فلما كانت الليلة ٩٢١
حكاية الثعلب والذئب
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير شماسًا قال للملك: ويبلغون فيك ما يريدون من هلاكك، ويكون مثلك مثل الثعلب والذئب. فقال الملك: وكيف كان ذلك؟ قال: زعموا أن جماعةً من الثعالب خرجوا ذات يوم يطلبون ما يأكلون، فبينما هم يجولون في طلب ذلك، وإذا هم بجملٍ ميت، فقالوا في أنفسهم: قد وجدنا ما نعيش به زمانًا طويلًا، ولكن نخاف أن يَبْغي بعضنا على بعض، ويميل القوي بقوته على الضعيف فيهلك الضعيف منَّا، فينبغي لنا أن نطلب حَكَمًا يحكم بيننا ونجعل له نصيبًا، فلا يكون للقوي سُلْطة على الضعيف، فبينما هم يتشاورون في شأن ذلك، وإذا بذئبٍ أقبَلَ عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنْ أصاب رأيكم فاجعلوا هذا الذئبَ حكَمًا بيننا؛ لأنه أقوى الناس وأبوه سابقًا كان سلطانًا علينا، ونحن نرجو من الله أن يَعْدل بيننا. ثم إنهم توجَّهوا إليه وأخبروه بما صار إليه رأيهم وقالوا: لقد حكَّمناك بيننا لأجلِ أن تعطي كلَّ واحدٍ منَّا ما يقوته في كل يوم على قدر حاجته، لئلا يبغي قويُّنا على ضعيفنا فيُهلِك بعضنا بعضًا. فأجابهم الذئب إلى قولهم وتعاطى أمورهم، وقسَّم عليهم في ذلك اليوم ما كفاهم.
فلما كان من الغد قال الذئب في نفسه: إن قسمة هذا الجمل بين هؤلاء العاجزين لا يعود عليَّ منها شيء إلا الجزء الذي جعلوه لي، وإنْ أكلتُه وحدي فهم لا يستطيعون لي ضرًّا، مع أنهم غنم لي ولأهل بيتي، فمَن الذي يمنعني عن أخذ هذا لنفسي؟ ولعل الله مسبِّبه لي بغير جميلة منهم! فالأحسن لي أن أختصَّ به دونهم، ومن هذا الوقت لا أعطيهم شيئًا. فلما أصبَحَ الثعالبُ جاءوا إليه على العادة يطلبون منه قوتهم، فقالوا له: يا أبا سرحان، أعْطِنا مئونة يومنا. فأجابهم قائلًا: ما بقي عندي شيء أعطيه لكم. فذهبوا من عنده على أسوأ حال، ثم قالوا: إنَّ الله أوقعنا في همٍّ عظيمٍ مع هذا الخائن الخبيث الذي لا يتَّقِي اللهَ ولا يخافه، وليس لنا حول ولا قوة. ثم قال بعضهم لبعض: إنما حمله على هذا الأمر ضرورة الجوع، فدعوه اليومَ يأكل حتى يشبع وفي غدٍ نذهب إليه. فلما أصبحوا توجَّهوا إليه وقالوا له: يا أبا سرحان، إنما ولَّيناك علينا لأجل أن تدفع لكلِّ واحد منَّا قوتَه وتنصف الضعيف من القوي، وإذا فرغ تجتهد لنا في تحصيل غيره، ونصير دائمًا تحت كنفك ورعايتك، وقد مسَّنا الجوعُ ولنا يومان ما أكلنا، فأعْطِنا مئونتَنا وأنت في حلٍّ من جميع ما تتصرَّف فيه من دون ذلك. فلم يردَّ عليهم جوابًا، بل ازداد قسوةً، فراجَعُوه فلم يرجع، فقال بعضهم لبعض: ليس لنا حيلة إلا أننا ننطلق إلى الأسد ونرمي أنفسنا عليه، ونجعل له الجمل، فإنْ أحسَنَ لنا بشيء منه كان من فضله، وإلا فهو أحقُّ به من هذا الخبيث. ثم انطلقوا إلى الأسد وأخبروه بما حصل لهم مع الذئب، ثم قالوا له: نحن عبيدك، وقد جئناك مستجيرين بك لتخلِّصنا من هذا الذئب ونصير لك عبيدًا. فلما سمع الأسد كلامَ الثعالب أخذَتْه الحَمِيَّة وغار لله تعالى، ومضى معهم إلى الذئب، فلما رأى الذئبُ الأسدَ مُقبِلًا طلب الفرار من قدامه، فجرى الأسد خلفه وقبض عليه ومزَّقه قطعًا، ومكَّنَ الثعالبَ من فريستهم؛ فمن هذا عرفنا أنه لا ينبغي لأحدٍ من الملوك أن يتهاوَنَ في أمر رعيته، فاقبلْ نصيحتي وصدِّقِ القولَ الذي قلتُه لكَ، واعلم أن أباك قبل وفاته قد أوصاكَ بقبول النصيحة، وهذا آخِر كلامي معك والسلام. فقال الملك: إني سامع منك، وفي غدٍ إن شاء الله تعالى أطلع إليهم. فخرج شماس من عنده وأخبرهم بأن الملك قبِلَ نصيحته ووعده أنه في غدٍ يخرج إليهم.
