فلما كانت الليلة ٨٧٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن نور الدين لما نام هو وتلك الجارية إلى الصباح في لذة وانشراح، لابسين حُلَل العِناق المُحْكَمة الأزرار، آمِنين طوارق الليل والنهار، وقد باتَا على أحسن حالٍ، ولم يخشيَا في الوصال كثرةَ القيل والقال، كما قال فيهما الشاعر المفضال:
فلما أصبح الصباح وأضاء بنور ولاح، انتبه نور الدين من نومه، فرآها أحضرَتِ الماءَ فاغتسل هو وإياها وأدَّى ما عليه من الصلاة لربه، ثم أتَتْه بما تيسَّرَ من المأكول والمشروب فأكل وشرب، ثم أدخلَتِ الجاريةُ يدَها تحت المخدة وأخرجت الزنار الذي صنعَتْه بالليل وناولَتْه إياه، وقالت له: يا سيدي، خُذْ هذا الزنار. فقال لها: من أين هذا الزنار؟ فقالت له: يا سيدي، هو الحرير الذي اشتريتَه البارحةَ بالعشرين درهمًا، فقُمْ واذهب به إلى سوق العجم وأعْطِه للدلَّال لينادي عليه، ولا تَبِعْه إلا بعشرين دينارًا سالمةً ليدك. فقال لها نور الدين: يا سيدة الملاح، هل شيء بعشرين درهمًا يُباع بعشرين دينارًا يُعمَل في ليلة واحدة؟ قالت له الجارية: يا سيدي، أنت ما تعرف قيمة هذا، ولكن اذهب به إلى السوق وأعْطِه للدلَّال، فإذا نادى عليه الدلَّال ظهرَتْ لك قيمته. فعند ذلك أخذ نور الدين الزنارَ من الجارية وأتى به إلى سوق الأعاجم، وأعطى الزنار للدلَّال وأمره أن ينادي عليه، وقعد نور الدين على مصطبةِ دكانٍ، فغاب الدلال عنه ساعة، ثم أتى إليه وقال له: يا سيدي، قم اقبض ثمنَ زنارك، فقد بلغ عشرين دينارًا سالمةً ليدك. فلما سمع نور الدين كلامَ الدلَّال، تعجَّبَ غايةَ العجب واهتزَّ من الطرب، وقام ليقبض العشرين دينارًا وهو ما بين مصدِّقٍ ومكذِّبٍ، فلما قبضها ذهب من ساعته واشترى بها كلها حريرًا من سائر الألوان لتعمله الجارية كله زنانير، ثم رجع إلى البيت وأعطاها الحرير، وقال لها: اعمليه كله زنانير، وعلِّميني أيضًا حتى أعمل معك، فإني طول عمري ما رأيتُ صنعةً أحسن من هذه الصنعة، ولا أكثر مكسبًا منها قطُّ، وإنها والله أحسن من التجارة بألف مرةٍ. فضحكت الجارية من كلامه وقالت له: يا سيدي نور الدين، امضِ إلى صاحبك العطار واقترِضْ منه ثلاثين درهمًا، وفي غدٍ ادفعها له من ثمن الزنار هي والخمسين درهمًا التي اقترضْتَها منه قبلها. فقام نور الدين وأتى إلى صاحبه العطار وقال له: يا عم، أقرضني ثلاثين درهمًا، وفي غدٍ إن شاء الله تعالى أجيء لك بالثمانين درهمًا جملةً واحدة. فعند ذلك وزن له الشيخ العطار ثلاثين درهمًا، فأخذها نور الدين وأتى بها إلى السوق، واشترى بها لحمًا وخبزًا ونُقْلًا وفاكهة ومشمومًا كمل فعل بالأمس، وأتى بها إلى الجارية، وكان اسم تلك الجارية مريم الزنارية، فلما أخذت اللحم قامت من وقتها وساعتها وهيَّأَتْ طعامًا فاخرًا ووضعته قدام سيدها نور الدين، ثم بعد ذلك هيَّأَتْ سفرةَ المُدَام وتقدَّمَتْ تشرب هي وإياه وصارت تملأ وتسقيه وهو يملأ ويسقيها، فلما لعب المُدَام بعقلهما أعجبها حُسْن لطافته ورقة معانيه، فأنشدت هذين البيتين:
ولم تزل تلك الجارية تنادِم نور الدين وينادمها، وتعطيه الكأس والطاس، وتطلب أن يملأ لها ويسقيها ما تطيب به الأنفاس، وإذا وضع يدَه عليها تتمنَّع منه دلالًا، وقد زادها السُّكْرُ حُسْنًا وجمالًا، فأنشد هذين البيتين:
ولم يزالَا كذلك إلى أن غلب عليه السُّكْرُ ونام، فقامت هي من وقتها وساعتها وعملت شغلها في الزنار على جري عادتها، ولما فرغت أصلحَتْه ولفَّتْه في ورقة، ثم نزعت ثيابها ونامت بجانبه إلى الصباح. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.