فلما كانت الليلة ٩٩٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الخادم أخذ معروفًا ورماه في الربع الخراب ورجع وخلاه. هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر الوزير، فإنه لما ملك الخاتم قال للملك: كيف رأيتَ؟ أَمَا قلتُ لك إن هذا كذَّابٌ نصَّابٌ فما كنتَ تصدقني؟ فقال له: الحق معك يا وزيري، الله يعطيك العافية، هاتِ هذا الخاتم حتى أتفرَّج عليه. فالتفت الوزير بالغضب وبصق في وجهه وقال له: يا قليل العقل، كيف أعطيه لك وأبقى خدَّامك بعد أن صرتُ سيدك؟ ولكن أنا ما بقيت أبقيك. ثم دعك الخاتم فحضر الخادم، فقال له: احمل هذا القليل الأدب وارمِهِ في المكان الذي رميتَ فيه نسيبَه النصَّاب. فحمله وطار به، فقال له الملك: يا مخلوق ربي، أي شيءٍ ذنبي؟ فقال له الخادم: لا أدري، وإنما أمرني سيدي بذلك، وأنا لا أقدر أن أخالف مَن ملكَ خاتمَ هذا الرصد. ولم يزل طائرًا به حتى رماه في المكان الذي فيه معروف، ثم رجع وتركه هناك. فسمع معروفًا يبكي، فأتى له وأخبره وقعدا يبكيان على ما أصابهما، ولم يجدا أكلًا ولا شربًا.
هذا ما كان من أمرهما، وأما ما كان من أمر الوزير، فإنه بعدما شتَّتَ معروفًا والملك قام وخرج من البستان، وأرسَلَ إلى جميع العسكر وعمل ديوانًا وأخبَرَهم بما فعل مع معروف والملك، وأخبرهم بقصة الخاتم وقال لهم: إن لم تجعلوني عليكم سلطانًا أمرتُ خادم الخاتم أن يحملكم جميعًا ويرميكم في الربع الخراب فتموتوا جوعًا وعطشًا. فقالوا له: لا تفعل معنا ضررًا؛ فإننا قد رضينا بك علينا سلطانًا، ولا نعصي لك أمرًا. ثم إنهم اتفقوا على سلطنته عليهم قهرًا عنهم، وخلع عليهم الخلع، وصار يطلب من أبي السعادات كل ما أراده فيُحضِره بين يديه في الحال. ثم إنه جلس على الكرسي وأطاعه العسكر، وأرسل إلى بنت الملك يقول لها: حضِّري روحك؛ فإني داخلٌ عليك في هذه الليلة؛ لأني مشتاقٌ إليك. فبكت وصعب عليها أبوها وزوجها، ثم إنها أرسلت تقول له: أمهلني حتى تنقضي العدَّة، ثم اكتب كتابي وادخل عليَّ في الحلال. فأرسَلَ يقول لها: أنا لا أعرف عدَّة ولا طول مدَّة، ولا أحتاج إلى كتاب، ولا أعرف حلالًا من حرام، ولا بد من دخولي عليك في هذه الليلة. فأرسلتْ تقول له: مرحبًا بك، ولا بأس بذلك. وكان ذلك مكرًا منها، فلما رجع له الجواب فرح وانشرح صدره؛ لأنه كان مغرَمًا بحبها، ثم إنه أمر بوضع الأطعمة بين جميع الناس وقال: كلوا هذا الطعام؛ فإنه وليمة الفرح، فإني أريد الدخول على الملكة في هذه الليلة. فقال شيخ الإسلام: لا يحلُّ لك الدخول عليها حتى تنقضي عدَّتها وتكتب كتابك عليها. فقال له: أنا لا أعرف عدَّة ولا مدَّة، فلا تُكثِر عليَّ كلامًا. فسكت شيخ الإسلام وخاف من شره، وقال للعسكر: إن هذا كافرٌ ولا دين له ولا مذهب له. فلما جاء المساء دخل عليها فرآها لابسة أفخر ما عندها من الثياب، ومزيَّنة بأحسن الزينة، فلما رأته قابلته وهي ضاحكة وقالت له: ليلة مباركة، ولو كنتَ قتلتَ أبي وزوجي لَكان أحسن عندي. فقال لها: لا بد أن أقتلهما. فأجلسَتْه وصارت تمازحه وتظهر له الوداد، فلما لاطفَتْه وتبسَّمت في وجهه طار عقله، وإنما خادعته بالملاطَفة حتى تظفر بالخاتم وتبدِّل فرحه بالنكد على أم ناصيته، وما فعلت معه هذه الفعال إلا على رأي مَن قال:
