فلما كانت الليلة ٩٣٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن القبطان لما سأل أبا صير عن سبب غضب الملك عليه، قال له: والله يا أخي ما عملتُ معه شيئًا قبيحًا يستوجب هذا. فقال له القبطان: إنَّ لك عند الملك مقامًا عظيمًا ما ناله أحدٌ قبلك، وكل ذي نعمة محسود، فلعل أحدًا حسدك على هذه النعمة ورمى في حقِّكَ بعضَ كلامٍ عند الملك، حتى إن الملك غضب عليك هذا الغضب، ولكن مرحبًا بك وما عليك من بأس، فكما أنك أكرمْتَني من غير معرفةٍ بيني وبينك، فأنا أخلِّصك، ولكن إذا خلصتُكَ تقيم عندي في هذه الجزيرة حتى يسافر من هذه المدينة غليون إلى ناحية بلادك، فأرسلك معه. فقبَّلَ أبو صير يدَ القبطان وشكره على ذلك، ثم إنه أحضر الجيرَ ووضعه في زكيبة ووضع فيها حجرًا كبيرًا قدر الرجل، وقال: توكَّلْتُ على الله. ثم إن القبطان أعطى أبا صير شبكةً وقال له: ارمِ هذه الشبكةَ في البحر لعلك تصطاد شيئًا من السمك؛ لأن سمك مطبخ الملك مرتَّب عليَّ في كل يوم، وقد اشتغلتُ عن الصيد بهذه المصيبة التي أصابَتْكَ، فأخاف أن تأتي غلمان الطباخ ليطلبوا السمكَ فلا يجدوه، فإن كنتَ تصطاد شيئًا فإنهم يجدونه حتى أروح أعمل الحيلةَ تحت القصر، وأجعل أني رميتك. فقال له أبو صير: أنا أصطاد ورُحْ أنت والله يعينك. فوضع الزكيبة في الزورق، وسار إلى أن وصل تحت القصر، فرأى الملك جالسًا في الشبَّاك، فقال: يا ملك الزمان هل أرميه؟ فقال له: ارْمِه. وأشارَ بيده، وإذا بشيء برق، ثم سقط في البحر، وإذا بالذي سقط في البحر خاتم الملك، وكان مرصودًا بحيث إذا غضب الملك على أحدٍ وأراد قتله يشير عليه باليد اليمنى التي فيها الخاتم، فيخرج من الخاتم بارقة فتصيب الذي يشير عليه، فيقع رأسه من بين كتفَيْه، وما أطاعته العساكر ولا قهر الجبابرة إلا بسبب هذا الخاتم، فلما وقع الخاتم من إصبعه كتم أمره ولم يقدر أن يقول خاتمي وقع في البحر؛ خوفًا من العسكر أن يقوموا عليه فيقتلوه، فسكَتَ.
هذا ما كان من أمر الملك، وأما ما كان من أمر أبي صير، فإنه بعد ذهاب القبطان أخذ الشبكة وطرحها في البحر وسحبها، فطلعت ملآنة سمكًا، ثم طرحها ثانيةً فطلعت ملآنة سمكًا أيضًا، ولم يزل يطرحها وهي تطلع ملآنة سمكًا حتى صار قدامه كوم كبير من السمك. فقال في نفسه: والله إن لي مدة طويلة ما أكلتُ السمك. ثم إنه نقَّى له سمكةً كبيرةً سمينةً وقال: لما يأتي القبطان أقول له يقلي لي هذه السمكة لأتغذَّى بها. ثم إنه ذبحها بسكين كانت معه، فعلقت السكين في نخشوشها، فرأى خاتمَ الملك فيه؛ لأنها كانت ابتلعَتْه، ثم ساقَتْها القدرة إلى تلك الجزيرة، ووقعت في الشبكة، فأخذ الخاتم ولبسه في خنصره وهو لا يعلم ما فيه من الخواص، وإذا بغلامين من خدام الطباخ أتيَا لطلب السمك، فلما صارَا عند أبي صير قالَا: يا رجل، أين راح القبطان؟ فقال: لا أدري. وأشار بيده اليمنى، وإذا برأسي الغلامين وقعَا من بين أكتافهما حين أشار إليهما وقال: لا أدري. فتعجب أبو صير من ذلك وجعل يقول: يا تُرَى مَن قتلهما؟ وصعبَا عليه وصار يتفكَّر في ذلك، وإذا بالقبطان أقبَلَ فرأى كومًا كبيرًا من السمك، ورأى الاثنين مقتولين، ورأى الخاتم في إصبع أبي صير، فقال له: يا أخي، لا تحرِّك يدك التي فيها الخاتم، فإنك إنْ حرَّكْتَها قتلتني. فتعجَّبَ من قوله لا تحرِّك يدك التي فيها الخاتم، لأنك إن حرَّكتها قتلتني، فلما وصل له القبطان قال: مَن قتل هذين الغلامين؟ قال له أبو صير: والله يا أخي لا أدري. قال: صدقتَ، ولكن أخبرني عن هذا الخاتم من أين وصل إليك؟ قال: رأيتُه في نخشوش هذه السمكة. قال: صدقتَ، فإني رأيتُه نازلًا يبرق من قصر الملك حتى سقط في البحر وقت أن أشارَ إليك وقال لي: ارمه. فإنه لما أشار رميتُ الزكيبة، وكان سقط من إصبعه ووقع في البحر فابتعلَتْه هذه السمكة، وساقها الله إليك حتى اصطدْتَها فهذا نصيبك، ولكن هل تعرف خواص هذا الخاتم؟ قال أبو صير: لا أدري له خواصَّ. فقال القبطان: اعلم أن عسكر ملكنا ما أطاعوه إلا خوفًا من هذا الخاتم؛ لأنه مرصود، فإذا غضب الملك على أحدٍ وأراد قتله، يشير به عليه فيقع رأسه من بين كتفَيْه، فإن بارقةً تخرج من هذا الخاتم ويتصل شعاعها بالمغضوب عليه فيموت لوقته. فلما سمع أبو صير هذا الكلام فرِحَ فرحًا شديدًا، وقال للقبطان: ردَّني إلى المدينة. فقال له القبطان: أردُّكَ؛ فإني ما بقيتُ أخاف عليك من الملك، فإنك متى أشرتَ بيدك وأضمرت على قتله، فإن رأسه تقع بين يديكَ، ولو كنتَ تطلب قتل الملك وجميع العسكر فإنك تقتلهم من غير عاقةٍ. ثم أنزله في الزورق وتوجَّهَ به إلى المدينة. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.