الخاتمة
وكانت شهرزاد في هذه المدة قد خلَّفتْ من الملك ثلاثة أولاد ذكور، فلما فرغتْ من هذه الحكاية قامت على قدمَيْها وقبَّلتِ الأرض بين يدي الملك وقالت له: يا ملك الزمان، وفريد العصر والأوان، إني أنا جاريتك، ولي ألف ليلة وليلة وأنا أحدِّثك بحديث السابقين ومواعظ المتقدمين، فهل لي في جنابك من طمع حتى أتمنَّى عليك أمنية؟ فقال لها الملك: تمنَّيْ تُعطَيْ يا شهرزاد. فصاحت على الدادات والطواشية وقالت لهم: هاتوا أولادي! فجاءوا لها بهم مسرعين؛ وهم ثلاثة أولاد ذكور: واحدٌ منهم يمشي، وواحدٌ يحبي، وواحدٌ يرضع. فلما جاءوا بهم أخذتهم ووضعتهم قدام الملك وقبَّلت الأرض وقالت: يا ملك الزمان، هؤلاء أولادك، وقد تمنَّيت عليك أن تعتقني من القتل إكرامًا لهؤلاء الأطفال؛ فإنك إنْ قتلتَني يصير هؤلاء الأطفال من غير أم ولا يجدون مَن يُحسِن تربيتهم من النساء. فعند ذلك بكى الملك وضمَّ أولاده إلى صدره وقال: يا شهرزاد، والله إني قد عفوتُ عنكِ من قبل مجيء هؤلاء الأولاد؛ لكوني رأيتك عفيفةً نقيةً حُرَّة تقية، بارك الله فيكِ وفي أبيكِ وأمكِ وأصلكِ وفرعكِ، وأُشهِدُ الله عليَّ أني قد عفوتُ عنكِ من كل شيءٍ يضرك. فقبَّلتْ يدَيْه وقدمَيْه، وفرحت فرحًا زائدًا وقالت له: أطال الله عمرك، وزادك هيبةً ووقارًا. وشاع السرور في سراية الملك حتى انتشر في المدينة، وكانت ليلة لا تُعَدُّ من الأعمار، ولونها أبيضُ من وجه النهار، وأصبح الملك مسرورًا، وبالخير مغمورًا، فأرسل إلى جميع العسكر فحضروا وخلع على وزيره أبي شهرزاد خلعةً سنيةً جليلةً وقال له: سترك الله حيث زوَّجتني ابنتك الكريمة التي كانت سببًا لتوبتي عن قتل بنات الناس، وقد رأيتها حُرَّةً نقيةً عفيفةً زكية، ورزقني الله منها بثلاثة أولاد ذكور، والحمد لله على هذه النعمة الجزيلة. ثم خلع على كامل الوزراء والأمراء وأرباب الدولة، وأمر بزينة المدينة ثلاثين يومًا، ولم يكلِّف أحدًا من أهل المدينة شيئًا من ماله، بل كامل الكلفة والمصاريف من خزانة الملك. فزيَّنوا المدينة زينة عظيمة لم يسبق مثلها، ودُقَّت الطبول وزمرت الزمور، ولعبت كامل أرباب الملاعب، وأجزَلَ لهم الملك العطايا والمواهب، وتصدَّق على الفقراء والمساكين، وعمَّ بإكرامه سائر رعيته وأهل مملكته، وأقام هو ودولته في نعمة وسرور، ولذة وحبور، حتى أتاهم هادم اللذات ومفرِّق الجماعات، فسبحان مَن لا يفنيه تداوُل الأوقات، ولا يعتريه شيءٌ من التغيُّرات، ولا يشغله حال عن حال، وتفرَّدَ بصفات الكمال، والصلاة والسلام على إمام حضرته وخيرته من خليقته، سيدنا محمد سيد الأنام، وتضرع به إليه في حسن الختام.