فلما سمعت زوجة الملك ذلك الكلامَ منقولًا عن شماس وتحقَّقَتْ أنه لا بد من خروج الملك إلى الرعية، أقبلَتْ على الملك مُسرِعةً وقالت له: ما أكثر تعجُّبِي من إذعانك وطاعتك لعبيدك؟ أَمَا تعلم أن وزراءَكَ هؤلاء عبيدك؟ فلأي شيء رفعتَهم هذه الرفعة العظيمة حتى أوهَمْتَهم أنهم هم الذين أعطوك هذا المُلْك ورفعوك هذه الرفعة، وأنهم أعطوك العطايا مع أنهم لم يقدروا أن يفعلوا معك أدنى مكروه، فكان من حقك عدم الخضوع لهم، بل من حقهم الخضوع لك وتنفيذ أمورك، فكيف تكون مرعوبًا منهم هذا الرعب العظيم؟ وقد قيل إذا لم يكن قلبك مثل الحديد، لا تصلح أن تكون ملِكًا، وهؤلاء غَرَّهم حِلْمك حتى تجاسَرُوا عليك ونبذوا طاعتك، مع أنه ينبغي أن يكونوا مقهورين على طاعتك، مجبورين على الانقياد إليك؛ فإنْ أنت سارعْتَ لقبول كلامهم وأهملتهم على ما هم فيه، وقضيتَ لهم أدنى حاجة على غير مرادك، ثقلوا عليك وطمعوا فيك، وتصير لهم هذه عادة، فإن أطعْتَني لا ترفع لأحدٍ منهم شأنًا، ولا تقبل لأحدٍ منهم كلامًا، ولا تطمعهم في التجاسُرِ عليك، فتصير مثل الراعي واللص. فقال لها الملك: وكيف كان ذلك؟
حكاية الراعي واللص
قالت: زعموا أنه كان رجل راعي غنم، وكان محافِظًا على رعايتها، فأتاه لص ذات ليلة يريد أن يسرق من غنمه شيئًا، فرآه محافظًا عليها لا ينام ليلًا ولا يغفل نهارًا، فصار يحاوله طول ليله فلم يظفر منه بشيء، فلما أعْيَتْه الحيلة انطلَقَ إلى البرية واصطاد أسدًا وسلخ جلده وحشاه تِبْنًا، ثم أتى به ونصبه على محلٍّ عالٍ في البرية، بحيث يراه الراعي ويتحقَّقه، ثم أقبَلَ اللص على الراعي وقال له: إن هذا الأسد قد أرسلني إليك يطلب عشاءً من هذا الغنم. فقال له الراعي: وأين الأسد؟ فقال له اللص: ارفعْ بصرك ها هو واقف. فرفع الراعي رأسه فرأى صورة الأسد، فلما رآها ظنَّ أنها أسد حقيقة، ففزع منها فزعًا شديدًا. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.