فلما كانت الليلة ٩٥٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشاب لما قال في نفسه: لو سألت الكُتبي عن هذه الصورة لربما أخبرني، فإن كانت صورةً مُطلَقةً تركتُ التولُّع بها، ولا أعذِّب نفسي بشيء لا حقيقة له. فلما كان يوم الجمعة مرَّ على الكُتبي، فنهض إليه قائمًا، فقال له: يا عمِّ، أخبرني مَن صنع هذه الصورة؟ قال: يا سيدي، صنعها رجل من أهل بغداد يُقال له أبو القاسم الصندلاني، في حارة الكرخ، وما أعلم صورةَ مَن هي. فقام الغلام من عنده ولم يُعلِم بحاله أحدًا من أهل مملكته، ثم صلَّى الجمعة وعاد إلى البيت، فأخذ جرابًا وملأه من الجواهر والذهب، وقيمة الجواهر ثلاثون ألف دينار، ثم صبر إلى الصباح وخرج ولم يُعلِم أحدًا، ولحق قافلة فرأى بدويًّا، فقال له: يا عمِّ، كم بيني وبين بغداد؟ فقال له: يا ولدي، أين أنت وأين بغداد؟! بينك وبينها مسيرة شهرين. فقال له: يا عمِّ، إن وصَّلتني إلى بغداد أعطيتك مائة دينار، وهذه الفرس التي تحتي وقيمتها ألف دينار. فقال له البدوي: الله على ما تقول وكيل، ولكن لا تنزل في هذه الليلة إلا عندي. فأجابه إلى قوله وبات عنده، فلما لاح الفجر أخذه البدوي ثم سار به سريعًا في طريق قريب؛ طمعًا في تلك الفرس التي وعده بها، وما زالا سائرَيْن حتى وصلا إلى حيطان بغداد، فقال له البدوي: الحمد لله على السلامة يا سيدي، هذه بغداد. ففرح الغلام فرحًا شديدًا، ونزل عن الفرس وأعطاها للبدوي هي والمائة دينار، ثم أخذ الجراب وسار يسأل عن حارة الكرخ، وعن محل التجار، فساقه القدر إلى درب فيه عشر حجر، خمس تقابل خمسًا، وفي صدر الدرب باب بمصراعين، له حلقة من فضة، وفي الباب مصطبتان من الرخام مفروشتان بأحسن الفرش، وفي إحداهما رجل جالس وهو مُهابٌ حسن الصورة، وعليه ثياب فاخرة، وبين يديه خمسة مماليك كأنهم أقمار. فلما رأى الغلام ذلك عرف العلامة التي ذكرها له الكُتبي، فسلَّم على الرجل، فردَّ عليه السلام ورحَّب به، وأجلسه وسأله عن حاله، فقال له الغلام: أنا رجل غريب، وأريد من إحسانك أن تنظر لي في هذا الدرب دارًا لأسكن فيها. فصاح الرجل وقال: يا غزالة. فخرجت إليه جارية وقالت: لبيك يا سيدي. فقال: خذي معك بعض خدم واذهبوا إلى حجرة ونظِّفوها وافرشوها وحطُّوا فيها جميع ما يحتاج إليه من آنية وغيرها لأجل هذا الشاب الحسن الصورة. فخرجت الجارية وفعلت ما أمرها به، ثم أخذه الشيخ وأراه الدار، فقال له الغلام: يا سيدي، كم أجرة هذه الدار؟ فقال له: يا صَبيح الوجه، أنا ما آخذ منك أجرة ما دمتَ فيها. فشكره على ذلك.
ثم إن الشيخ نادى جارية أخرى، فخرجت جارية كأنها الشمس، فقال لها: هاتي الشطرنج. فأتت به، ففرش المملوك الرقعة وقال الشيخ للغلام: أتلعب معي؟ قال: نعم. فلعب معه مرات والغلام يغلبه، فقال: أحسنت يا غلام، ولقد كملت صفاتك، والله ما في بغداد مَن يغلبني، وقد غلبتني أنت. ثم بعد أن هيَّئوا الدار بالفرش وسائر ما يحتاج إليه، سلَّم إليه المفاتيح وقال له: يا سيدي، ألا تدخل منزلي وتأكل عيشي فنتشرَّف بك؟ فأجابه الغلام إلى ذلك، ومشى معه، فلما وصلا إلى الدار رأى دارًا حَسَنة جميلة مزركشة بالذهب، وفيها من جميع التصاوير، وفيها من أنواع الفرش والأمتعة ما يعجز عن وصفه اللسان. ثم صار يحييه وأمر بإحضار الطعام، فأتوا بمائدة من شغل صنعاء اليمن، فوُضِعت، وأتوا بالطعام ألوانًا غريبة لم يوجد أفخر منها ولا ألذُّ، فأكل الغلام حتى اكتفى، ثم غسل يديه، وصار الغلام ينظر إلى الدار والفرش، ثم التفت إلى الجراب الذي كان معه فلم يَرَه، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أكلتُ لقمةً تساوي درهمًا أو درهمين فذهب مني جراب فيه ثلاثون ألف دينار، ولكن استعنتُ بالله. ثم سكت ولم يقدر أن يتكلم. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.