فلمَّا رأى الملاطَفة والابتسام هاج عليه الغرام وطلب منها الوصال، فلما دنا منها تباعَدت عنه وبكت وقالت: يا سيدي، أَمَا ترى الرجل الناظر إلينا؟ بالله عليك أن تسترني عن عينه، فكيف تواصلني وهو ينظر إلينا؟ فاغتاظ وقال: أين الرجل؟ قالت: ها هو في فص الخاتم يطلع رأسه وينظر إلينا. فظنَّ أن خادم الخاتم ينظر إليهما، فضحك وقال: لا تخافي، إن هذا خادم الخاتم، وهو تحت طاعتي. قالت: أنا أخاف من العفاريت، فاقلعه وارمِهِ بعيدًا عني. فقلعه وحطَّه على المخدة، ودنا منها فرفسَتْه برِجْلها في قلبه، فانقلب على قفاه مغشيًّا عليه، وزعقت على أتباعها فأتوها بسرعةٍ، فقالت: أمسكوه. فقبض عليه أربعون جارية، وعجَّلت بأخذ الخاتم من فوق المخدة ودعكته، وإذا بأبي السعادات أقبَلَ يقول: لبيكِ يا سيدتي. فقالت: احمل هذا الكافر وضعه في السجن، وثقِّل قيوده. فأخذه وسجنه في سجن الغضب ورجع وقال لها: قد سجنته. فقالت له: أين ذهبت بأبي وزوجي؟ قال: رميتهما في الربع الخراب. قالت: أمرتُك أن تأتيني بهما في هذه الساعة. فقال: سمعًا وطاعةً. ثم طار من قدامها. ولم يزل طائرًا إلى أن وصل إلى الربع الخراب ونزل عليهما فرآهما قاعدَيْن يبكيان ويشكوان لبعضهما، فقال لهما: لا تخافا، قد أتاكما الفرج. وأخبرهما بما فعل الوزير، وقال لهما: إني قد سجنتُه بيدي طاعةً لها، ثم أمرتني بإرجاعكما. ففرحا بخبره، ثم حملهما وطار بهما، فما كان غير ساعة حتى دخل بهما على بنت الملك، فقامت وسلَّمتْ على أبيها وزوجها وأجلستهما وقدَّمت لهما الطعام والحلوى، وباتا بقية الليلة. وفي ثاني يومٍ ألبسَتْ أباها بدلةً فاخرة، وألبسَتْ زوجها بدلةً فاخرة، وقالت: يا أبتِ، اقعدْ أنتَ على كرسيك ملِكًا على ما كنتَ عليه أولًا، واجعل زوجي وزيرَ ميمنة عندك، وأخبر عسكرك بما جرى، وهات الوزير من السجن واقتله، ثم احرقه؛ فإنه كافرٌ وأراد أن يدخل عليَّ سفاحًا من غير نكاح، وشهد على نفسه أنه كافر، وليس له دين يتديَّن به، واستوصِ بنسيبك الذي جعلته وزيرَ ميمنةٍ عندك. فقال لها: سمعًا وطاعةً يا بنتي، ولكن أعطيني الخاتم أو أعطيه لزوجك. فقالت: إنه لا يصلح لك ولا له، وإنما الخاتم يكون عندي، وربما أحميه أكثر منكما، ومهما أردتماه فاطلباه مني وأنا أطلب لكما من خادم الخاتم، ولا تخشيا بأسًا ما دمتُ أنا طيبة، وبعد موتي فشأنكما والخاتم. فقال أبوها: هذا هو الرأي الصواب يا بنتي. ثم أخذ نسيبه وطلع إلى الديوان، وكان العسكر قد باتوا في كربٍ عظيمٍ بسبب بنت الملك وما فعل معها الوزير من أنه دخل عليها سفاحًا من غير نكاح، وأساء الملك ونسيبه، وخافوا أن تُنتهَك شريعة الإسلام؛ لأنه بان لهم أنه كافرٌ. ثم اجتمعوا في الديوان وصاروا يعنِّفون شيخ الإسلام ويقولون له: لماذا لم تمنعه من الدخول على الملكة سفاحًا؟ فقال لهم: يا ناس، إن الرجل كافرٌ وصار مالكًا للخاتم، وأنا وأنتم لا يخرج من أيدينا في حقة شيء، فالله تعالى يجازيه بفعله، واسكتوا أنتم لئلا يقتلكم. فبينما العساكر مجتمعون في الديوان يتحدثون في هذا الكلام، وإذا بالملك دخل عليهم في الديوان ومعه نسيبه معروف. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.