فلما كانت الليلة ٩٠٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير الثاني لما فرغ من كلامه ختمه بقوله: أحسَنَ الله ثوابك وعاقبة أمرك. ثم قام الوزير الثالث وقال: أبشِرْ أيها الملك العادل بالخير العاجل والثواب الآجل؛ لأن كلَّ مَن يحبه أهل الأرض يحبه أهل السماء، والله تعالى قسم لك المحبَّة وجعلها في قلوب أهل مملكتك، فله الشكر والحمد منَّا ومنك، لكي يزيد نعمته عليك وعلينا بك، واعلم أيها الملك إن الإنسان لا يستطيع شيئًا إلا بأمر الله تعالى، وإنه هو المعطي، وكل خير عند شخص إليه ينتهي، قسَّم النِّعَم على عبيده كما يحب؛ فمنهم مَن أعطاه مواهب كثيرة، ومنهم مَن شغله بتحصيل القوت، ومنهم مَن جعله رئيسًا، ومنهم مَن جعله زاهدًا في الدنيا راغبًا إليه؛ لأنه هو الذي قال: أنا الضار النافع، أشفي وأُمرِض، وأُغنِي وأُفقِر، وأُمِيت وأُحِيي، وبيدي كلُّ شيءٍ وإليَّ المصير، فواجب على جميع الناس شكره، وأنت أيها الملك من السعداء الأبرار كما قيل: إن أسعد الأبرار مَن جمع الله له بين خيرَيِ الدنيا والآخرة، ويقنع بما قسم الله له ويشكره على ما أقامه، ومَن تعدَّى وطلب غير ما قدَّرَ الله له وعليه، يشبه حمار الوحش والثعلب. قال الملك: وما حديثهما؟
حكاية حمار الوحش والثعلب
قال الوزير: اعلم أيها الملك أن ثعلبًا كان يخرج كل يوم من وطنه ويسعى على رزقه، فبينما هو ذات يوم في بعض الجبال وإذا بالنهار قد انقضى وقصد الرجوع، فاجتمع على ثعلب رآه ماشيًا وصار كل منهما يحكي لصاحبه حكايته مع ما افترسه، فقال أحدهما: إنني بالأمس وقعتُ في حمار وحش، وكنتُ جائعًا وكان لي ثلاثة أيام ما أكلت، ففرحت بذلك وشكرت الله تعالى الذي سخَّره لي، ثم إني عمدتُ إلى قلبه فأكلته وشبعت، ثم رجعت إلى وطني ومضى عليَّ ثلاثة أيام لم أجد شيئًا آكله، ومع ذلك أنا شبعان إلى الآن. فلما سمع الثعلب الحكاية حسده على شبعه وقال في نفسه: لا بد لي من أكل قلب حمار الوحش. فترك الأكل أيامًا حتى انهزل وأشرف على الموت وقصر سعيه واجتهاده وربض في وطنه، فبينما هو في وطنه ذات يوم من الأيام، وإذا بصيادَيْن ماشيَيْن قاصدَيْن الصيد، فوقع لهما حمار وحش، فأقامَا النهارَ كله في إثره طردًا، ثم إن أحدهما رماه بسهمٍ مشعب فأصابه ودخل جوفه واتصل بقلبه فقتله مقابل وكر الثعلب المذكور، فأدركه الصيادان فوجداه ميتًا، فأخرجا السهم الذي أصابه في قلبه فلم يخرج إلا العود وبقي السهم مشعبًا في بطن حمار الوحش.
فلما كان المساء خرج الثعلب من وطنه وهو يتضجر من الضَّعْف والجوع، فرأى حمار الوحش على بابه طريحًا، ففرح فرحًا شديدًا حتى كاد يتضجر من الضعف والجوع فرأى حمار الوحش على بابه طريحًا، ففرح فرحًا شديدًا حتى كاد أن يطير من الفرح، فقال: الحمد لله الذي يسَّرَ لي شهوتي من غير تعب؛ لأني كنتُ لا أُومِل أني أصيب حمار وحش ولا غيره، ولعل الله أوقع هذا وساقَهَ إليَّ في موضعي. ثم وثب عليه وشق بطنه وأدخل رأسه وصار يجول بفمه في أمعائه إلى أن وجد القلب فالْتَقَمه بفمه وابتلعه، فلما صار داخل حلْقِه اشتبك شعب السهم في عظم رقبته ولم يقدر على إدخاله في بطنه ولا على إخراجه من حلقه وأيقَنَ بالهلاك. فلهذا أيها الملك ينبغي للإنسان أن يرضى بما قسمه الله له ويشكر نِعَمَه عليه ولا يقطع رجاءَه من مولاه، وها أنت أيها الملك بحسن نيتك وإسداء معروفك رزَقَك الله ولدًا بعد اليأس، فنسأل الله تعالى أن يرزقه عمرًا طويلًا وسعادة دائمة ويجعله خلفًا مباركًا موفيًا بعهدك من بعدك بعد طول عمرك. ثم قام الوزير الرابع وقال: إن الملك إذا كان فهيمًا عالمًا بأبواب الحكمة … وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.