فلما كانت الليلة ٩٠٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير السادس لما قال للملك: إن الإنسان لا ينبغي له أن يسأل ربه شيئًا لا يدري عاقبته؛ لأنه ربما كان ضررُ ذلك أقربَ إليه من نفعه، فيكون هلاكه في مطلوبه، ويصيبه ما أصاب الحاوي وأولاده وزوجته وأهل بيته. فقال الملك: وما حكاية الحاوي وأولاده وزوجته وأهل بيته؟
حكاية الحاوي وأولاده وزوجته وأهل بيته
فقال الوزير: اعلم أيها الملك أنه كان إنسان حاويًا، وكان يربِّي الحيَّات، وهذه كانت صنعته، وكان عنده سلة كبيرة فيها ثلاث حيَّات لم يعلم بها أهل بيته، وكان كل يوم يخرج يدور بها في المدينة، ويتسبَّب بها لتحصيل رزقه ورزق عياله، ويرجع عند المساء إلى بيته ويضع الأحناش في السلة سرًّا، وعند الصباح يأخذها ويدور بها في المدينة، فكان هذا دأبه على الدوام، ولم يعرف أهل بيته بما في السلة، فاتفق أنه لما عاد الحاوي إلى بيته على جري عادته، سألته زوجته وقالت له: ما في هذه السلة؟ فقال لها الحاوي: وما مرادك منها؟ أَلَيس الزاد عندكم كثيرًا زائدًا؟ فاقنعي بما قسم الله لك ولا تسألي عن غيره. فسكتَتْ عنه تلك المرأة وصارت تقول في نفسها: لا بد لي أن أفتِّشَ هذه السلة وأعرف ما فيها. وصمَّمَتْ على ذلك وأعلمَتْ أولادها، وأكَّدَتْ عليهم أن يسألوا والدهم عن تلك السلة ويُلِحُّوا عليه في السؤال لأجل أن يخبرهم، فعند ذلك تعلَّقَ خاطر الأولاد بأن فيها شيئًا يُؤكَل، فصار الأولاد كلَّ يومٍ يطلبون من أبيهم أن يُرِيَهم ما في السلة، وكان أبوهم يُدافِعهم ويُراضِيهم وينهاهم عن هذا السؤال، فمضت لهم مدة وهم على ذلك الحال، وأمهم تحثُّهم على ذلك، ثم اتفقوا معها على أنهم لا يذوقون طعامًا ولا يشربون شرابًا لوالدهم حتى يبلغهم طِلْبتهم ويفتح لهم السلة.
فبينما هم كذلك ذات ليلةٍ، إذ حضر الحاوي ومعه شيء كثير من الأكل والشرب، فقعد ودعاهم ليأكلوا معه، فأَبَوا الحضورَ إليه وبيَّنُوا له الغيظ، فجعل يلاطفهم بالكلام الحسن ويقول لهم: انظروا ماذا تريدون حتى أجيء به إليكم أكلًا أو شربًا أو ملبوسًا. فقالوا له: يا والدنا، ما نريد منك إلا فتح هذه السلة لننظر ما فيها، وإلا قتلنا أنفسنا. فقال لهم: يا أولادي، ليس لكم فيها خير، وإنما فتحها ضرر لكم. فعند ذلك ازدادوا غيظًا، فلما رآهم على هذه الحالة أخذ يهدِّدهم ويشير لهم بالضرب إن لم يرجعوا عن تلك الحالة، فلم يزدادوا إلا غيظًا ورغبةً في السؤال، فعند ذلك غضب عليهم وأخذ عصًا ليضربهم بها، فهربوا قدامه في الدار، وكانت السلة حاضرة لم يُخفِها الحاوي في مكانٍ، فخلَّتِ المرأةُ الرجلَ مشغولًا بالأولاد وفتحَتِ السلة بسرعةٍ لكي تنظر ما فيها، وإذا بالحيَّات قد خرجَتْ من السلة ولدغَتِ المرأةَ أولًا فقتلتها، ثم دارت في الدار وأهلكَتِ الكبار والصغار، ما عدا الحاوي، فترك الحاوي الدارَ وخرج. فلما تحقَّقت ذلك أيها الملك السعيد، علمت أن الإنسان ليس له أن يتمنَّى شيئًا لم يُرِده الله تعالى، بل يَطِيب نفسًا بما قدَّره الله له وأراده، وها أنت أيها الملك مع غزارة علمك وجودة فهمك، أقرَّ اللهُ عينَكَ بحضور ولدٍ لك بعد اليأس وطيَّبَ قلبك، ونحن نسأل الله تعالى أن يجعله من الخلفاء العادلين المُرضِين لله تعالى والرعية.
ثم قام الوزير السابع وقال: أيها الملك، إني قد علمتُ وتحقَّقْتُ ما ذكره لك إخوتي هؤلاء الوزراء العلماء الحكماء، وما تكلَّموا به في حضرتك أيها الملك، وما وصفوه من عدلك وحسن سيرتك، وما تميَّزْتَ به عمَّنْ سواك من الملوك، حيث فضَّلوك عنهم، وذلك من بعض الواجب علينا أيها الملك، وأما أنا فأقول: الحمد لله الذي تولاك لنعمته، وأعطاك صلاح الملك برحمته، وأعانك وإيانا على أن نزيده شكرًا وما ذاك إلا بوجودك، وما دمتَ فينا لم نتخوَّفْ جورًا ولا نبغي ظلمًا، ولا يستطيع أحدٌ أن يستطيل علينا مع ضَعْفنا، وقد قيل: إن أحسن الرعايا مَن كان ملكهم عادلًا، وشرهم مَن كان ملكهم جائرًا. وقيل أيضًا: السكنى مع الأسود الكواسر ولا السكنى مع السلطان الجائر. فالحمد لله تعالى على ذلك حمدًا دائمًا؛ حيث أنعَمَ علينا بوجودك، ورزَقَك هذا الولد المبارَك بعد اليأس والطعن في السن؛ لأن أجمل العطايا في الدنيا الولد الصالح، وقد قيل: مَن لا ولد له، لا عاقبةَ له ولا ذِكْر. وأنت بقويم عدلك وحسن ظنك بالله تعالى أُعطِيت هذا الولد السعيد، فجاءك هذا الولد المبارك مِنَّةً من الله تعالى علينا وعليك، بحسن سيرتك وجميل صبرك، وصار فيك ذلك مثل ما صار في العنكبوت والريح. فقال الملك: وما حكاية العنكبوت والريح؟ وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.