فلما كانت الليلة ٩٤٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشاب لما قال: والله إن لي زمانًا وأنا أدور على مثل هذا. ثم قال: فتقدَّمتُ إليه يا أمير المؤمنين وسلَّمت عليه وقلت له: يا سيدي، إن لي عندك حاجة. فقال: ما حاجتك؟ قلت: أشتهي أن أكون ضيفك في هذه الليلة. فقال: حبًّا وكرامة. ثم قال: يا ولدي، عندي جوارٍ كثيرة، منهن مَن ليلتها بعشرة دنانير، ومنهن مَن ليلتها بأربعين دينارًا، ومنهن مَن ليلتها بأكثر، فاختَرْ مَن تريد. فقلت: أختار التي ليلتها بعشرة دنانير. ثم وزنتُ له ثلاثمائة دينار عن شهر، فسلَّمني لغلام، فأخذني ذلك الغلام وذهب بي إلى الحمَّام في القصر، وخدمني خدمةً حسنة، فخرجت من الحمَّام، وأتى بي إلى مقصورة وطرَقَ الباب، فخرجتْ له جارية، فقال لها: خذي ضيفك. فتلقَّتني بالرحب والسعة، ضاحكة مستبشرة، وأدخلتني دارًا عجيبة مزركشة بالذهب، فتأمَّلت في تلك الجارية فرأيتها كالبدر ليلة تمامه، وفي خدمتها جاريتان كأنهما كوكبان، ثم أجلستني وجلست بجانبي، ثم أشارت إلى الجواري فأتيْنَ بمائدة فيها من أنواع اللحوم من دجاج وسمان وقطًا وحمام، فأكلنا حتى اكتفينا، وما رأيت في عمري ألذَّ من ذلك الطعام، فلما أكلنا رفعتْ تلك المائدة وأحضرت مائدة الشراب والمشموم والحلوى والفواكه، وأقمت عندها شهرًا على هذا الحال، فلما فرغ الشهر دخلت الحمَّام وجئت إلى الشيخ وقلت له: يا سيدي، أريد التي ليلتها بعشرين دينارًا، فقال: زِنِ الذهب. فمضيت وأحضرت الذهب، فوزنتُ له ستمائة دينار عن شهر، فنادى غلامًا وقال له: خذ سيدك. فأخذني وأدخلني الحمَّام، فلما خرجت أتى بي إلى باب مقصورة وطرقه، فخرجت منه جارية، فقال لها: خذي ضيفك. فتلقَّتْني بأحسن ملتقى، وإذا حولها أربعُ جوارٍ، ثم أمرت بإحضار الطعام، فحضرت مائدة عليها من سائر الأطعمة، فأكلت، ولما فرغت من الأكل ورفعت المائدة، أخذتِ العود وغنَّت بهذه الأبيات:
فأقمتُ عندها شهرًا، ثم جئت إلى الشيخ وقلت: أريد صاحبة الأربعين دينارًا. فقال: زِنْ لي الذهب. فوزنتُ له عن شهرٍ ألفًا ومائتَيْ دينار، ومكثتُ عندها شهرًا كأنه يوم واحد لِمَا رأيت من حسن المنظر وحسن العِشرة، ثم جئت إلى الشيخ وكنا قد أمسينا، فسمعت ضجة عظيمة وأصواتًا عالية، فقلت له: ما الخبر؟ فقال لي الشيخ: إن هذه الليلة عندنا أشهر الليالي، وجميع الخلائق يتفرجون على بعضهم فيها، فهل لك أن تصعد على السطح وتتفرج على الناس؟ فقلت: نعم. وطلعت على السطح فرأيت ستارة حسنة، ووراء الستارة محل عظيم وفيه سدلة وعليها فرش مليح، وهناك صَبيَّة تدهش الناظرين حُسْنًا وجمالًا وقدًّا واعتدالًا، وبجانبها غلام يده على عنقها وهو يقبِّلها وتقبِّله، فلما رأيتهما يا أمير المؤمنين لم أملك نفسي ولم أعرف أين أنا لِمَا بهرني من حسن صورتها، فلما نزلتُ سألت الجارية التي أنا عندها وأخبرتها بصفتها، فقالت: ما لك وما لها؟ فقلت: والله، إنها أخذتْ عقلي! فتبسَّمت وقالت: يا أبا الحسن، ألك فيها غرض؟ فقلت: إي والله، فإنها تملَّكتْ قلبي ولبِّي. فقالت: هذه ابنة طاهر بن العلاء، وهي سيدتنا، وكلنا جواريها. أتعرف يا أبا الحسن بكم ليلتها ويومها؟ قلت: لا. قالت: بخمسمائة دينار، وهي حسرة في قلوب الملوك. فقلت: والله لَأُذهبنَّ مالي كله على هذه الجارية. وبتُّ أكابد الغرام طولَ ليلي، فلما أصبحت دخلت الحمَّام ولبست أفخر ملبوس من ملابس الملوك، وجئت إلى أبيها وقلت: يا سيدي، أريد التي ليلتها بخمسمائة دينار. فقال: زِنِ الذهب. فوزنت له عن كل شهر خمسة عشر ألف دينار، فأخذها، ثم قال للغلام: اعمد به إلى سيدتك فلانة، فأخذني وأتى بي إلى دارٍ لم تَرَ عيني أظرف منها على وجه الأرض، فدخلتها فرأيت الصبيَّة جالسة، فلما رأيتها أدهشتْ عقلي بحُسْنها يا أمير المؤمنين، وهي كالبدر في ليلة أربعة عشر. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.