فلما كانت الليلة ١٠٠١
ذهب الملك إلى حريمه، ودخل على زوجته شهرزاد بنت الوزير، فقالت لها أختها دنيازاد: أتممي لنا حكاية معروف. فقالت: حبًّا وكرامة، إنْ أذِنَ لي الملك بالحديث. فقال لها: قد أذِنْتُ لكِ بالحديث؛ لأنني متشوِّق إلى سماع بقيتها. قالت: بلغني أيها الملك، أن معروفًا صار لا يعتني بزوجته من أجل النكاح، وإنما كان يُطعِمها احتسابًا لوجه الله تعالى، فلما رأته ممتنعًا عن وصالها ومشتغلًا بغيرها، بغضته وغلبتْ عليها الغيرة، ووسوس لها إبليس أنها تأخذ الخاتم منه وتقتله وتعمل ملكة مكانه. ثم إنها خرجت ذات ليلة من الليالي ومشت من قصرها متوجِّهةً إلى القصر الذي فيه زوجها الملك معروف، واتفق بالأمر المقدَّر والقضاء المسطَّر أن معروفًا كان راقدًا مع محظية من محاظيه ذات حُسْنٍ وجمال، وقَدٍّ واعتدال، ومن حُسْن تَقْواه كان يقلع الخاتم من إصبعه إذا أراد أن يجامع؛ احترامًا للأسماء الشريفة التي هي مكتوبة عليه، فلا يلبسه إلا على طهارة. وكانت زوجته فاطمة العرَّة لم تخرج من موضعها إلا بعد أن أحاطت علمًا بأنه إذا جامَعَ يقلع الخاتم ويجعله على المخدة حتى يتطهر. وكان من عادته أنه متى جامَعَ يأمر المحظية أن تذهب من عنده خوفًا على الخاتم، وإذا دخل الحمام يقفل باب القصر حتى يرجع من الحمام ويأخذ الخاتم ويلبسه، وبعد ذلك كل مَن دخل القصر لا حرجَ عليه، وكانت تعرف هذا الأمر كله، فخرجت بالليل لأجل أن تدخل عليه في القصر وهو مستغرقٌ في النوم وتسرق هذا الخاتم، بحيث لا يراها. فلمَّا خرجت كان ابن الملك في هذه الساعة قد دخل بيت الراحة ليقضي حاجةً من غير نور، فقعد في الظلام على ملاقي بيت الراحة، وترك الباب مفتوحًا عليه. فلما خرجت من قصرها رآها مجتهدة في المشي إلى جهة قصر أبيه. فقال في نفسه: يا هل تُرَى لأي شيءٍ خرجت هذه الكاهنة من قصرها في جُنح الظلام وأراها متوجِّهةً إلى قصر أبي؟ فهذا الأمر لا بدَّ له من سبب. ثم إنه خرج وراءها وتبع أثرها من حيث لا تراه، وكان له سيف قصير من الجوهر، وكان لا يخرج إلى ديوان أبيه إلا متقلِّدًا بذلك السيف؛ لكونه مستعزًّا به، فإذا رآه أبوه يضحك عليه ويقول: ما شاء الله! إن سيفك عظيمٌ يا ولدي، ولكن ما نزلتَ به حربًا ولا قطعتَ به رأسًا. فيقول له: لا بد أن أقطع به عنقًا يكون مستحِقًّا للقطع. فيضحك من كلامه.
ولما مشى وراء زوجة أبيه سحب السيف من غلافه، وتبعها حتى دخلت قصر أبيه، فوقف لها على باب القصر، وصار ينظر إليها، فرآها وهي تفتِّش وتقول: أين وضع الخاتم؟ ففهم أنها دائرةٌ على الخاتم، فلم يزل صابرًا عليها حتى لقيته، فقالت: ها هو! والتقطته وأرادت أن تخرج، فاختفى خلف الباب، فلما خرجت من الباب نظرت إلى الخاتم وقلبته في يدها، وأرادت أن تدعكه، فرفع يده بالسيف وضربها على عنقها، فزعقت زعقةً واحدةً، ثم وقعت مقتولة، فانتبه معروف فرأى زوجته مرميةً ودمها سائل، وابنه شاهر السيف في يده، فقال له: ما هذا يا ولدي؟ قال: يا أبي، كم مرة وأنت تقول لي: إن سيفك عظيمٌ، ولكنك ما نزلتَ به حربًا ولا قطعتَ به رأسًا، وأنا أقول لك: لا بد أن أقطع به عنقًا مستحِقًّا للقطع؟ أنا قد قطعت لك به عنقًا مستحقًّا للقطع. وأخبره بخبرها، ثم إنه فتَّشَ على الخاتم فلم يرَه، ولم يزل يفتِّش في أعضائها حتى رأى يدها منطبقة عليه، فأخذه من يدها، ثم قال له: أنت ولدي بلا شك ولا ريب، أراحك الله في الدنيا والآخرة كما أرحتني من هذه الخبيثة، ولم يكن سعيها إلا لهلاكها، ولله درُّ مَن قال:
ثم إن الملك معروفًا زعق على بعض أتباعه فأتوه مُسرِعين، فأخبرهم بما فعلتْ زوجته فاطمة العرَّة، وأمرهم أن يأخذوها ويحطوها في مكانٍ إلى الصباح، ففعلوا كما أمرهم، ثم وكَّل بها جماعة من الخدام فغسَّلوها وكفَّنوها وعملوا لها مشهدًا ودفنوها، وما كان مجيئها من مصر إلا لترابها، ولله درُّ مَن قال:
وما أحسن قول الشاعر:
ثم إن الملك معروفًا أرسل يطلب الرجل الحرَّاث الذي كان ضيفه وهو هارب، فلما حضر جعله وزيرَ ميمنتِه وصاحبَ مشورته، ثم علم أنَّ له بنتًا بديعةَ الحُسْن والجمال، كريمة الخصال، شريفة النسب، رفيعة الحسب، فتزوَّج بها، وبعد مدَّةٍ من الزمان زوَّجَ ابنه وأقاموا مدَّةً في أرغد عيش، وصفَتْ لهم الأوقات، وطابت لهم المسرَّات، إلى أن أتاهم هادم اللذات، ومفرِّق الجماعات، ومخرِّب الديار العامرات، ومُيتِّم البنين والبنات. فسبحان الحي الذي لا يموت، وبيده مقاليد الملك والملكوت.