فلما كانت الليلة ٩١٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الفتى لما أجابَ اللصوصَ ودخل معهم، قال بعضهم لبعض: انظروا إلى أخفِّنا وأصغرنا فأصعدوه. فقالوا: ما نرى فينا ألطف من هذا الفتى. فلما أصعدوه قالوا: يا فتى، لا تلمس من الشجرة شيئًا لئلا يراك أحدٌ فيؤذيك. فقال الفتى: وكيف أفعل؟ فقالوا له: اقعد في وسطها وحرِّكْ كلَّ غصنٍ منها تحريكًا قويًّا حتى يتناثر ما فيه فنلتقطه، وإذا فرغ ما فيها ونزلتَ إلينا فخُذْ نصيبَكَ مما التقطناه. فلما صعد الفتى على الشجرة صار يحرِّك كلَّ غصن وحده والجوز يتناثر منه واللصوص يجمعونه، فبينما هم كذلك وإذا بصاحب الشجرة واقِف عندهم وهم على ذلك الحال، فقال لهم: ما لكم ولهذه الشجرة؟ فقالوا له: لم نأخذ منها شيئًا، غير أننا مررنا بها فرأينا هذا الولد فوقها، فاعتقدنا أنه صاحبها فطلبنا منه أن يُطعِمنا منها، فهزَّ بعضَ الأغصان حتى انتثر منها الجوز، ونحن ما لنا ذنب. فقال صاحب الشجرة للغلام: فما تقول أنت؟ فقال: كذِبَ هؤلاء، ولكن أنا أقول لك الحقَّ، وهو أننا أتينا جميعًا إلى هنا، فأمروني بالصعود على هذه الشجرة لأهزَّ الأغصانَ كي ينتثر عليهم الجوز، فامتثلتُ أمرهم. فقال صاحب الشجرة: لقد ألقيتَ نفسك في بلاء عظيم، وهل انتفعتَ بأكل شيء منها؟ فقال الغلام: ما أكلتُ منها شيئًا. فقال له صاحب الشجرة: لقد علمت الآن حماقتك وجهلك، وهو أنك سعيتَ في تلفِ نفسك لإصلاح غيرك. ثم قال للصوص: ما لي عليكم سبيل، امضوا إلى حال سبيلكم. وقبض على الولد وعاقبه. وهكذا وزراؤك وأهل دولتك، يريدون أن يُهلِكوك لإصلاح أمرهم، ويفعلوا بك مثل ما فعل اللصوص بالفتى. فقال الملك: حقًّا ما قلتِه، ولقد صدقتِ في خبرك، فأنا لا أخرج إليهم ولا أترك لذَّاتي. ثم بات مع زوجته في أرغد عيش إلى أن أصبح الصباح.
فلما أصبح الصباح قام الوزير وجمع أرباب الدولة مع مَن حضر معهم من الرعية، ثم جاءوا إلى باب الملك مستبشِرين فَرِحين، فلم يفتح لهم الباب ولم يخرج إليهم ولم يأذن لهم بالدخول عليه، فلمَّا يئسوا من ذلك قالوا لشماس: أيها الوزير الفاضل والحكيم، أَمَا ترى حالَ هذا الصبي الصغير السن القليل العقل الذي قد جمع إلى ذنوبه الكذب؟ فانظرْ وعدَه لكَ كيف أخلَفَه ولم يوفِ بما وعد، وهذا ذنب يجب أن تضيفه إلى ذنوبه، ولكن نرجو أن تدخل إليه ثانيًا وتنظر ما السبب في تأخيره ومنعه عن الخروج، فإنَّا غير مُنكِرين على طباعه الذميمة مثل هذا الأمرَ، فإنه بلغ غايةَ القساوة. ثم إن شماسًا توجَّهَ إليه ودخل عليه وقال: السلام عليك أيها الملك، ما لي أراكَ قد أقبلْتَ على شيءٍ يسيرٍ من اللذة، وتركتَ الأمرَ الكبيرَ الذي ينبغي الاعتناء به؟ وكنتَ مثل الذي له ناقة وهو منطوٍ على لبنها، فألهاه حُسْن لبنها عن ضبط زمامها، فأقبَلَ يومًا على حلبها ولم يعتنِ بزمامها، فلما أحَسَّتِ الناقةُ بترك الزمام، جذبَتْ نفسها وطلبَتِ الفضاء، فصار الرجل فاقِدَ اللبن والناقة، مع أن ضررَ ما لقيه أكثر من نفعه؛ فانظر أيها الملك فيما فيه صلاح نفسك ورعيتك، فإنه ليس ينبغي للرجل أن يديم الجلوسَ على باب المطبخ من أجل حاجته إلى الطعام، ولا ينبغي له أن يُكثِر الجلوس مع النساء من أجل ميله إليهن، وكما أن الرجل يبتغي من الطعام ما يدفع ألمَ الجوع، ومن الشراب ما يدفع ألم العطش، كذلك ينبغي للرجل العاقل أن يكتفي من هذه الأربع والعشرين ساعة بساعتين مع النساء في كل نهار، ويصرف الباقي في مصالح نفسه وفي مصالح رعيته، ولا يطيل المكثَ مع النساء ولا الخلوة بهن أكثر من ساعتين، فإن ذلك فيه مضرَّةٌ لعقله وبدنه؛ لأنهن لا يأمرْنَ بخيرٍ ولا يرشدْنَ إليه، ولا ينبغي أن يقبل منهن قولًا ولا فعلًا، وقد بلغني أن ناسًا كثيرة هلكوا بسبب نسائهم، فمنهم رجل هلك من اجتماعه بزوجته لكونه أطاعها فيما أمرته. فقال الملك: وكيف كان ذلك؟
قال شماس: زعموا أن رجلًا كان له زوجة وكان يحبها وكانت مكرَّمة عنده، فكان يسمع قولها ويعمل برأيها، وكان له بستان غرَسَه بيده جديدًا، فكان يأتي إليه في كلِّ يوم ليُصلِحه ويسقيه، فقالت له زوجته يومًا من الأيام: أيَّ شيءٍ غرستَ في بستانك؟ فقال لها: كل ما تحبينه وتريدينه، وها أنا مجتهد في إصلاحه وسقيه. فقالت له: هل لكَ أن تأخذني وتفرِّجني فيه حتى أراه وأدعو لك دعوة صالحة، فإن دعائي مستجاب. فقال: نعم، أمهليني حتى آتي إليك في غدٍ وآخذك. فلما أصبح الرجل أخذ زوجته معه وتوجَّهَ بها إلى البستان ودخلَا فيه، وفي حال دخولهما نظر إليهما اثنان من الشباب على بُعْدٍ، فقال أحدهما للآخَر: إن هذا الرجل زانٍ وإن هذه المرأة زانية، وما دخلَا هذا البستان إلا ليزنيَا فيه. فتبعاهما لينظرَا ما يكون من أمرهما، فأما الشابان فإنهما وقفَا على جانب البستان، وأما الرجل وزوجته فإنهما لما دخلَا البستان واستقرَّا فيه، قال الرجل لزوجته: ادعي لي الدعوةَ التي وعدتِني بها. فقالت: لا أدعو لكَ حتى تقوم بحاجتي التي تبتغيها النساء من الرجال. فقال لها: ويحك أيتها المرأة! أَمَا كان مني في البيت كفاية؟ وها هنا أخاف على نفسي من الفضيحة، وربما أشغلتِني عن مصالحي، أَمَا تخافين أن يرانا أحدٌ؟ قالت: فلا نبالي من ذلك؛ لأننا لم نرتكب فاحشة ولا حرامًا، وأمَّا سَقْي هذا البستان ففيه مهلة، وأنت قادر على سَقْيه في أي وقت أردتَ. ولم تقبل منه عذرًا ولا حجةً، وألَّحَتْ عليه في طلب النكاح، فعند ذلك قام ونام معها، فعندما أبصرهما الشابان المذكوران وثَبَا عليهما وأمسكاهما وقالا لهما: لا نطلقكما؛ لأنكما من الزُّنَاة، وإن لم نواقِعِ المرأةَ نرفع أمركما إلى الحاكم. فقال لهما الرجل: ويحكما! إن هذه زوجتي وأنا صاحب البستان. فما سمعَا له كلامًا بل نهضَا على المرأة، فعند ذلك صاحَتْ واستغاثَتْ بزوجها قائلةً له: لا تَدَعِ الرجال يفضحونني. فأقبَلَ نحوهما وهو يستغيث، فرجع إليه واحد منهما وضربه بخنجره فقتله، وأتَيَا المرأةَ وفضحَاها. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.