فلما كانت الليلة ٩٥١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشاب لما أخبر الخليفة بقضية التجار، وبالجراب وما فيه من سائر أنواع الجواهر قال: يا أمير المؤمنين، ثم إن واحدًا من الرجلين الجالسَيْن على الكراسي التفت إلى التجار وقال لهم: يا معاشر التجار، أنا ما أبيع في يومي هذا لأني تعبان. فتزايدت التجار في الثمن حتى بلغ مقداره أربعمائة دينار، فقال لي صاحب الجراب وكان بيني وبينه معرفة قديمة: لماذا لم تتكلَّم ولم تزوِّد مثل التجار؟ فقلت له: والله يا سيدي ما بقي عندي شيء من الدنيا سوى مائة دينار. واستحييت منه ودمعت عيني، فنظر إليَّ وقد عسر عليه حالي، ثم قال للتجار: اشهدوا عليَّ أني بعتُ جميع ما في الجراب من أنواع الجواهر والمعادن لهذا الرجل بمائة دينار، وأنا أعرف أنه يساوي كذا وكذا ألف دينار، وهو هدية مني إليه. فأعطاني الخرج والجراب والبساط وجميع ما عليه من الجواهر، فشكرته على ذلك، وجميع مَن حضر من التجار أثنَوْا عليه، ثم أخذتُ ذلك ومضيت به إلى سوق الجواهر، وقعدت أبيع وأشتري، وكان من جملة هذه المعادن قرص تعويذ صنعة المعلمين، زِنتُه نصفُ رطل، وكان أحمر شديد الحُمْرة، وعليه أسطر مثل دبيب النمل من الجانبَيْن، ولم أعرف منفعته، فبعتُ واشتريت مدة سنة كاملة، ثم أخذتُ قرصَ التعويذ وقلت: هذا له عندي مدة لا أعرفه ولا أعرف منفعته. فدفعتُه إلى الدلَّال فأخذه ودار به، ثم عاد وقال: ما دفع فيه أحد من التجار سوى عشرة دراهم. فقلت: ما أبيعه بهذا القدر! فرماه في وجهي وانصرف، ثم عرضتُه للبيع يومًا آخر فبلغ ثمنه خمسة عشر درهمًا، فأخذته من الدلَّال مغضبًا، ورميته عندي.
فبينما أنا جالس يومًا، إذ أقبل عليَّ رجل فسلَّم عليَّ وقال لي: عن إذنك، هل أقلِّب ما عندك من البضائع؟ قلت: نعم. وأنا يا أمير المؤمنين مغتاظ من كساد قرص التعويذ، فقلَّبَ الرجل البضاعة ولم يأخذ منها سوى قرص التعويذ، فلما رآه يا أمير المؤمنين قبَّلَ يده وقال: الحمد لله! ثم قال: يا سيدي، أتبيع هذا؟ فازداد غيظي وقلت له: نعم. فقال لي: كم ثمنه؟ فقلت له: كم تدفع أنت فيه؟ قال: عشرين دينارًا. فتوهَّمتُ أنه يستهزئ بي، فقلت: اذهب إلى حال سبيلك. فقال لي: هو بخمسين دينار. فلم أخاطبه، فقال: بألف دينار. هذا كله يا أمير المؤمنين وأنا ساكت ولم أُجِبه، وهو يضحك من سكوتي ويقول: لأي شيء لم تردَّ عليَّ؟ فقلت له: اذهب إلى حال سبيلك. وأردت أن أخاصمه وهو يزيد ألفًا بعد ألف، ولم أردَّ عليه حتى قال: أتبيعه بعشرين ألف دينار؟ وأنا أظن أنه يستهزئ بي، فاجتمع علينا الناس وكلٌّ منهم يقول لي: بِعْه، وإن لم يشترِ فنحن الكل عليه، ونضربه ونُخرِجه من البلد. فقلت له: هل أنت تشتري أو تستهزئ؟ فقال: هل أنت تبيع أو تستهزئ؟ قلت له: أبيع. قال: هو بثلاثين ألف دينار، خذها وأمضِ البيع. فقلت للحاضرين: اشهدوا عليه، ولكن بشرط أن تخبرني ما فائدته، وما نفعه. قال: أمضِ البيع وأنا أخبرك بفائدته ونفعه. فقلت: بِعتُك. فقال: الله على ما أقول وكيل. ثم أخرَجَ الذهب وقبَّضني إياه، وأخذ قرص التعويذ ووضعه في جيبه، ثم قال لي: هل رضيتَ؟ قلت: نعم. فقال: اشهدوا عليه أنه أمضى البيع وقبض الثمن ثلاثين ألف دينار. ثم إنه التفت إليَّ وقال لي: يا مسكين، والله لو أخَّرتَ البيع لزدناك إلى مائة ألف دينار، بل إلى ألف ألف دينار. فلمَّا سمعت يا أمير المؤمنين هذا الكلام نفر الدم من وجهي، وعلا عليه هذا الاصفرار الذي أنت تنظره من ذلك اليوم. ثم قلت له: أخبرني ما سبب ذلك؟ وما نفع هذا القرص؟ فقال: اعلم أن ملك الهند له بنت لم يُرَ أحسن منها، وبها داء الصداع، فأحضر الملك أرباب الأقلام وأهل العلوم والكهان، فلم يرفعوا عنها ذلك، فقلتُ له — وكنت حاضرًا بالمجلس: أيها الملك، أنا أعرف رجلًا يُسمَّى سعد الله البابلي، ما على وجه الأرض أعرَفُ منه بهذه الأمور، فإن رأيتَ أن ترسلني إليه فافعل. فقال: اذهب إليه. فقلت له: أَحضِر إليَّ قطعة من العقيق. فأحضر لي قطعة كبيرة من العقيق ومائة ألف دينار وهدية، فأخذت ذلك وتوجَّهت إلى بلاد بابل، فسألت عن الشيخ فدلُّوني عليه، ودفعت له المائة ألف دينار والهدية، فأخذ ذلك مني، ثم أخذ القطعة العقيق وأحضر حكَّاكًا فعملها هذا التعويذ، ومكث الشيخ سبعة أشهر يرصد النجم حتى اختار وقتًا للكتابة وكتب عليه هذه الطلاسم التي تنظرها، ثم جئت به إلى الملك. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.