فلما كانت الليلة ٩٠٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك رأى في منامه كأنه يصب ماءً في أصل شجرة، وحول تلك الشجرة أشجار كثيرة، وإذا بنارٍ قد خرجَتْ من تلك الشجرة، وأحرقَتْ جميعَ ما كان حولها من الأشجار، فعند ذلك انتبَهَ الملك من منامه فزعًا مرعوبًا، واستدعى أحد غلمانه وقال له: اذهب بسرعةٍ وائتني بشماس الوزير عاجلًا. فذهب الغلام إلى شماس وقال له: إن الملك يدعوك في هذه الساعة؛ لأنه انتبَهَ من نومه مرعوبًا، فأرسَلَني إليك لتحضر عنده عاجلًا. فلما سمع شماس كلامَ الغلام قام من وقته وساعته، وتوجَّهَ إلى الملك ودخل عليه، فرآه قاعدًا على فراشه، فسجد بين يدَيْه داعيًا له بدوام العز والنِّعَم، وقال له: لا أحزَنَك اللهُ أيها الملك، ما الذي أقلقك في هذه الليلة؟ وما سبب طلبك إياي بسرعةٍ؟ فأذِنَ له الملك بالجلوس فجلس، وصار الملك يقصُّ عليه ما رأى قائلًا: إني رأيتُ في ليلتي هذه منامًا هالني، وهو كأني أصبُّ ماءً في أصل شجرة، وحول تلك الشجرة أشجار كثيرة، فبينما أنا في هذه الحالة وإذا بنارٍ خرجَتْ من أصل تلك الشجرة، وأحرقت جميع ما حولها من الأشجار، ففزعتُ من ذلك وأخذني الرعب، فانتبهتُ عند ذلك وأرسلتُ دعوتك لكثرة معرفتك، ولِمَا أعلمه من اتساع علمك وغزارة فهمك.
فأطرَقَ شماس رأسه ساعةً، ثم تبسَّمَ، فقال له الملك: ماذا رأيتَ يا شماس؟ أصدِقْني الخبرَ ولا تُخْفِ عني شيئًا. فأجابه شماس وقال له: أيها الملك، إن الله تعالى خوَّلك وأقَرَّ عينك، وأمرُ هذه الرؤيا يَئُول إلى كل خير، وهو أن الله تعالى يرزقك ولدًا ذَكَرًا يكون وارثًا للمُلْك عنك من بعد طويل عمرك، غير أنه يكون فيه شيء لا أحبُّ تفسيره في هذا الوقت؛ لأنه غير موافق لتفسيره. ففرح الملك بذلك فرحًا عظيمًا، وزاد سروره وذهب عنه فزعه وطابت نفسه وقال: إنْ كان الأمر كذلك من حُسْن تأويل المنام، فكمِّلْ لي تأويله إذا جاء الوقت الموافق لكمال تأويله، فالذي لا ينبغي تأويله الآن ينبغي أن تؤوِّله لي إذا آنَ أوانه لأجل أن يكمل فرحي؛ لأني لا أبتغي بذلك غير رضا الله سبحانه وتعالى. فلما رأى شماس من الملك أنه مصمِّم على تمام تفسيره، احتَجَّ له بحجةٍ دافَعَ بها عن نفسه، فعند ذلك دعا الملك بالمنجِّمين وجميع المعبِّرين للأحلام الذين في مملكته، فحضروا جميعًا بين يدَيْه وقصَّ عليهم ذلك المنام وقال لهم: أريد منكم أن تخبروني بصحة تفسيره. فتقدَّمْ واحد منهم وأخذ إذنًا من الملك بالكلام، فلما أذن له قال: اعلم أيها الملك أن وزيرك شماسًا ليس بعاجزٍ عن تفسير ذلك، وإنما هو احتشَمَ منك وسكَّن روعك، ولم يُظهِر لك جميعَ التأويل بالكلية، ولكن إذا أذنْتَ لي بالكلام تكلَّمْتُ. فقال له الملك: تكلَّمْ أيها المفسِّر بلا احتشام، واصدق في كلامك. فقال المفسِّر: اعلم أيها الملك أنه يظهر منك غلام يكون وارثًا للملك عنك بعد طول حياتك، ولكنه لا يسير في الرعية بسيرك، بل يخالف رسومك ويجور على رعيتك، ويصيبه ما أصاب الفأر مع السِّنَّوْر، فاستعاذ بالله تعالى. فقال الملك: وما حكاية السِّنَّوْر والفأر؟
حكاية السِّنَّوْر والفأر
فقال المفسِّر: أطالَ الله عُمْرَ الملِك، إن السِّنَّوْر — وهو القط — سرح ليلةً من الليالي إلى شيءٍ يفترسه في بعض الغيطان، فما وجد شيئًا وضَعُف من شدة البرد والمطر اللذين صارا في تلك الليلة، فأخذ يحتال لنفسه بشيءٍ، فبينما هو دائر على تلك الحالة، إذ رأى وكْرًا في أسفل شجرة، فدنا منه وصار يشمشم ويدندن حتى أحَسَّ أن داخل الوكْرِ فأرًا، فحاوَلَه وهَمَّ بالدخول عليه لكي يأخذه، فلما أحَسَّ به الفأر أعطاه قفاه، وصار يزحف على يدَيْه ورجلَيْه لكي يسدَّ باب الوكْرِ عليه، فعند ذلك صار السِّنَّوْر يصوت صوتًا ضعيفًا ويقول له: لِمَ تفعل ذلك يا أخي، وأنا ملتجئ إليك لتفعل معي رحمة، بأن تقرني في وكْرِك هذه الليلة؟ لأني ضعيف الحال من كِبَر سني وذهاب قوتي، ولست أقدر على الحركة، وقد توغَّلْتُ في هذا الغيط هذه الليلة، وكم دعوت بالموت على نفسي لكي أستريح، وها أنا على بابك طريح من البرد والمطر، وأسألك بالله من صدقتك أن تأخذ بيدي وتدخلني عندك وتأويني في دهليز وكرك؛ لأني غريبٌ ومسكينٌ، وقد قيل: مَن آوى بمنزله غريبًا مسكينًا، كان مأواه الجنة يوم الدين. فأنت يا أخي حقيق بأن تكسب أجري وتأذن لي في أن أبيت عندك هذه الليلة إلى الصباح، ثم أروح إلى حال سبيلي. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.