فلما كانت الليلة ٩٢٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الراعي لما رأى صورة الأسد ظنَّ أنها أسد حقيقة، ففزع منها فزعًا شديدًا، وأخذه الرعب وقال للص: يا أخي، خُذْ ما شئتَ ليس عندي مخالَفة، فأخذ اللص من الغنم حاجته وازداد طمعه في الراعي بسبب شدة خوفه، فصار كلَّ قليلٍ يأتي إليه ويرعبه ويقول له: إن الأسد يحتاج إلى كذا وقصده أن يفعل كذا. ثم يأخذ من الغنم كفايته، ولم يزل اللص مع الراعي على هذه الحالة حتى أفنى غالب الغنم. وإنما قلتُ لك هذا الكلام أيها الملك لئلا يغترَّ كبراءُ دولتك هؤلاء بحِلْمك ولِين جانِبك، فيطمعوا فيك، والرأي السديد أن يكون موتهم أقرب ممَّا يفعلونه بك. فقبل الملك قولها وقال: إني قبلتُ منك هذه النصيحة، ولستُ مطيعًا لمشورتهم ولا خارجًا إليهم.
فلما أصبح الصباح اجتمَعَ الوزراء وأكابر الدولة ووجهاء الناس، وحمل كلُّ واحدٍ منهم سلاحَه معه وتوجَّهوا إلى بيت الملك ليهجموا عليه ويقتلوه ويولُّوا غيره، فلما وصلوا إلى بيت الملك سألوا البوَّاب أن يفتح لهم الباب، فلم يفتح لهم، فأرسلوا ليحضروا نارًا فيحرقوا بها الأبواب ثم يدخلوا، فسمع البوَّاب منهم هذا الكلام، فانطلق بسرعة وأعلم الملك أن الخلق مجتمعون على الباب، وقال له: إنهم سألوني أن أفتح لهم فأبَيْتُ، فأرسلوا ليُحضِروا نارًا فيُحرِقوا بها الأبواب، ثم يدخلوا عليك ويقتلوك، فماذا تأمرني؟ فقال الملك في نفسه: إني وقعتُ في الهَلَكة العظيمة. ثم أرسَلَ خلف المرأة فحضرَتْ، فقال: إن شماسًا لم يخبرني بشيء إلا وقد وجدتُه صحيحًا، وقد حضر الخاص والعام من الناس يريدون قتلي وقتلكم، ولمَّا لم يفتح لهم البوَّابُ أرسلوا ليُحضِروا النار يحرقون الأبواب فيحترق البيت ونحن داخله، فماذا تُشِيرين علينا؟ فقالت له المرأة: لا بأس عليك ولا يهولنك أمرهم، فإن هذا الزمان يقوم فيه السفهاء على ملوكهم. فقال لها الملك: فما تُشِيرين به عليَّ لأفعله؟ وما الحيلة في هذا الأمر؟ فقالت: الرأي عندي أنك تعصب رأسَك بعصابة وتظهر أنك مريض، ثم ترسل إلى الوزير شماس فيحضر إليك ويرى حالك الذي أنت فيه، فإذا حضر فقُلْ له: قد أردتُ الخروجَ إلى الناس في هذا اليوم، فمنعني هذا المرض، فاخرجْ إلى الناس وأخبرهم بما أنا فيه، وأخبرهم أني في غدٍ أخرج إليهم وأقضي حوائجهم وأنظر في أحوالهم ليطمئنوا ويسكن غيظهم، وإذا أصبحتَ فاستدْعِ بعشرة من عبيد أبيك، يكونون من أهل البأس والقوة، وتكون آمِنًا على نفسك منهم، ويكونون سامعين لقولك طائعين لأمرك كاتمين لسرك حافظين لودِّكَ، ثم أَوقِفْهم على رأسك وَأْمرهم ألَّا يمكِّنوا أحدًا من الدخول عليك إلا واحدًا بعد واحدٍ، فإذا دخل واحد فقُلْ لهم: خذوه واقتلوه. وإذا اتفقوا معك على ذلك، فأصبحْ ناصبًا كرسيك في ديوانك وافتح بابك، فإنهم إذا رأوك فتحتَ الباب طابَتْ نفوسهم، وأتوا لك بقلبٍ سليمٍ واستأذنوا في الدخول عليك، فَأْذن لهم في الدخول واحدًا بعد واحد كما قلتُ لكَ، وافعل بهم مرادك، ولكن ينبغي أن تبدأ بقتل شماس الكبير أولهم، فإنه هو الوزير الأعظم، وهو صاحب الأمر، فاقتله أولًا، ثم بعد ذلك اقتل الجميع واحدًا بعد واحد، ولا تُبْقِ منهم مَن تعرف أنه ينكث لكَ عهدًا، وكذلك كل مَن تخاف صولته؛ فإنك إذا فعلتَ بهم ذلك، فإنهم لا يبقى لهم قوة عليك، وتستريح منهم الراحة الكلية، ويصفو لك المُلْك وتعمل ما تحب، واعلم أنه لا حيلةَ لكَ أنفع من هذه الحيلة. فقال لها الملك: إن رأيك هذا سديد، وأمرك فيه رشيد، فلا بد أن أعمل ما ذكرتِ.
ثم أمر بعِصابة فشدَّ بها رأسه وتضاعَفَ وأرسل إلى شماس، فلما حضر بين يدَيْه قال له: يا شماس، قد علمتَ أني لك مُحِبٌّ ولرأيك مطيع، وأنت لي كالأخ والوالد دون كلِّ أحد، وتعرف أني أقبل منك جميع ما أمرتني به، وقد كنتَ أمرتني بالخروج إلى الرعية والجلوس لأحكامهم، وتحقَّقت أنها نصيحة منك لنا، وقد أردتُ الخروجَ إليهم بالأمس فعرض لي هذا المرض، ولستُ أستطيع الجلوس، وقد بلغني أن أهل المملكة متنغِّصون من عدم خروجي إليهم، وهموا أن يفعلوا بي ما لا يليق من شرِّهم، فإنهم غير عالمين بما أنا فيه من المرض، فاخرج إليهم وأعلمهم بحالي وما أنا فيه، واعتذر إليهم عني، فإني تابع لما يقولون وفاعل ما يحبون، فأصلِحْ هذا الأمر واضمن لهم عني ذلك، فإنك نصيح لي ولوالدي من قبلي، وعادتك الإصلاح بين الناس، وإن شاء الله تعالى في غدٍ أخرج إليهم، ولعلَّ مرضي أن يزول عني في هذه الليلة ببركة صالح نيتي، وما أضمرتُه لهم من الخير في سريرتي. فسجد شماس لله ودعا للملك وقبَّلَ يدَيْه وفرح بذلك، وخرج إلى الناس وأخبرهم بما سمعه من الملك ونهاهم عمَّا أرادوه، وأعلَمَهم بالعُذْر وسبب امتناع الملك عن الخروج، وأخبرهم أنه وعده في غدٍ بالخروج إليهم، وأنه يصنع لهم ما يحبون، فانصرفوا عند ذلك إلى منازلهم. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.