فلما كانت الليلة ٩٣٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أبا قير لما تعاتب هو وأبو صير قال له: كما أنت معرفة الملك أنا الآخَر معرفته، وإن شاء الله تعالى أنا أخليه يحبك ويكرمك زيادةً على هذا الإكرام من أجلي، فإنه لم يعرف أنك رفيقي، فأنا أعرِّفه بأنك رفيقي وأوصيه عليك. فقال له: ما أحتاج إلى وصية، فإن المحنن موجود، وقد أحَبَّني الملك هو وجميع دولته، وأعطاني كذا وكذا وأخبره بالخبر. ثم قال له: اقلع ثيابك خلف الصندوق وادخل الحمام، وأنا أدخل معك لأجل أن أكبِّسك. فخلع ما عليه ودخل الحمام ودخل معه أبو صير وكبَّسه وصبَّنه وألبسه واشتغل به حتى خرج، فلما خرج أحضَرَ له الغداءَ والشربات، وصار جميع الناس يتعجَّبون من كثرة إكرامه له، ثم بعد ذلك أراد أبو قير أن يعطيه شيئًا، فحلف أنه لا يأخذ منه شيئًا وقال له: استحِ من هذا الأمر وأنت رفيقي وليس بيننا فرق. ثم إن أبا قير قال لأبي صير: يا رفيقي، والله إن هذا الحمَّام عظيم، ولكن صنعتك فيه ناقصة. فقال له: وما نقصها؟ فقال له: الدواء الذي هو عقد الزرنيخ والجير الذي يزيل الشعر بسهولة، فاعمل هذا الدواء، فإذا أتى الملك فقدِّمه إليه وعلِّمه كيف يُسقِط به الشعر، فيحبك حبًّا شديدًا ويكرمك. فقال له: صدقتَ، إن شاء الله أصنع ذلك. ثم إن أبا قير خرج وركب بغلته وذهب إلى الملك ودخل عليه وقال له: أنا ناصح لكَ يا ملك الزمان. فقال له: وما نصيحتك؟ فقال: بلغني خبر وهو أنك بنيتَ حمامًا. قال: نعم، قد أتاني رجل غريب فأنشأتُه له كما أنشأتُ لكَ هذه المصبغة، وهو حمام عظيم، وقد تزيَّنَتْ مدينتي به. وصار يذكر له محاسنَ ذلك الحمام، فقال له أبو قير: وهل دخلْتَه؟ قال: نعم. قال: الحمد لله الذي نجَّاكَ من شرِّ هذا الخبيث عدو الدين وهو الحمَّامي. فقال له الملك: وما شأنه؟ قال أبو قير: اعلم يا ملك الزمان أنك إنْ دخلتَه بعد هذا اليوم فإنك تهلك. فقال له: لأي شيء؟ فقال له: إن الحمامي عدوُّكَ وعدو الدين، فإنه ما حملك على إنشاء هذا الحمام إلا لأن مراده أن يُدخِل عليك فيه السمَّ، فإنه صنع لك شيئًا، وإذا دخلتَه يأتيك به ويقول لك: هذا دواءٌ، كلُّ مَن دهن به تحته يرمي الشعر منه بسهولة، وليس هو بدواء بل هو داء عظيم وسمٌّ قاتل، وإن هذا الخبيث قد وعده سلطان النصارى أنه إنْ قتَلَكَ يفكُّ له زوجته وأولاده من الأسر، فإن زوجته وأولاده مأسورون عند سلطان النصارى، وكنتُ مأسورًا معه في بلادهم، ولكن أنا فتحتُ مصبغةً وصبغت لهم ألوانًا فاستعطفوا عليَّ قلبَ الملك، فقال لي الملك: أي شيء تطلب؟ فطلبتُ منه العتق، فأعتقني وجئتُ إلى هذه المدينة ورأيتُه في الحمَّام، فسألته وقلتُ له: كيف كان خلاصك وخلاص زوجتك وأولادك؟ فقال: لم أَزَلْ أنا وزوجتي وأولادي مأسورين، حتى إنَّ ملك النصارى عمل ديوانًا، فحضرتُ في جملةِ مَن حضر وكنتُ واقفًا من جملة الناس، فسمعتهم فتحوا مذاكرة الملوك إلى أن ذكروا ملك هذه المدينة، فتأوَّهَ ملك النصارى وقال: ما قهرني في الدنيا إلا ملك المدينة الفلانية، فكلُّ مَن تحيَّلَ لي على قتله، فإني أعطيه كلَّ ما يتمنَّى. فتقدَّمْتُ أنا إليه وقلتُ له: إذا تحيَّلْتُ لك على قتله هل تعتقني أنا وزوجتي وأولادي؟ فقال لي: نعم، أعتقكم وأعطيك كلَّ ما تتمنَّى. ثم إني اتفقتُ أنا وإياه على ذلك، وأرسلني في غليون إلى هذه المدينة، وطلعت إلى هذا الملك فبنى لي هذا الحمَّامَ، وما بقي عليَّ إلا أن أقتله وأروح إلى ملك النصارى وأفدي أولادي وزوجتي وأتمنَّى عليه. فقلتُ: وما الحيلة التي دبَّرْتَها في قتله حتى تقتله؟ قال لي: هي حيلة سهلة أسهل ما يكون، فإنه يأتي إليَّ في هذا الحمام، وقد اصطنعتُ له شيئًا فيه سمٌّ، فإذا جاء أقول له: خذ هذا الدواء وادهن به تحتك، فإنه يُسقِط الشعر. فيأخذه ويدهن به تحته فيلعب السمُّ فيه يومًا وليلة، حتى يسري إلى قلبه فيهلكه والسلام. فلما سمعتُ منه هذا الكلام خفتُ عليك؛ لأن خيرك عليَّ، وقد أخبرتُكَ بذلك.
فلما سمع الملك هذا الكلام غضب غضبًا شديدًا وقال للصباغ: اكتمْ هذا السر. ثم طلب الرواح إلى الحمَّام حتى يقطع الشك باليقين، فلما دخل الملك الحمَّام تعرَّى أبو صير على جري عادته، وتقيَّدَ بالملك وكبَّسه، وبعد ذلك قال له: يا ملك الزمان، إني عملتُ دواءً لتنظيف الشعر التحتاني. فقال له: أحضره لي. فأحضره بين يدَيْه فرأى رائحته كريهة، فصحَّ عنده أنه سمٌّ، فغضب وصاح على الأعوان وقال: أمسكوه. فقبض عليه الأعوان وخرج الملك وهو ممتزج بالغضب، ولا أحد يعرف سبب غضبه، ومن شدة غضب الملك لم يخبر أحدًا ولم يتجاسر أحدٌ على أن يسأله. ثم إنه لبس وطلع الديوان، ثم أحضَرَ أبا صير بين يدَيْه وهو مكتَّفٌ، ثم طلب القبطان فحضر، فلما حضر القبطان قال له الملك: خذ هذا الخبيث وحطَّه في زكيبة، وحط في الزكيبة قنطارين جيرًا من غير طفي، واربط فمها عليه هو والجير، ثم ضعها في الزورق وتعال تحت قصري، فتراني جالسًا في شبَّاكه، وقُلْ لي: هل أرميه؟ فأقول لك: ارمه. فإذا قلتُ لك ذلك فارْمِه حتى ينطفئ الجير عليه لأجل أن يموت غريقًا حريقًا. فقال: سمعًا وطاعة. ثم أخذه من قدام الملك إلى جزيرة قُبالَ قصر الملك، وقال لأبي صير: يا هذا، أنا جئتُ عندك مرة واحدة في الحمَّام فأكرمتني، وقمت بواجبي وانبسطت منك كثيرًا، وحلفتَ أنك لم تأخذ مني أجرة، وأنا قد أحببتُك محبةً شديدةً، فأخبرني ما قضيتك مع الملك؟ وأي شيء صنعتَ معه من المكاره حتى غضب عليك وأمرني أن تموت هذه الموتة الرديئة؟ فقال له: والله ما عملتُ شيئًا، وليس عندي علم بذنبٍ فعلتُه معه يستوجب هذا. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.