه. ولم يزل يعطي ويهب حتى فرَّق السبعمائة حمل، ثم التفت إلى العسكر وجعل يفرِّق عليهم معادن وزمردًا ويواقيت ولؤلؤًا ومرجانًا وغير ذلك، وصار لا يعطي الجواهر إلا بالكبش من غير عددٍ. فقال له الملك: يا ولدي، يكفي هذا العطاء؛ لأنه لم يبقَ من الحملة إلا القليل. فقال له: عندي كثيرٌ. واشتهر صدقه، وما بقي أحد يقدر أن يكذبه، وصار لا يبالي بالعطاء؛ لأن الخادم يحضر له مهما طلب. ثم إن الخازندار أتى للملك وقال: يا ملك الزمان، إن الخزنة امتلأت وصارت لا تسع بقية الأحمال، وما بقي من الذهب والمعادن أين نضعه؟ فأشار له إلى مكانٍ آخر. ولما رأت زوجته هذه الحالة ازداد فرحها، وصارت متعجبةً وتقول في نفسها: يا هل ترى من أين جاء له كل هذا الخير؟ وكذلك التجار فرحوا بما أعطاهم ودعوا له. وأما التاجر علي فإنه صار متعجبًا ويقول في نفسه: يا ترى كيف نصب وكذب حتى ملك هذه الخزائن كلها؟ فإنها لو كانت من عند بنت الملك ما كان يفرِّقها على الفقراء، ولكن ما أحسن قول من قال:
هذا ما كان من أمره، وأمَّا ما كان من أمر الملك، فإنه تعجَّبَ غايةَ العجب مما رأى من معروف، ومن كرمه وسخائه ببذل المال، ثم بعد ذلك دخل معروف على زوجته، فقابلَتْه وهي متبسِّمةٌ ضاحكةٌ فرحانةٌ، وقبَّلت يده وقالت: هل كنتَ تتمسخر عليَّ أو كنتَ تجرِّبني بقولك أنا فقيرٌ وهاربٌ من زوجتي؟ والحمد لله حيث لم يقع مني في حقك تقصيرٌ، وأنت حبيبي، وما عندي أعز منك؛ سواءٌ كنتَ غنيًّا أو فقيرًا، وأريد أن تخبرني ما قصدتَ بهذا الكلام؟ قال: أردت تجريبك حتى أنظر هل محبتك خالصةٌ أو على شأن المال وطمع الدنيا، فظهر لي أن محبتك خالصةٌ، وحيث كنتِ صادقة في المحبة فمرحبًا بك، وقد عرفت قيمتك. ثم إنه اختلى في مكان وحده ودعك الخاتم، فحضر له أبو السعادات وقال له: لبيك، فاطلب ما تريد. قال: أريد منك بدلةً كنوزية لزوجتي، وحليًّا كنوزيًّا مشتملًا على عقد فيه أربعون جوهرةً يتيمةً. قال: سمعًا وطاعةً. ثم أحضر له ما أمره به، فحمل البدلة والحلي بعد أن صرف الخادم، ثم دخل على زوجته ووضعهما بين يديها وقال لها: خذي والبسي، فمرحبًا بكِ. فلما نظرت إلى ذلك طار عقلها من فرحتها، ورأت من جملة الحلي خلخالين من الذهب مرصَّعين بالجواهر صنعة الكهنة، وأساور وحلقًا وخزامًا لا يتقوَّم بثمنها أموال، فلبست البدلة والحلي، ثم قالت: يا سيدي، مرادي أن أدَّخِرها للمواسم والأعياد. قال: البسيها دائمًا، فإن عندي غيرها كثيرًا. فلما لبستها ونظرها الجواري فرحن وقبَّلن يديه، فتركهنَّ واختلى بنفسه، ثم دعك الخاتم فحضر له الخادم، فقال له: هاتِ مائة بدلةٍ بمصاغها. فقال: سمعًا وطاعةً. ثم أحضر له البدلات، وكل بدلةٍ مصاغها في قلبها، فأخذها وزعق على الجواري، فأتين إليه، فأعطى كل واحدةٍ بدلةً، فلبسن البدلات وصرن مثل الحور العين، وصارت الملكة بينهن مثل القمر بين النجوم، ثم إن بعض الجواري أخبر الملك بذلك، فدخل الملك على ابنته فرآها تدهش مَن رآها هي وجواريها، فتعجَّب من ذلك غاية العجب، ثم خرج وأحضر وزيره وقال له: يا وزير، إنه حصل كذا وكذا، فما تقول في هذا الأمر؟ قال: يا ملك الزمان، إن هذه الحالة لا تقع من التجَّار؛ لأن التاجر تقعد عنده القطع الكتان سنين ولا يبيعها إلا بمكسب، فمن أين للتجار كرم مثل هذا الكرم؟ ومن أين لهم أن يحوزوا مثل هذه الأموال والجواهر التي لا يوجد منها عند الملوك إلا قليل؟ فكيف يوجد عند التجار منها أحمال؟ فهذا لا بد له من سبب، ولكن إن طاوعتني أُبيِّن لك حقيقة الأمر. فقال له: أطاوعك يا وزير. فقال له: اجتمِعْ عليه ووادِدْه وتحدَّث معه وقل له: يا نسيبي، في خاطري أن أروح أنا وأنت والوزير من غير زيادة بستانًا لأجل النزهة؛ فإذا خرجنا إلى بستان نحطُّ سفرة المدام، واغصب عليه واسقِهِ، ومتى شرب المدام ضاع عقله وغاب رشده، فنسأله عن حقيقة أمره، فإنه يخبرنا بأسراره، والمدام فضَّاح، ولله درُّ مَن قال:
ومتى أخبرنا بحقيقة الأمر فإننا نطَّلع على حاله ونفعل به ما نحب ونختار، فإن الحالة التي هو فيها أخشى عليك من عواقبها؛ فربما تطمع نفسه في المُلك، فيشتمل العسكر بالكرم وبذل المال، ويعزلك ويأخذ المُلك منك. فقال له الملك: صدقتَ. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.